رشا حلوة: الشتائم الجنسية تساهم في منظومة القمع ضد النساء
٢٨ مارس ٢٠١٩للشتائم حيّز كبير في الموروث الثقافي الشفوي للشعوب، بغض النظر عن نسبة استخدامها بين مكان وآخر، وبين شخص وآخر، لكنها حاضرة منذ الأزل، وتستخدم الشتائم بهدف الإهانة. وفي العالم العربي، تحضر الشتائم أيضًا بقوة وبتنوّع بين اللهجات المحكية العربية، مع تفاوت ذلك، حيث نجد أن هنالك بلاد تنتشر فيها فيها الشتائم حاضرة أكثر من غيرها، وبالشتائم الأكثر استخدامًا.
يمكن تقسيم الشتائم إلى أنواع، منها الشتائم المتعلّقة بالأديان ورموزها والذات الإلهية، ومنها الشتائم الجنسية. وبالتأكيد، هنالك تحفظ كبير تجاه الشتائم الدينية، إن صحّ تسميتها بهذا الشكل، لكن هذا المقال لن يتطرق إليها. بل سيناقش الإشكالية الحاضرة في الشتائم الجنسية على تنوّع لهجاتها، وذلك لأن غالبيتها العظمى ترتبط بالمرأة، جسدها وعضوها التناسلي.
أوّلًا، ما هو تعريف الشتائم الجنسية؟ وفقًا لصفحة "ويكي جندر"، فإن الشتائم الجنسية "تنبع من تابو الجنس في المجتمعات العربية وتهدف إلى الإهانة والإساءة والنيل من الكرامة الشخصية والتقليل من المكانة الاجتماعية للشخص الذي تُوجه إليه الشتيمة". كما أن الشتائم الجنسية تتعلق بالمرأة مباشرة، بهدف كسر "هالة المقدس والمصون"، حسب تعبير الصفحة، "سواء من خلال شتيمة الأمّ أو إهانة الأخت في بعض الثقافات التي تتجذر فيها ثقافة العار والشرف والتي تحملها "عذارى العائلة بشكل خاص".
وبالتالي، فإن الشتائم الجنسية وغالبيتها العظمى المرتبطة بالأعضاء التناسلية للنساء، لا تنفصل عن مكانة المرأة في المجتمعات التي تستخدم فيها هذه الشتائم وواقعها المجتمعي، أي ترتبط المرأة بمفهوم "العار والشرف"، وعضوها التناسلي، بالنسبة للمنظومة المجتمعية الذكورية، هو "مفتاح هذا الشرف"، والمسّ به من خلال الشتيمة، هو بمثابة إهانة للعائلة التي تنتمي لها المرأة. ويختلف وقع شتيمة العضو التناسلي للمرأة بين مكان وآخر وفقًا للمرأة المذكورة، بمعنى، إن كانت المنسوب إليها هي الأم أو الأخت، أو الأخت "غير متزوجة"، أي "عذراء" وفقًا للسياق المجتمعي الذي يمنع الجنس خارج إطار الزواج، فتكون وقع الشتيمة أثقل على من تُوجه له، وبالتالي لأن مفهوم "الشرف" له بعد آخر في حال كانت الأخت "غير متزوجة".
على الرغم من أن أغلب الشتائم الجنسية مكوّنة من عضو المرأة التناسلي، إلا أن الأوصاف التي تُوجه للمرأة بهدف إهانتها، مثل "عاهرة" ولكن بلهجات عربية متنوعة، تصنّف أيضًا على أنها شتائم جنسية. حيث يستخدم وصف "عاهرة" (مع تحفظي أيضًا على تصنيف كلمة عاهرة على أنه إهانة) كوصف لأي امرأة قالت أو قامت بشيء مصنّف على أنه "خطأ"، و"الخطأ" هنا ليس بالضرورة أن يكون مرتبطًا بجسدها بشكل مباشر، حسب المنظومة الذكورية.
السؤال الذي يُطرح، هو ارتباط الإشكالية التي تتجسّد في الشتائم الجنسية، كونها تنطلق من أن الأعضاء التناسلية للنساء هي بمثابة إهانة، وبالمقابل تغيب الشتائم بالعضو التناسلي الذكري، على اعتبار أن الرجل لا يعيبه عضوه الجنسي، ارتباط هذا بالقمع الجندري الذي تعيشه النساء بتفاوت بين مكان وآخر، وأنا هنا لا أحمّل القمع الجندري على الشتائم الجنسية، لكنني أرى دورها في بلورة وعي جمعي يرى بأن العضو التناسلي للمرأة هو عار وشتيمة وإهانة، هذا الدور الذي يبدأ منذ الطفولة، عندما يقول الطفل شتيمة بالعضو التناسلي للمرأة مكررًا ما يقول محيطه، ويعلو التصفيق في صالة البيت فرحًا به!
في حديث مع فرح برقاوي، نسوية، كاتبة ومحررة مشروع "ويكي الجندر"، قالت: "الشتائم الجنسية مثل الذكورية هي جزء متجذر في نسيج المجتمع ووعيه، وبالتالي فهي تساهم في نفس منظومة القمع التي ستعاقب النساء والفتيات إذا ما حاولن تجاوز أدوارهن التقليدية أو ممارسة درجة أعلى من الحرية في الحركة أو التعبير أو الحبّ أو غيرها. كما تعاقب أصحاب الميول الجنسية والهويات الجندرية المختلفة عما يرضاه المجتمع، وتقصيهم، وتلعب على عامل العيب والشرف والعار الذي يحبس هؤلاء الأفراد كما يحبس النساء في إطار محدد، ويجبرهن على اختيار الانصياع للعيش بكرامة أو التمرد التام وما يأتي معه من إقصاء وابتعاد عن العائلة والحي والمدينة لمن يستطعن سبيلًا."
على مستوى شخصي، أعرف أن الشتائم الجنسية فيها إشكالية بسبب ما ذكرته أعلاه، وأرى أنه من الضروري والواجب أيضًا بأن نكون حذيرين/ات بل وأن نتوقف عن استخدامها أيضًا لأن اللغة تبلور وعيا جمعيا، وعلى من يؤمن بالمساواة بين الجنسين وبضرورة العمل على قنوات عديدة من أجل تحقيق ذلك وإيقاف العنف الكلامي والجسدي ضد النساء، الذي يتجسّد أيضًا بالشتائم الجنسية، عندما يجب العمل على الحد من استخدامها، حتى في ظلّ السياق الذي يراها بأنها جزء من الموروث الشعبي الشفوي، إلخ.. فمن قال بأن كل ما هو بالموروث الشعبي، صحيح؟
قرر صديقي محمد قبل عام أن يتوقف عن استخدام الشتائم الجنسية التي تحتوي على الأعضاء التناسلية الأنثوية، وكتب عبر صفحته بأنه سيتوقف عن استخدام اسم العضو التناسلي للمرأة بسياق ذكوري تحقيري، سواء بالمزاح أو بالشتيمة. في حديث معه، بعد مرور عامٍ على قراره هذا، قال: "لا يسترجي أحد اليوم أن يستخدم العضو التناسلي للمرأة كشتيمة أمامي، لأني أحوّل كل موقف كهذا إلى محاضرة. أعتقد أن التغيير يحتاج إلى وقت، وأيضًا إلى مجهود ذاتي ومن المحيط، الغرب لم يعد يستخدم كلمات كثيرة كانت تعتبر عادية قبل سنوات كثيرة، وتغيير الواقع أيضًا يحتاج إلى قوانين تحمي المستضعفات والمستضعفين".
هنالك أبحاث تشير إلى دور الشتيمة في التعبير عن النفس والغضب والتنفيس، والغضب هو شعور مهم، إيجابي وحق، كما التعبير عن النفس والانزعاج، إلخ.. لكن، لماذا نشرعن الحق الطبيعي في التعبير عن الغضب بأن يتجسّد بشكل آخر من القمع والتعنيف؟ من خلال مواصلة ترسيخ فكرة أن العضو التناسلي الأنثوي وجسد المرأة وكل ما يتعلق به هي إهانة وعار؟ نعم، هنالك من يقول بأنه يوجد أشكال تعنيف "أكثر خطورة" من الشتائم الجنسية التي يجب وضع حدٍّ لها، لكن على مستوى شخصي، لا أرى أن الأمر يتعلق بأولويات، بل أن كل تفصيلة صغيرة هي جزء من هذه الشبكة التي تواصل الاتساع والسيطرة على حياة النساء وأجسادهن، كما على المثليين/ات جنسيًا والعابرين/ات للجنس، إلخ.. وأنه حان الوقت أن نعطي اهتمامًا أكثر لكل قطعة في هذا البازل، وننتقد أنفسنا أيضًا ونحملها مسؤولية التغيير الذي يبدأ بأشياء صغيرة.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW