روبوتات ذاتية التحكم بالكامل – بين فضول الجيوش ومخاوف الساسة
٢٥ مايو ٢٠١٣يبدو الأمر للوهلة الأولى كأنه مناورة عادية، لكنها في الواقع لحظة إقلاع طائرة مقاتلة تابعة للبحرية الأمريكية من سطح إحدى حاملات الطائرات. إنها طائرة الشبح X-47B بدون طيار. حجمها يقارب حجم المقاتلات التقليدية، فضلاً عن أنها أول طائرة من نوعها تقلع بنجاح من حاملة طائرات، لتدشن بذلك حقبة جديدة في اتجاه اعتماد نُظم أسلحة غير مأهولة تعمل بشكل آلي تماماً. ويستخدم ما يربو عن 70 بلداً طائرات بدون طيار قادرة على القيام بمهام استطلاعية وتحديد الأهداف وقصفها عند الضرورة. لكنها تحتاج إلى تصريح من وحدة التحكم الخاصة بها، التي يديرها جنود في محطات أرضية.
ما زال العنصر البشري يشكل جزءاً مهماً في هذه المنظومة. فهو من يقوم بإعطاء الأوامر، بيد أن قدرته على التأثير بدأت تتراجع. فالنماذج الحديثة والمتطورة من الطائرات بدون طيار يمكن برمجتها بتحكم ذاتي كامل دون أن يحتاج مشغلها للتدخل. ورغم أن طائرة الشبح X-47B ما زالت في مراحل الاختبار، إلا أن دخولها الخدمة العسكرية سيجعلها قادرة على التحليق لمسافات طويلة والقيام بمهمات عسكرية بشكل مستقل تماماً دون أي تدخل بشري. لكن هناك من يحذر من هذا النوع من التكنولوجيا، إذ لا يخفي الفيزيائي والباحث في قضايا السلام في جامعة دورتموند التقنية، يورغن ألتمان، خشيته من أن "يدفع الضغط العسكري في اتجاه إدخال أنظمة آلية بشكل كامل".
الآلات أكثر فاعلية
من منظور عسكري، فإن استخدام جنود آليين أمر منطقي باعتبار أن الروبوتات الموجهة عن بعد لا تصاب بالتعب والإرهاق، وتستطيع القيام بمناورات أكثر خطورة مقارنة بالطيارين العاديين الذي يواجهون أيضاً خطر إسقاط طائراتهم. كما أن لأنظمة التحكم الذاتي ميزات إضافية مقارنة بتلك التي يتم التحكم فيها عن بعد، إذ أن التواصل بين النظام ووحدة التحكم الخاصة به قد يتأخر أحياناً بضعة ثوان، ما قد يؤثر على فرص نجاح أو فشل المهمة. لذا، فإن وزارة الدفاع الأمريكية تسعى خلال العقود الثلاثة أو الأربعة القادمة إلى إدخال تقنيات العمل الآلي بشكل كامل على أنظمة الأسلحة العسكرية.
وفي هذا السياق يؤكد ألتمان، عضو اللجنة العالمية لمراقبة أسلحة الروبوت (ICRAC)، أن دولاً أخرى إلى جانب الولايات المتحدة ستسعى بدورها إلى اعتماد هذه الأنظمة. ويقول: "سيتبعها مصنعو أسلحة آخرين، وبذلك سيخوض جزء من الجيوش في أحد الأوقات قتالاً بأسلحة آلية بشكل كامل". جدير بالذكر أن (ICRAC) هي إحدى المنظمات غير الحكومية التي تطالب بفتح نقاش عالمي حول الروبوتات القتالية وتدعو إلى وضع ضوابط تقنن استخدامها.
حملة ضد "الروبوتات القاتلة"
ومن أجل وقف سباق التسلح، أطلقت منظمة (ICRAC)، إلى جانب عدد من المنظمات الدولية غير الحكومية، حملة دولية حملت شعار "أوقفوا الروبوتات القاتلة" تطالب بفرض حظر استباقي على تطوير واستخدام أي نظم غير مأهولة قادرة على إصابة الأهداف دون تدخل بشري. وبدورها، تؤيد السياسية الألمانية عن حزب الخضر أغنيشكا بروغر فرض حظر دولي على الأسلحة ذاتية التحكم بالكامل، معتبرة أن "من مصلحتنا أن لا ننساق بشكل أعمى وراء هذا النوع من ديناميكية التسلح، بل علينا أن نفكر جيداً كيف يمكننا أن نراقب المخاطر المصاحبة لهذه التكنولوجيا"، علماً أن المعطيات التكنولوجية الحالية تفيد بأن الروبوتات القتالية ليس بمقدورها أن تميز على نحو كافٍ بين المقاتلين والمدنيين في ساحات المعارك. لذا، لا يمكنها مراعاة القانون الدولي أثناء مشاركتها في عمليات قتالية.
ألمانيا تتخلى عن مشروع الطائرات بدون طيار
بدوره، أشار رودريش كيزفيتر، من الحزب المسيحي الديمقراطي وعقيد متقاعد في الجيش الألماني، إلى ضرورة وجود نظام رقابة دولي على هذا النوع من الأسلحة. كما يرى كيزفيتر، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس رابطة جنود احتياط الجيش الألماني، أنه من غير الممكن كبح التطور الذي يشهده هذا المجال التكنولوجي، مضيفاً أن "علينا أن ننطلق من حقيقة أن بعض الدول سوف تعمل عمداً على استخدام تقنيات قتالية ذاتية التحكم بالكامل".
ويتابع كيزفيتر بالقول: "لذا ينبغي علينا أن نطور طرقاً تمكننا من حماية أنفسنا من مثل هذه الأنظمة". وفي ألمانيا، يبدو أن استخدام هذه التكنولوجيا ما زال أمراً غير وارد حتى الآن، لاسيما بعد فشل مشروع تطوير طائرة استطلاع أوروبية بدون طيار "يورو هوك"، التي تم تصميمها بمواصفات تكنولوجية مشابهة لطائرة الاستطلاع الاستراتيجية الأمريكية بدون طيار "غلوبال هوك"، والتي تم على أساسها أيضاً تطوير طائرة الشبح الأمريكية بدون طيار X-47B. وعلى الصعيد السياسي، أرجئ النقاش في ألمانيا حول تزويد الجيش الألماني بمثل هذه الطائرات إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية التي ستنظم في سبتمبر/ أيلول القادم.