رغم الحرب مع أوكرانيا.. تجارب روس عادوا إلى وطنهم
١٦ أكتوبر ٢٠٢٣بعد بدء الغزو العدواني الشامل الذي شنته روسيا على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، فرت كيرا (اسم مستعار) أولاً إلى جورجيا ومن ثم إلى إسرائيل. آنا،(اسم مستعار) وهي أيضاً مواطنة روسية، فرت هي الأخرى إلى أرمينيا في ذات الوقت. وغادر يوري (اسم مستعار) هو الآخر روسيا في خريف عام 2022. وبعد أن أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين التعبئة في روسيا، توجه بسرعة إلى كازاخستان.
جميع من أجريت DW معهم مقابلات في هذا التقرير، أدانوا الحرب الروسية على أوكرانيا، لكنهم عادوا منذ ذلك الحين إلى روسيا. وقد تم تغيير أسمائهم الأصلية من قبل المحرر لأسباب أمنية.
"ندوب الروح بحاجة للشفاء"
كيرا تبلغ من العمر 27 عاماً وتستحضر ذكريات فرارها إلى جورجيا في ربيع عام 2022 قائلة: "في تلك الأثناء، رأيت أنه من المستحيل الاستمرار في البقاء في روسيا". من جورجيا، سافرت كيرا إلى إسرائيل، حيث التحقت بالجامعة، وأقامت في سكن جامعي وحصلت على منحة دراسية هناك. لكن الأمور ساءت بشدة في الصيف ولم يعد يُسمح للشابة بالعمل في إسرائيل. لذلك تقدمت بطلب للحصول على وظيفة في إحدى المنظمات في روسيا. وتؤكد قائلة: "أسعى إلى التطور على المستوى المهني، لقد أتيحت لي الفرصة واغتنمتها".عادت كيرا إلى روسيا بسبب وظيفتها الجديدة. ومع ذلك، فهي لا تزال مسجلة في الجامعة الإسرائيلية. "لا تزال ندوب الروح بحاجة إلى الالتئام وأحاول ألا أذهب إلى المدن الكبرى. أشعر أني أقاوم بشدة ما يحدث في روسيا وغالباً ما أريد فقط أن أغمض عيني عن ذلك. لكن إيجاد فرصة مماثلة في إسرائيل كان"صعباً" بالنسبة لي، كما تقول.
"لقد كان هروباً من نفسي"
عن مغادرتها روسيا في أبريل/ نيسان 2022، تقول آنا: "كانت أرمينيا قراراً متسرعاً بالنسبة لي. لكنني أدركت هناك أن الأمر لا يتعلق برغبتي في أن أكون في هذا البلد، بل بالأحرى بالهروب من نفسي". تبلغ آنا من العمر31 عاماً، وتشغل منصب مديرة في مجال التسويق ويمكنها العمل من المنزل. ولكن بعد بضعة أشهر قررت مغادرة أرمينيا مرة أخرى. وتضيف: "العودة إلى روسيا وكأن الأمر هو اعتراف بتقاسم المسؤولية أيضاً".أما بالنسبة لقرارها، فتضيف: "لا أريد أن يسود الاعتقاد لدى الجميع أن الحرب أمر طبيعي. قد يسير شخص ما في الشارع ويقول: "الحرب أمر طبيعي". لكن أنا شخص سوف أجيبه بـ: "لا". هل أنت مجنون؟'' تعترف آنا بأن هذه المخاوف تؤرقها للغاية، لكنها تؤكد في الوقت نفسه: "لا ينبغي أن نعيش في خوف لفترة طويلة".
"صديقتي طردتني من المنزل"
يقول المتخصص بالبرمجيات يوري إنه لم يشعر بالذعر في بداية الحرب ولم تخيفه التعبئة أيضاً. ويقول: "لكن صديقتي كانت قلقة للغاية، ولم تستطع النوم بشكل صحيح وطردتني من المنزل". وأضاف: "لم أكن أعرف ما أتوقعه. لكننا قلنا لبعضنا البعض أنه يمكنني دائماً العودة". لكن ربما مغادرة البلاد أصبحت ممكنة الآن فقط". قضى يوري عدة أشهر في كازاخستان، ثم بضعة أشهر أخرى في قيرغيزستان. وتابع: "اعتقدنا أن الوضع سيحل قريباً وأردنا انتظار التعبئة الثانية. كنت أعيش في شقة مستأجرة مع ستة رجال. لكن حتى بعد ستة أشهر لم يتغير شيء، فقط استمر الروبل في الانخفاض، وتكاليف المعيشة في الارتفاع وفق ما يتذكر يوري، كما أن "بعض من حولي عادوا إلى روسيا".
عاد هو الآخر في الشتاء. ويقول: "لم أفتقد روسيا. لكنني أردت العودة إلى منزلي، إلى شقتي". لأن والديه، أخيه من ذوي الاحتياجات الخاصة وصديقته التي قضى معها 13 عاماً، يعيشون أيضاً في روسيا.
موجتان من الهجرة على الأقل!
في عام 2022، غادر روسيا ما بين 500 ألف إلى 800 ألف شخص، وفق تقديرات علماء الديمغرافيا بناءً على إحصاءات البلدان المضيفة والمعلومات التي تم جمعها من السلطات المعنية. كانت هناك موجتان من الهجرة: مباشرة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وبعد إعلان التعبئة في روسيا.وتقول الخبيرة في علم الاجتماع والمقيمة في موسكو، ليوبوف بوروسياك، في مقابلة مع DW: "كثيرون لم يصلوا إلى البلدان التي أرادوا الذهاب إليها بالفعل. معظمهم انتقلوا إلى بلد آخر على الأقل. أكثر ما سمعته هو أن زوجين شابين كانا في ستة بلدان في المجمل"・ووفق الخبيرة، فقد وصل العديد من الأشخاص إلى بلدان لم يتوقعوا قط أن ينتهي بهم الأمر فيها، دون أي وثائق تقريباً وأموال زهيدة. وأضافت: "عاد بعض هؤلاء لاحقاً إلى روسيا، على الأقل لفترة من الوقت".
وبحسب فريق البحث "OutRush"، الذي يجري استطلاعاته الخاصة حول المهاجرين الروس، فإن 16 بالمائة ممن غادروا البلاد بعد 24 فبراير/ شباط 2022 عادوا إلى روسيا. وقال ثلثاهم إنهم عادوا بشكل مؤقت فقط.
أين ستكون الوجهة القادمة؟
يقول يوري إنه وصديقته يفكران منذ فترة طويلة في مغادرة روسيا مجدداً، لكنهما لا يعلمان لحد الآن إلى أين يمكنهما الذهاب.الزوجان حاليا في حيرة من أمرهما. ويقر يوري: "نود أن نعيش في روسيا، لكن المشكلة هي النظام وسياساته".
منذ عودتها، شعرت آنا بالحزن الشديد لأن الحياة مستمرة بالنسبة لشعب روسيا. وتقول بنبرة حزن: "أشعر وكأنني في فيلم يتظاهر فيه الجميع بأن كل شيء طبيعي. بالنسبة لي، أحيانًا يكون من الصعب ومن المحزن للغاية أن أرى كيف تتغير الأمور نحو الأسوأ". تمنح آنا نفسها عاماً آخر لمغادرة روسيا مرة أخرى. إنها تريد إما الذهاب إلى برلين أو بالي. تفكر كيرا بدورها في المكان الذي ستذهب إليه في المرة القادمة. ومن ضمن خياراتها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وألمانيا.
إيرينا تشيفتاييفا / إ.م