رمضان في ألمانيا.. موسم الحنين إلى الوطن
١ يوليو ٢٠١٥في شارع مكتظ بمحلات تجارية ومطاعم عربية بحي "كالك" الشعبي في مدينة كولونيا، تستقبلك فاطمة بابتسامة، وترحب بالقادمين بلهجتها المغربية . ثم ما تلبث أن تعود للحديث مع زبائنها الكثيرين في المحل، الذين يشترون الحلويات المغربية لوقت الإفطار.
فاطمة التي قدمت من المغرب في سن مبكرة مع عائلتها، ثم انضمت بعد ذلك إلى زوجها المغربي، الذي كان يعمل في مدينة كولونيا، وهو الآن يساعدها في محلها الصغير، تبدو امرأة مغربية متمسكة بعاداتها وتقاليدها، وهذا ما يتضح جلياً من ملبسها وطريقة كلامها، أو حتى في الديكورات المغربية التي تزين محلها الصغير، والمكتظ بالزبائن من العرب والألمان.
المائدة سر الأجواء الرمضانية
وللأكلات الشعبية في رمضان نكهة خاصة لدى الأسر العربية المسلمة، إذ لا يمكن لها الاستغناء عنها في هذا الشهر. وهذا ما تحرص الشابة المغربية على تقديمه لأسرتها، فتحاول أن تكون مائدة إفطارها كاملة لا ينقصها شيء من الوجبات المغربية التقليدية. تقول فاطمة لـDWعربية: "أقوم بتحضير الحلويات المغربية المعروفة، كالشباكية والزلابية. كما أن المائدة الرمضانية المغربية لا تخلو بطبيعة الحال من التمر والحريرة (حساء مغربي تقليدي) والبيض".
ورغم أن رمضان في ألمانيا يفتقد إلى النكهة التي يعرفها المهاجرون عنه في بلادهم، إلا أن العديد منهم يستعدون له قبيل حلوله ويشترون حاجياتهم كما لو أنهم ببلدانهم، ويصرّون على الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم الخاصة برمضان، خصوصاً المائدة الرمضانية، التي تزخر بأصناف مميزة ومتنوعة من اللحوم والأسماك والخضروات، بالإضافة إلى الحلويات، التي تغلب عليها السمات التقليدية.
تقول فاطمة (33 عاماً): "بمجرد أن يتأكد حلول شهر رمضان، نحرص على أن يكون كل شيء جاهزاً على مائدة الإفطار الرمضانية تماماً كما نفعل بالمغرب". وتضيف بالقول: "مائدة الإفطار هي سر الأجواء الرمضانية، إذ تجمع الأهل والأحباب حولها، وهذا ما لا يحدث في باقي أشهر العام، بالأخص هنا في ألمانيا".
خصوصية رمضان في ألمانيا
أما بالنسبة لعبد القادر من الجزائر، فإن التمسك بعادات وتقاليد رمضان مهم له، سواء في الجزائر أو في ألمانيا. لكن نمط العيش هنا في ألمانيا لا يسمح بإقامة جل عادات وتقاليد رمضان. ويرجع ذلك إلى أن أغلب المهاجرين لا يمكنهم التوفيق بين الصيام وظروف العمل. ويضيف عبد القادر بالقول: "رغم ذلك فإننا متشبثون بعاداتنا وتقاليدنا".
وتشاطره الرأي فاطمة قائلة: "لا نستطيع الاستيقاظ للسحور وذلك بسبب قصر الوقت بين موعد الإفطار والإمساك، لكننا نحاول قدر المستطاع التمسك بعادات وتقاليد رمضان التي نعتبرها من أجمل العادات".
وبالرغم من أن عبد القادر يعيش منذ حوالي ثلاثين سنة في ألمانيا ومتزوج من ألمانية، فإنه يحرص دائماً على خلق الأجواء الرمضانية وسط عائلته حتى تتعود ابنتاه، البالغتان من العمر 24 و19 سنة، على روحانيات رمضان. وتقول صغراهما إنها تحب عادات وتقاليد رمضان، وبشكل خاص الأكلات والحلويات الجزائرية والمغربية، التي تعدها والدتها الألمانية. وتحرص هي وأختها على الصوم والصلاة في المسجد خلال هذا الشهر، ولكنهن يحتفلن أيضاً بالأعياد المسيحية، "لأنها تعد أيضاً جزء من هويتهما إلى جانب الإسلام"، كما تقول.
جيل جديد وعادات قديمة
على الرغم من أن الكثير من أبناء المهاجرين نشأوا في بيئة مختلفة تماماً عن بيئتهم الأصيلة، إلا أن العديد منهم يحافظون على عادات وتقاليد آبائهم وأجدادهم ويحرصون على التمسك بهويتهم الأصلية، ومنهم الشابة المصرية سمر (17 ربيعاً)، التي تقول إنها تعيش رمضان بكل عاداته وتقاليده التي تربت عليها والدتها في مصر، إذ تحرص والدتها دائماً على أن تصلي صلاة المغرب وصلاة التراويح جماعة في البيت والالتفاف حول مائدة الإفطار".
وتضيف سمر بالقول: "أحب هذه العادات والتقاليد برغم طول فترة الصيام وأجد الكثير من أصدقائي الألمان يهتمون بها أيضاً".
ويشاطرها محسن من المغرب (14 ربيعاً) الرأي قائلاً: "قام والداي بتنشئتي على الصيام في سن مبكرة، ومنذ ذلك الحين أصوم كل عام، حتى في حصة الرياضة ورغم الإجهاد البدني أتفادى شرب الماء مثل باقي أقراني".
لكن في الوقت نفسه، فإن الكثير من أبناء المهاجرين المسلمين في ألمانيا لا يغير رمضان من نمط حياتهم في شيء. إسماعيل وُلد في ألمانيا ونشأ فيها، وهو يعمل اليوم مهندساً في مدينة كولونيا.
يقول إسماعيل إنه لا يهتم برمضان، معللاً ذلك بالقول: "لم أتعود على عادات هذا الشهر وتقاليده". ويضيف قائلاً: "لقد عشت طوال حياتي في ألمانيا، فوالدتي ألمانية وأبي كان طبيباً، سافر من مصر وهو شاب ليحصل على الماجستير والدكتوراه من ألمانيا، ولكن استقر به المقام هنا وتزوج من والدتي. وطوال الثلاثين عاماً الماضية كانت تربيتي أوروبية بحتة. عندما كنّا نزور مصر في الإجازات، كنت أتعرف على أشياء كثيرة عن الدين الإسلامي ولكن الأهم هو تطبيق هذه المعرفة وممارستها".
فتاة مسلمة أخرى، فضلت عدم ذكر اسمها، وهي تعيش مع صديقها الألماني، تؤكد أن الإسلام هو جزء من هويتها وشخصيتها، إلا أنها باتت تجد مشقة في الصيام، وترى أن الالتزام بأدائه ليس له أي أثر روحي عليها، فقررت التخلي عن صيامه.
لكن أحمد (اسم مستعار) يرى أنه لا يوجد أي تناقض بين أن يعيش أسلوب الحياة الغربي وبين الالتزام الديني، ويضيف بالقول: "ألتزم بأداء الفرائض الدينية بما فيها الصيام، لكن ذلك لا يمنع أن تكون لي صديقة أو أن اتعاطى الكحول". ويقول أحمد إن بعد أبناء جيله عن المجتمعات المسلمة "ساهم بالتالي في ابتعادهم عن عاداتهم وتقاليدهم، بما فيها صيام رمضان".
تذكير بالغربة
لكن رمضان لا يذكر المهاجرين المسلمين في ألمانيا بهويتهم وتقاليد بلدانهم فحسب، وإنما يفتح عليهم باب الحنين إلى الوطن، كما يقول الشاب المغربي عبد السلام، الذي يوضح: "رمضان يعيد لي الشعور بالغربة والعزلة. بعيداً عن أحضان الوطن نستقبل رمضان بنفس تواقة لازدحام شوارع الوطن قبيل رمضان بالمتسوقين". لكن على الرغم من ذلك، فإنه يحاول الحفاظ على أجواء رمضان بألمانيا، ولكن "يبقى رمضان ألمانيا كالأكل دون توابل". ويضيف عبد السلام قائلاً: "أجبرتنا الظروف على قضاء رمضان في غير بيئته، فكلما أتى رمضان ذكرنا بصقيع الغربة وذكريات الماضي".
يُذكر أن أكثر من أربعة ملايين مسلم، أي ما يعادل 5 في المائة من تعداد السكان، يعيشون في ألمانيا، قدم أغلبهم في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته مع الطفرة الاقتصادية التي بدأت ألمانيا الغربية تعيشها آنذاك.