سعي شي جين بينغ لإحكام قبضته على الصين بولاية ثالثة
١٠ سبتمبر ٢٠٢٢حددت الصين 16 من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل موعدا لانطلاق المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الحاكم حيث سيسعى الرئيس شي جين بينغ لنيل فترة ولاية ثالثة في حدث غير مسبوق في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ويستمر المؤتمر لقرابة أسبوع فيما يميز الحدث في دورته الجديدة مشاركة أكثر من ألفي عضو لاختيار أعضاء المؤتمر الذي يعقد مرة كل خمس سنوات من مسعى لضخ دماء جديدة في اللجنة المركزية للحزب.
ويتوقع أن يجري ترقية بعض أعضاء اللجنة المركزية إلى المكتب السياسي المؤلف من 25 عضوا فيما يُحتمل دخول وجوه جدد إلى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي في الحزب الشيوعي والمؤلفة من سبعة أعضاء وتعد أقوى كيان داخل الحزب.
قيادة جديدة؟
رغم التحديات الكثيرة التي تواجه الصين سواء داخليا مع الأداء الاقتصادي الضعيف أو خارجيا مع تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة، إلا أن محللين يرون أن تحديد موعد المؤتمر في أكتوبر يظهر أن نفوذ شي جين بينغ داخل الحزب لا يزال قويا ومستقرا.
وفي ذلك، قال هسين - هسين وانغ، الخبير في الشأن الصيني في جامعة تشنغتشي الوطنية في تايوان، إن موعد المؤتمر في السابق كان في نوفمبر / تشرين الثاني بسبب "استمرار المفاوضات والتفاهمات بين الفصائل المختلفة". وفي مقابلة مع DW، أضاف "لكن حقيقة أن المؤتمر العشرين للحزب سيعقد في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول يظهر أن أسس نفوذ شي قوية للغاية".
بدورها، رأت لينغ لي، خبيرة في القوانين والسياسة الصينية في جامعة فيينا، أن الإعلان عن موعد عقد المؤتمر يعد بمثابة اتفاق على قضية اختيار زعيم الحزب. وفي مقابلة مع DW، قالت "عندما يتم الإعلان عن موعد (عقد المؤتمر)، يمكننا القول بأن صانعي القرار الرئيسيين قد توصلوا إلى توافق في الآراء بشأن هذا الخيار".
من جانبها، كشفت صحيفة "تشاينا ديلي" الحكومية في مقال نُشر في 30 أغسطس/ آب عن أن المؤتمر سيركز على مسار عمل الحزب على مدار السنوات الخمس الماضية وما تحقق من إنجازات كبيرة .
وذكر المقال "سيستعرض المؤتمر بدقة الأوضاع الدولية والمحلية فضلا عن الفهم الشامل للمتطلبات الجديدة لتطوير قضية الحزب والبلد في الرحلة الجديدة في الحقبة الجديد وكذلك التوقعات الجديدة للشعب".
إحكام قبضة شي جين بينغ
وسينصب الكثير من الاهتمام خلال عقد المؤتمر حيال قضية ما إذا كان شي جين بينغ سوف يقدم على تعيين أنصاره في المناصب العليا بما في ذلك الشخصية التي من المحتمل أن تخلفه خاصة أن الرئيس الصيني استمر في التحضير لتولي ولاية ثالثة في حدث غير مسبوق في البلاد.
الجدير بالذكر أن البرلمان الصيني قد وافق في عام 2018 على مقترح للحزب الشيوعي يلغي تحديد فترات بقاء رئيس البلاد في السلطة، حيث كان بقاء الرئيس في السابق في منصبه مقيدا بولايتين مدة كل فترة خمس سنوات
بدوره، قال تنغ بياو، المحامي المتخصص في حقوق الإنسان في الصين والمقيم في الولايات المتحدة، إنه منذ تولى شي جين بينغ منصب "الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني قبل 10 سنوات، أقدم على تغيير المشهد السياسي في البلاد بشكل كبير".
وفي مقابلة مع DW، أضاف "لا يزال شي جين بينغ ناجحا للغاية في مجال الصراع على السلطة إذ قام بتدشين حملة لمكافحة الفساد استخدمها لتعيين الشخصيات الموالية له وإزالة المعارضين السياسيين له".
وأضاف أنه منذ إلغاء تحديد فترات بقاء رئيس البلاد في السلطة عام 2018، استطاع "إحكام قبضته على الوضع فيما تمكن من تحويل الحزب الشيوعي الصيني من ديكتاتورية جماعية إلى ديكتاتورية فردية".
ويتوقع أن يشهد المؤتمر أيضا تنحى العديد من أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي في الحزب الشيوعي بسبب السن، حيث تنص القوانين على تقاعد الأعضاء بعد بلوغهم 68 عاما عند وقت انعقاد المؤتمر فيما يمكن ترقية الأعضاء دون 67 عاما في المناصب العليا أو احتفاظهم بالمناصب.
وفي سياق متصل، كتبت لينغ لي، خبيرة في القوانين والسياسة الصينية في جامعة فيينا، في مقال نُشر مؤخرا أن بنيان القيادة العليا في المكتب السياسي سيكون في الغالب "على أساس مدى استعداد شي جين بينغ وقدرته على تغيير قاعدة الحد الأدنى لسن".
وأضافت أنه إذا قرر شي جين بينغ التمسك بالحد الأدنى للسن الحالي، فسيتعين على اثنين على الأقل من الأعضاء الحاليين في اللجنة التقاعد هذا الخريف فيما يمكن استمرار باقي الأعضاء الحاليين في مناصبهم.
رئيس الوزراء الجديد؟
من جانبه، سلط هسين - هسين وانغ، الخبير في الشأن الصيني في جامعة تشنغتشي الوطنية في تايوان، الضوء على قضية غاية في الأهمية تتمثل في اسم رئيس الوزراء الجديد في البلاد.
يشار إلى أنه في مارس / آذار الماضي أعلن رئيس الوزراء الصيني الحالي لي كه تشيانغ أنه سيتنحى في غضون عام.
ورغم ذلك، فقد كان المسؤول الصيني أكثر نشاطا خلال الأشهر الأخيرة لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية في البلاد في ظل الأداء الاقتصادي الضعيف وارتفاع معدل بطالة الشباب. وعلى وقع ذلك، خرجت تكهنات تشير إلى أن لي كه تشيانغ ربما كان يحاول تحدي سلطة الرئيس الصيني، لكن وانغ رفض هذه التكهنات، قائلا إنها "لا تتطابق مع الوضع الحقيقي في الصين".
وأضاف "تخضع القضايا الاقتصادية وتدابير الوقاية من الأوبئة والمشكلات الزراعية والجفاف لسلطة مجلس الدولة الصيني مما يجعل ظهور لي كه تشيانغ في المجال العام بشكل نشط أمرا طبيعيا. واعتقد أنه على استعداد لتحمل هذه المسؤوليات مع إظهار مهاراته في معالجة الشؤون الاجتماعية والاقتصادية."
في المقابل، أشار بعض الخبراء إلى أن تشون هوا الذي يتولى منصب نائب رئيس مجلس الدولة ووانغ يانغ، رئيس المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، يعتبران المرشحين المحتملين لخلافة لي كه تشيانغ في منصب رئيس الوزراء.
واضاف وانغ أن "ترشيحات شي جين بينغ والولاء السياسي من أهم معيار اختيار رئيس الوزراء المقبل".
التحديدات أمام الرئيس الصيني؟
وعانت الصين خلال الأشهر الأخيرة من تباطؤ النمو الاقتصادي إذ انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من العام الجاري إلى 2.5٪ أي أقل من نسبة 5.5٪ التي كانت الحكومة الصينية ترغب في تحقيقها.
جاء ذلك بعد أشهر شهدت إغلاقات وقيود صارمة في وقت سابق من هذا العام بسبب وباء كورونا خاصة في شنغهاي، المركز الاقتصادي الأكبر في الصين، فضلا عن تجاوز نسبة بطالة الشباب عتبة 19.9٪ في يوليو / تموز وهي تعد الأعلى في البلاد منذ 2018.
ودوليا، تصاعدت وتيرة التوتر بين الصين والولايات المتحدة منذ إجراء بكين تدريبات عسكرية غير مسبوقة قبالة تايوان عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي للجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي الشهر الماضي.
ورغم اتفاق الخبراء على أن المشاكل المحلية والدولية لن تمثل عائقا أمام حصول شي جين بينغ على ولاية ثالثة، إلا أن كلفة مبادراته السياسية الرئيسية ستزداد.
وفي ذلك، قالت باتريشيا ثورنتون، الأستاذة المتخصصة في الشؤون السياسية الصينية بجامعة أكسفورد، إن تكلفة تحقيق رؤية "الحلم الصيني" الذي يُبشر به الرئيس شي جين بينغ "سوف تزداد".
وأضافت "مع زيادة نفوذ حلفائه والموالين له داخل اللجنة الدائمة للمكتب السياسي في الحزب الشيوعي، فإني أشك في ظهور إرادة سياسية قد تُقدم على فعل أي شيء أكثر من تقليص مبادراته العامة في مؤتمر الحزب العشرين".
وقالت "لا أرى أي شخص أو أي خطوة يمكن أن يمثل تحديا للرئيس الصيني قبل عقد المؤتمر لأن الشخصيات التي من المفترض أن تصعد إلى المناصب العليا سيكونون من الموالين له ولا أتوقع الكثير من التغيرات في هذا المسار عقب عقد المؤتمر".
ويليام يانغ (تايبيه) / م ع