رحلة سياحية لحماية البيئة
٢١ ديسمبر ٢٠١٠في الثامنة صباحا تكون كل المقاعد المخصصة للاسترخاء أمام حوض السباحة محجوزة. وفي الحادية عشرة يتجرع النزلاء دلوا من مشروب سانغريا الأسباني، بانتظار افتتاح البوفيه، حيث يأكل النزيل ما طاب له مقابل مبلغ ثابت All-you-can-eat. أما العاملون في الفندق فهم يتحدثون الألمانية. هكذا تبدو الصورة تقريبا عند قضاء سائح ألماني لعطلة في جزيرة مايوركا الإسبانية. وتبلغ التكلفة لقضاء عطلة من هذا القبيل في الأسبوع 287 يورو، تشمل تذكرة الطائرة والمرطبات.
السياحة البيئية: قبس من أمل
ويمثل السيناريو السابق الذي تم سرده، إحدى الإمكانيات للهروب من روتين الحياة اليومية دون تحمل تكاليف مادية كبيرة. إلا أن ذلك يمثل في الوقت ذاته خطرا داهما على البيئة. فتوافد السياح المستمر بأعداد هائلة على جزيرة مايوركا يمثل عبئا على المنطقة ويضر بالطبيعة. وتعاني مايوركا من عدد من المشاكل من ضمنها نقص المياه وتراجع مساحات الشواطئ بسبب المجمعات الفندقية. وهذه إحدى التبعات التي ترتبت على السياحة الجماعية من الدول الصناعية المتقدمة كألمانيا وانجلترا منذ الخمسينات.
وهناك بدائل أخرى متاحة غير التزاحم على شواطئ العالم الرائعة، والبديل يتمثل فيما يعرف بـ "السياحة الناعمة". ويُفهم تحت هذا المصطلح الجامع عدة مضامين وأفكار ترتبط بالسياحة البيئية، إلا أن الأساس واحد وهو أن السفر حول العالم يجب أن يراعي كل الأبعاد الاجتماعية وألا تتعرض المنطقة السياحية للتدمير أو التغيير من قبل السياح.
سياحة بضمير حي
إن السياحة البيئية تمثل شكلا من أشكال السفر والتنقل المسؤول يؤدي في المحصلة إلى تحقيق هدف حماية البيئة ويأتي لمصلحة السكان المحليين في المنطقة السياحية المحددة. وكما يوضح الياكو ايزاكي من التجمع العالمي للسياحة البيئية TIES، فمن المفترض أن تعود السياحة بالفائدة على الطبيعة والإنسان، وذلك على المستويات الثقافية والاقتصادية والبيئية. ولتحقيق هذا الهدف المنشود يجب على السياح إنفاق المزيد من المال، وهو السبيل لتجنب تأنيب الضمير. إن بعض السياح لا يشعرون بالرضي لاستهلاك كمية كبيرة من المياه عند الاستحمام، بينما يعاني السكان المحليون من نقص في مياه الشرب النظيفة.
إن تحولا من هذا القبيل ضروري بالنظر إلى ظاهرة التغير المناخي التي تتزايد حدتها. في الماضي كانت تكاليف السفر مرتفعة إلى درجة كان السفر متاحا لقلة قليلة فقط من الناس. أما في العقود الأخيرة فقد أصبح السفر لقضاء العطلة من المسلمات، على الأقل بالنسبة لسكان الدول الصناعية المتقدمة. وعلى المستوى العالمي يبلغ عدد السياح حوالي 900 مليون شخص في العام، ويرتبط هذا بتبعات وخيمة. فتزايد النمو في القطاع السياحي يقابله ارتفع انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بمعدل متسارع.
خلايا شمسية على سقوف الفنادق
إلا أن قطاع السياحة البيئة يشهد بدوره نموا ملحوظا، وبحسب التجمع العالمي للسياحة البيئية TIES، فإن معدل النمو السنوي وصل إلى 34 في المائة منذ عام 1990. ويعتقد جوناتان تورتيلو من مركز ناشونال جيوغرافيك National Geographic للتنقل المستدام أن هذا التطور يرجع إلى زيادة الوعي بحماية البيئة وبالجهود لمكافحة التغير المناخي. وكما يقول تورتيلو فإن "الطلب يزداد على المناطق السياحية التي تحافظ على شكلها الطبيعي الأصلي دون تغيير."
وبالطبع فإن الطائرة تظل وسيلة السفر الأساسية حتى في قطاع السياحة البيئة، والسفر بالطائرة يتسبب في نسب إضافية من انبعاثات الغازات الضارة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المراكز السياحية تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء، حيث غالبا ما يتم الاعتماد على الوقود الأحفوري بشكل أساسي لتوليد الطاقة اللازمة لتشغيل مصافي المياه في حمامات السباحة وأنظمة التكييف وكذلك نظم الإضاءة. إن تقليص الأضرار التي تلحق بالبيئة أمر ممكن، على سبيل المثال من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لتشغيل الأنظمة الضرورية في المراكز السياحية.
الاختلاف كحافز
وتمثل جزيرة خو خاو التايلاندية نموذجا للمسار المختلف الذي يمكن إتباعه لدى تنفيذ المشروعات السياحية. إذ إن شاطئ الجزيرة على سبيل المثال، يغطي جزءا كبيرا من احتياجاته من الطاقة عبر نظام هجين هو مزيج من محطة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ويتمثل الهدف المنشود من خلال ذلك، في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 20 في المائة. وعلى المدى الطويل يطمح المسؤولون لأن تصبح الجزيرة برمتها نموذجا للسياحة المستدامة.
وعلى نقيض السياحة التقليدية تعتمد السياحة البيئية في الجزيرة على الطبيعة الأصلية في المنطقة دون إدخال تغييرات عليها. وليس على السياح هنا قضاء وقتهم في بيئة نظيفة مصطنعة بجوار الفندق، وإنما التعرف على البيئة المتنوعة في المنطقة والاستمتاع بالجمال الطبيعي فيها، وفي هذا بالتحديد تكمن القدرات الكبيرة التي تمتلكها الجزيرة. إن هذه الجزيرة تمثل البيئة الطبيعية لحياة السلاحف البحرية والدلافين والطيور النادرة، لذا يعتبر التطور الحذر الذي يراعي سلامة البيئة في القطاع السياحي، من الأهمية بمكان لحماية هذه الكائنات.
السياحة الرفيقة بالبيئة كنموذج للتنمية
إن أهداف السياحة البيئية لا تقتصر على حماية المناخ فحسب، وإنما أيضا يتم إدراج هذا المفهوم في المناقشات بخصوص السياسات التنموية. وكما يوضح اياكو ايزاكي من التجمع العالمي للسياحة البيئية TIES فإن السياحة البيئية من شأنها تمكين المجموعات المحلية من تفعيل جهودها لمكافحة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة. وهي تتيح علاوة على ذلك للسياح التعرف على ثقافة البلد الذي يزورونه والاختلاط مع السكان المحليين والتحدث إليهم.
وكما يقول إيزاكي فإن "السياحة البيئية هي طريق بمسارين، وعلى الرغم من أنها متبعة حاليا في كثير من بلدان الجنوب لتكون بمثابة نموذج تنموي، إلا أن هذا لا يعني أنه لا وجود لها في البلدان الغنية اقتصاديا." وعلى سبيل المثال يعمل مركز ناشونال جيوغرافيك National Geographic للتنقل المستدام بالتعاون مع مبادرة في "وادي دورو" في البرتغال لتعزيز السياحة المستدامة في المنطقة. كما أن هناك بادرة أمل في جزيرة مايوركا، إذ أن العديد من المشاريع نفذت بهدف إظهار جمال الطبيعة والحفاظ عليه بعيدا عن السياحة الجماعية. وفي هذا الإطار فرضت الحكومة الاسبانية إجراءات ترمي لوقف بناء الفنادق بعض المناطق.
نيلي ينش، نهلة طاهر
مراجعة: طارق أنكاي