رشا حلوة: اتركوا ياسمين عبد العزيز وكل النساء وشأنهن!
٦ مارس ٢٠٢٠أثار المنشور الذي كتبه عبر صفحته الممثل المصري، وائل عبد العزيز، عن أخته، الممثلة المصرية، ياسمين عبد العزيز، ضجة كبيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي وكذلك بعض وسائل الإعلام. فمع مشاركة صورة أخته بصحبة الفنان أحمد العوضي، كتب وائل السؤال: "ادخل البيت من بابه يا عوضي مش دي برضه أخلاق عين شمس؟"، في تلميح إلى أن هنالك علاقة عاطفية ما بين الطرفين، وهو لا يعرف عنها، ويدعو الرجل في هذه العلاقة لأن "يدخل من الباب"، حيث جاءت دعوة وائل علنية، ومن جهة أخرى فيها من فرض الأحكام الأخلاقية على الشخص، وعلى أخته بالطبع، والتحكم بحياتها.
بعد الصورة، كتب وائل منشوراً آخر يتوجه فيه بالحديث إلى أخته، و"يسرد" لها وقوفه إلى جانبها منذ صغرها، لكن "أهم" ما في المنشور هو الاتهامات المتواصلة لكونها "أساءت لسمعتها وسمعة العائلة"، وهي رسالة في مضمونها "مألوف"، بحيث ليس جديداً علينا أن نسمع أخ "يوعظ" أخته عن حياتها و"سمعتها" و"شرفها"، وكونها امرأة "مطلقة"، ويشعر أنه الوصي عليها، سواء كان أكبر أو أصغر منها عمراً، لكن "الغريب" في الموضوع أن هذا الوعظ حصل علناً.
ما أثاره حديث وائل عبد العزيز عبر التواصل الاجتماعي، كان بجزء كبير منه هجوماً عليه، وعلى أدائه تجاه أخته، ومنه هذا الهجوم كان: "هذا الكلام يجب أن يكون بينكما وليس على العلن"، لكن في حديثي عن "غرابة" علنية الموقف، بالتأكيد لا أوافق على أن يكون هذا الحديث أيضاً فقط "داخلياً" بين الأخ أو أخته، بهذه الصورة، أي بمعنى، لا أوافق على وصاية الرجل على المرأة، بأي شكل كان، علنياً كان أو بالسرّ.
الأمر الآخر الذي أرغب في توضيحه هو ما يُسمى بحجة المحبة، أو دور الضحية الذي لعبه وائل عبد العزيز من أجل كسب تعاطف الناس إلى جانبه، من جهة، ومن جهة أخرى، أن يُغلف أقواله ورسالته المسيئة بغلاف المحبة لأخته والخوف عليها ورعايتها وما إلى ذلك من مشاعر شوهتنا قبل أن تشوه الآخرين. بمعنى، إن تغليف التعنيف – سواء كان مقصوداً أم غير مقصود - بمشاعر المحبة والعطف، لا يخفف من بشاعة التعنيف والعنف. الأزمة هي أننا كبرنا في مجتمعات تسيطر عليها عقليات ذكورية، تواصل قمعنا باسم المحبة أيضاً.
إن الجانب "الإيجابي" لهذه القضية، إنّ صح استخدام تعبير إيجابي، هو النقاش الذي أثاره حديث وائل عن أخته وحياتها الشخصية. نعم، هنالك إدراك ما أن "إيجابية" النقاش جاءت أيضاً لأن ياسمين عبد العزيز هي ممثلة جيّدة ومشهورة، حيث وللأسف، يختلف أحياناً تقييم الناس لمثل هذه المواقف عندما تتعلق بمشاهير مقابل اتخاذ موقف مختلف تماماً، عندما يتعلق الأمر بأختهم أو ابنتهم.
لكن، بالعودة إلى الشق الإيجابي، الذي دائماً داخلي أمل أن يؤثر إيجاباً بشكل ما على آخرين، فالمتابعين/ات للقضية، أخذوها إلى منحى أوسع، على أن ما تعرّضت له ياسمين من قبل أخيها هي قصة نساء عربيات عديدات، يفكرن في المضي في حياتهن بعد الطلاق، كما وهي قصة كل امرأة تحاول تحدي القيود التي تفرضها العائلة وأفرادها عليها، وتتحكم فيها الذكور بقرارات تخص حياتها وجسدها.
فمن المنشورات التي كُتبت: "أنا والله موضوع ياسمين عبدالعزيز دا مخليني أشفق على كل الستات اللي عايشة في مصر وفي فحياتها راجل بالدماغ دي"، وأيضاً: "ياسمين عبدالعزيز صعبانه علي (...) والله، يعني بعد صدمة طلاقها راجعة تزهر كده مع الدنيا وتحب تاني، تلاقيلها أخ طالع (...) يفرشلها الملاية عالسوشال ميديا ويتحشر في اللي ملوش فيه، الناس جرالها ايه والله... إيه كمية الاستحقاق والهطل ده".
من متابعة المنشورات حول القصة، ليس من الصعب ملاحظة أن "الخناقة" تدور بين رجلين، أو ذكرين، بمثل هذا الحال. ياسمين عبد العزيز بالعموم لم ترد على أخيها، اكتفت هي وحبيبها، أحمد العوضي، بالرد من خلال نشر صورة تجمعهما، كتب هو عليها: "بحبك يا ياسمين"، وكتبت هي بدورها: "بحبك يا أحمد".
لكن بالعودة إلى الرجال في القصة، فبعد أن كتب وائل منشوره، رد عليه أحمد العوضي بمنشور، حذفه فيما بعد، لكن ما كتبه العوضي (وليته لم يكتب) لم يكن أقل سوءا مما كتبه أخوها. فتحوّلت القصة إلى حالة شبيه بـ "خناقة زلام".
بداية، فكرة أن العوضي شعر بضرورة "الرد" باسم حبيبته، النابع من منطلق "الرجل حامي المرأة"، هي فكرة لا تختلف عن مسألة وصاية الأخ على أخته. النقطة الثانية هي ما احتواه المنشور من "ردح"، ومحاولات لتقليل من شأن "الرجل" الذي أمامه، أي وائل في هذه الحالة، من خلال معايرته بحياته المهنية ومن يصرف عليه، وأشار العوضي: "أنا أجري (معاشي) الحمدلله يعيشني كويس ويجبلي عربية حلوة وبيت كويس… بمجهودي وشغلي مش على عرق وحدة ست". وهنا، تتلخص رؤية "التقليل من شأن المرأة"، وأكثر ما يعبّر عن هذه الحالة، ما كتبته إحدى المتابعات للحكاية عبر تويتر: "أخو ياسمين عبد العزيز وأحمد العوضي، الاثنين ما يتخيروش عن بعض… ومتعاطفة جداً مع ياسمين".
بالعموم، هذه عوامل أساسية من حكاية أخ ياسمين عبد العزيز وحبيبها، واسميها هكذا لأنهما العنصران اللذان قررا أن "يلعبا" بحياتها وقراراتها، وعلناً أيضاً.
كل الكارثة المتواصلة تكمن بما يشعره بعض الرجال من أحقية في التحكم بحيوات أخواتهن أو حبيباتهن أو أي امرأة قريبة منهن، هذه الأحقية التي تطبطب عليها وتوفّرها المنظومات الأبوية والذكورية، التي تؤمن بأنها تعرف أكثر ما هو الأفضل للفتاة/ الابنة/ المرأة، إلخ… هذا "التفوق الأخلاقي" الذي يشعر به البعض ويستخدمه من أجل قمع النساء والحدّ من حرياتهن، هي ما تحاول نساء كثيرات في العالم التحرر منه، سراً أو علناً، لا يهم، ولربما، ما تحاول ياسمين عبد العزيز التحرّر منه، ولربما كل ما نتج من تصرفات عن أخيها هي لأن ياسمين ونساء أخريات كثيرات يواصلن هزّ عروش الذكورية، بمزاجهن وكيفما يشأن.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW عربية.