ربع العراقيين يعيشون تحت خط الفقر رغم الثروة النفطية الهائلة
٩ يونيو ٢٠١٠يبدو تناقض المشهد بين أطراف المدن العراقية، وخاصة في الجنوب الغني بالنفط وبين مراكز المدن واضحاً للعيان، فخارج المدن يلاحظ المرء شعلات الغاز المحترق الناتج عن استخراج النفط وفي مركز المدينة جموع المتسولين وبائعي الأرصفة من الأطفال وكبار السن والنساء في بلد تضاء سماؤه ليلاً ونهاراً بالغاز والنفط. فهل يعود هذا التناقض إلى الأحداث التي تلت سقوط النظام السابق أم إنه يعود إلى حقبة تاريخية أبعد من ذلك؟
أعباء أخطاء الماضي
يعتقد بعض خبراء الاقتصاد، ومن بينهم العراقي مناف الصائغ، أن مشكلة الفقر في العراق ليست وليدة اليوم، بل أن جذورها تمتد إلى ما قبل عام 2003. ويعلل الصائغ ذلك بأن النظام السابق كان ينتهج سياسة اقتصادية خاطئة، ناهيك عن غياب البرامج والأطر الواضحة عن مسيرة الاقتصاد العراقي في ذلك الحين. ويضيف الصائغ في هذا السياق: "لذلك ترى التخبط في كل المجالات، مما أدى إلى انخفاض مستوى مشاركة قطاعات مهمة كالصناعة والتجارة والزراعة في الناتج المحلي الإجمالي واعتماد العراق على الثروة النفطية فقط".
وبعد إسقاط نظام صدام حسين على يد الولايات المتحدة عام 2003 واجه العراق مشاكل جمة، في مقدمتها انعدام الأمن والاستقرار ودمار أجهز على ما تبقى من البنية التحتية التي ألم بها دمار كبير جراء حرب الخليج عام 1991 والحصار الاقتصادي الذي فرض عليه بعد ذلك من قبل الأمم المتحدة. فقد زاد هذا الحصار من الخراب الذي طال ليس فقط الصناعات المهملة أصلاً من الدولة، بل حتى صناعة النفط التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد.
أما بالنسبة لعراق ما بعد مرحلة حكم حزب البعث، فيؤكد مناف الصائغ أن الظروف التي مر بها العراق بعد عام 2003 من احتلال وإرهاب أثرت بشدة أيضاً على عملية إعادة تنشيط الاقتصاد العراقي بشكل سريع. ويضيف الصائغ في هذا السياق في لقاء مع دويتشه فيله قائلاً: "لكن كما نعلم فان وسائل الإنتاج في هذا القطاع وصلت إلى مرحلة متقدمة من التهالك بسبب عدم صيانتها إضافة إلى عدم نصب وحدات إنتاجية جديدة وحفر آبار جديدة لتعزيز قدرات العراق الإنتاجية للبترول. كل هذه العوامل تضافرت ضد قدرة هذا القطاع في أن ينتج المستويات المقررة له من خلال منظمة الأوبك، مما اثر سلباً على عوائد العراق من الثروة النفطية".
بين تحرير الاقتصاد ونقمة الثروة النفطية
ويبدو أن معضلة الاقتصاد العراقي تكمن أيضاً في الثروة النفطية الهائلة نفسها، فحتى بعد عام 2003 ما تزال الدولة معتمدة كلياً على قطاع النفط، الأمر الذي أدى إلى إهمال القطاعات الأخرى وما ينتج عن ذلك من زيادة معدلات البطالة والفقر لانعدام فرص العمل.
أما عن مشكلة البطالة فيقول الخبير الاقتصادي العراقي: "إن عدم تنشيط القطاع الخاص وعدم قدرته على مواصلة دوره جنباً إلى جنب مع القطاع العام وعدم وجود استثمار محلي ناشط وفاعل أثر بشكل كبير على سوق العمل وأدى إلى ارتفاع معدلات البطالة في العراق".
وفي ظل غياب الأطر والبرامج الاقتصادية الناجعة أرتفع عدد العراقيين، الذين يعيشون تحت خط الفقر، إلى قرابة سبعة ملايين شخص، وفق أحدث إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء، وهذا الرقم يشكل ما نسبته 23 في المائة من العراقيين. وهذا الأمر بدأ يشكل تحدياً حقيقياً أمام الحكومة العراقية. وفي هذا الإطار يرى الصائغ إن من الضروري بناء إستراتيجية واضحة لمحاربة الفقر، "تقوم على عدالة توزيع الثروات ورفع مستوى الدخل بشكل واضح وتحسين المستوى الصحي للفقراء وإيجاد حماية اجتماعية فعالة". ويضيف الصائغ أن من الضروري أيضاً "تقليص الفجوة في سوق العمل بين النساء والرجال".
لكن يبدو أن على السبعة ملايين عراقي من الفقراء الانتظار طويلاً حتى يخرج البلد من مأزقه السياسي الراهن، وربما يجنون يوما ً شيئاً مما يحترق في سماء بلادهم.
الكاتب: عباس الخشالي
مراجعة: عماد مبارك غانم