رشا حلوة: الحملة ضد مشروع "ليلى"..القمع باسم حماية المقدسات
٢٦ يوليو ٢٠١٩منذ أن تشكّلت فرقة "مشروع ليلى" عام 2008، وهي تتعرض لمحاولات قمع مجتمعية وسياسية عديدة، أساسها مضمون أغاني الفرقة فيما يتعلق بالمثلية الجنسية. وهي من الفرق العربية الأولى التي وضعت قضايا الجنسانية والهويّات الجنسية في الواجهة، لكنها لست الوحيدة أيضًا، وقد خلقت في توجهها المضموني هذا ملجأ لمجتمع الميم العربي، وسط القمع الذي يلاحق المثليين/ات والعابرين/ات جنسيًا في المنطقة.
في الأردن عام 2016، مُنعت الفرقة بشكل غير رسمي من الغناء، وبعدها بعام، وفي حفل أقامته "مشروع ليلى" عام 2017 في القاهرة، رُفعت فيه أعلام قوس قزح والتي ترمز للحراك الاجتماعي للدفاع عن حقوق المثليين والمثليات، مما أثار فعل الجمهور جدلًا واسعًا واعتقالات لحاملي/ات الراية ومنع الفرق من دخول الأراضي المصرية بحجة "دعم المثلية وتهديم أخلاق المجتمع".
بالتالي، وللأسف، الفرقة معتادة على الهجوم الذي يلاحق مضمونها الموسيقي الذي يتضمن الكثير من التعبير عن قضايا اجتماعية وسياسية وحريات فردية. إلا أن الهجوم الجديد الذي تتعرض له الفرقة، والعنف والتهديد الذي يلاحقها هذه الأيام هو في لبنان، عشية حفل الفرقة في مدينة "جبيل"، المدينة التي استضافت حفلة لمشروع ليلى عام 2010.
المهم، أن هذه المرة كانت أساس الهجوم على الفرقة هو حجة "الإساءة للمقدسات المسيحية"، كان هذا الاتهام كافيًا "لإشعال الشارع" ضد الفرقة، حيث تلى بيان مطرانية جبيل المارونية، الصادر في 22 تموز/يوليو، موجة من التحريض والتهديدات عبر صفحات الإعلام الاجتماعي ضد الفرقة، من منشورات، فيديوهات وما إلى ذلك.
هذه المرة، كان الهجوم على الفرقة برعاية سلطوية دينية وسياسية أيضًا، وقد دعت رسميًا المطرانية، لا إلى مقاطعة الحفل فحسب، بل إلى إيقاف عرض "مشروع ليلى" على "أرض القداسة والحضارة والتاريخ". وفي بيانها قالت: "جبيل مدينة التعايش والثقافة لا يليق بها استقبال حفلات مماثلة على أرضها وخصوصاً أنها تتعارض بشكل مباشر مع الإيمان المسيحي والأخلاق الدينية والإنسانية".
وفيما يتعلق "بالقيم الدينية"، فالحديث يرتبط هنا بجوانب دينية أيضًا، مقارنة بحملات سابقة ركزت فقط على الهويات الجنسية، وذلك بعدما شارك مغني الفرقة، حامد سنّو، مقالًا على صفحته في موقع فيسبوك مرفقًا بصورة لمريم العذراء ويسوع المسيح، استُبدل فيها وجه العذراء بوجه المغنية الأمريكية، مادونا.
بالتأكيد أن يدعو فرد أو جهة إلى مقاطعة حفل ما، هذا من حقه، إذا كان لا يلائم الحفل ومضمونه معتقدات هذا الفرد أو تلك الفئة. لكن، المخيف في الأمر، وتكراره في منطقتنا، هي الشرعية الذي يرى البعض بأنه يحظى بها والتي تمنحه "الجرأة" إلى المطالبة بإيقاف أو إلغاء أو منع شيء بحجة أن الآخر يمسّ في معتقد له، خاصة عندما يدور الحديث عن الحريات، تلك الفردية وحريات التعبير وحرية الاعتقاد، إلخ... هذه المطالبة لا تقتصر على بيانات صحافية تحاول أن "تفسّر" أسبابها، إلا أنها تترجم لعنفٍ علني لا يؤثر ولا يخيف أحد مقارنة ما بما "تخفيه" أغنية و"تمسّ" بمشاعره صورة!
فعبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، كانت هنالك دعوات "لتكسير المسرح على الفرقة"، ودعوات مليئة "بالعربدة الذكورية" التي يرى أصحابها أنه من حقهم قول ذلك دفاعًا عن إيمانهم، كما أنه قد انتشر الهاتشاغ "#ممنوع_تفوتوا_ع_جبيل" (ممنوع أن تدخلوا جبيل)، امتدادًا لهذا العنف. من المرعب أن هذا ليس مرعبًا للبعض، ولا لجهات سلطوية دينية ولا للقانون.
ففي حديثه، قال رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام في لبنان، عبدو أو كسم إن "المركز كان منكبًا منذ نحو عشرة أيام على درس ملف فرقة مشروع ليلى الذي يهين المقدسات في بعض أغانيه ويشكّل إساءة إلى المجتمع وخطرًا عليه"... وأضاف: "سيكون لنا موقف حازم ككنيسة، وسنلجأ إلى القانون إذا لزم الأمر، فلا يجوز تحت ستار الحريات أن نهين الديانات". وهنا نتساءل، أو أتساءل أفضّل: أليس هنالك شيء في هذا العالم، وفي منطقتنا، أخطر من مواصلة قمع حريات التعبير ومن العنف الذي ينتج عن شرعية هذا القمع؟ العنف الذي تشرعنه بعض المؤسسات، ومنها الدينية، مما يعطي ضوءًا أخضر لبعض الأفراد والمجموعات بمواصلة التعنيف؟ سواء الممارس على النساء في سياق آخر وعلى المثليين/ات جنسيًا في سياقنا هذا وكذلك على كل من "يتجرأ" أن يحكي موفقًا ناقدًا للمقدسات والدين وما إلى ذلك؟
بالطبع، مقابل الحملات الهجومية على "مشروع ليلى"، كانت هنالك حملة مضادة، تساند مشروع ليلى وتدافع عن حريات التعبير، احتوت على منشورات عديدة ومتنوعة. منها تغريدة نشرتها الصحافية اللبنانية، سناء خوري، عبر صفحتها في تويتر، قالت: "النيابة العامة استدعت مشروع ليلى بناء على إخبار من مواطن، وأمن الدولة حقق معن، وتركوهن بسند إقامة. لي وجهوا دعوات علنية بالقتل وهددوا بمنع الحفلة بالقوة واستعملوا وسوم "دمكم عليكم"، هول شو حكم القانون فيهم؟ التحريض عالقتل ما بيحرك النيابة أم كيف؟ أم كلمات الأغاني أخطر؟".
في هذه القضية، وكثير قبلها، يُستخدم الدين والإساءة للمقدسات من أجل القمع. وفي قضية "مشروع ليلى"، يُستغل كغطاء لرهاب المثلية وعدم تقبّل الآخر بهوياته المركبة، منها حرية التعبير وكذلك حرية المعتقد. الحريات الفردية هي قيمة عُليا، كما حرية التعبير، وكل أشكال قمعها بالتأكيد تضرّ المقدسات والقيم الدينية والإنسانية أكثر مما تدافع عنها. إن لم تُعجبك أغنية، لا تسمعها، لكن أي قيّم إنسانية تقول: "إن لم تحب أغنية، فاقمع صاحبها!؟" هذا يُسمى عنف، لا حماية للقيم الدينية والإنسانية.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.