سلطنة عُمان تبحث عن بديل للنفط وتجده في السياحة
٢٤ يوليو ٢٠١٠في عزِّ حرارة الشمس ظهرا سعى الشيخ حسين بن مسعود بن سعيد لاستغلال الظلال الأخيرة أمام مربعه وهو يتحدث عن أول سائح بريطاني زار منطقته والربع الخالي عندما كان هو ابن الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من العمر فيما يبلغ اليوم ما بين التسعين والخمسة والتسعين من العمر. وقال الشيخ إن المذكور كان يسأل الناس عن الحيوانات والصخور في المنطقة ويدفع المال لقاء معلومات يحصل عليها بحيث اعتبره السكان أنه كامل الجنون.
مؤلف "أرابيا فيليكس" أول سائح أوروبي لعُمان
والبريطاني المذكور، واسمه برترام توماس، كان موظفا في الإدارة الاستعمارية ومغامرا أسطوريا، ويمكن اعتباره السائح رقم واحد في عُمان. وكأول أوروبي قطع توماس عام 1930 الربع الخالي التي تشكل أكبر صحراء في الجزيرة العربية، وأكبر بحر رمال في العالم. وبذلك وصل إلى أول صخور الجنوب التي تشكل عمان اليوم بالقرب من الحدود مع اليمن. وفي هذا المكان خيّمت عشيرة الشيخ حسين التي تساءلت في حينه عما يريده الرجل البريطاني في هذا المكان. ولأن الشيخ حسين كان يافعا لم يستطع التجارة معه على عكس والده الذي عقد صفقات مربحة.
وهذا الأمر هو ما يبتغيه المرء اليوم: عقد صفقات جيدة لإستغلال رمال الربع الخالي على أبواب العاصمة العمانية مسقط على بعد آلاف الكيلومترات من قرية الشيخ الجليل. وفي مكتبه المبرّد في وزارة السياحة عرض أحمد الأبهر، نائب مدير قسم التعاون الدولي، هدف وزارته الكبير المتمثل في رفع معدل الدخل الوطني من السياحة إلى خمسة في المئة من الناتج القومي السنوي حتى عام 2020 مشيرا إلى أن معدل الدخل حاليا هو أقل من 2 في المئة. وإذ ذكر أن العمل جار الآن لجعل السياحة المصدر القومي الثاني في الموازنة العامة للدولة قال: " أنتم تعرفون أن لدينا نفط، لكنه ليس أزليا، وقد يكفي لثلاثين أو أربعين سنة لا غير، لذا علينا البحث عن مصادر أخرى، والسياحة هي أحدى أهم هذه المصادر".
"نعم للسياحةالمميّزة ولا للسياحة الشعبية حفاظا على الإرث الثقافي"
والخطة هذه طموحة كما يعلم الأبهر أيضا حيث أعلنت رئيسته وزيرة البيئة راجحة بنت عبد الأمير بن علي المشاريع السياحية التي ستضع البلد خلال العقد المقبل من الزمن في مرتبة عليا في السياحة الدولية. وإذا كانت السياحة إلى السلطنة جذبت عام 2008 ثلاثة ملايين سائح من العالم ستجذب في عام 2020 أربعة أضعاف هذا العدد، أي 12 مليونا. ويتمتع البلد بما يكفي من صحارى ومن بخّور وماء إضافة إلى 3000 كلم من الشواطئ.
ولا يسعى المرء في عمان إلى تشجيع السياحة الشعبية أو الجماهيرية على الاطلاق. وقال الأبهر إن جلالة السلطان والحكومة قررا فتح السلطنة أمام السياحة، لكنهما يعيان جيدا المحاذير ولا يريدان سياحة جماهيرية كما هو عليه الأمر على الشواطئ المصرية. وأضاف أن هذا سيؤدي إلى خسارة السكان لتقاليدهم وإرثهم الثقافي وهويتهم، "ولذلك يهمنا معرفة أسواق السياح التي نتعامل معها ومن هم سياحنا".
ولا تريد عمان أن تكون هدفا سياحيا لكل سائح، ولذلك رفع المرء فيها معدل النوعية المطلوبة. وأمام ابواب مسقط يجري حاليا تنفيذ مشروع سياحي تحت اسم "ذي ويف"، وهو عبارة عن خليج اصطناعي ضخم يحتوي على 4 آلاف من الفيلات والشقق السكنية، وعلى فنادق ثلاث نجوم، ومرفأ من 400 يخت و18 ملعبا للغولف. وتبلغ كلفة المشروع الكبير التقديرية 2،9 مليار يورو. ويرتدي الأبهر لباس الدشداشة التقليدية مثله مثل سائر العاملين في الوزراة.
التسوق في دبي والإسترخاء في عُمان
وإذا كان المسؤولون العمانيون لا يريدون السياحة الجماهيرية فانهم لا يريدون أيضا سياحة الاغنياء فقط. ويسأل الأبهر الزائر: هل زرت دبي أيضا؟ وهو يعلم أن العديد من زوار دبي ينتقلون إلى عمان المجاورة أيضا فتعلو أوجه غالبيتهم الدهشة بسبب رؤيتهم للفارق الكبير عن دبي. وإذا كانت دبي "جذابة ولا شك على مستوى المشتريات فان الناس الذين يريدون السفر والسياحة فعلا ويبغون الراحة والسعادة يأتون إلى عمان" على حد قول الأبهر.
وحتى اليوم فان السياحة إلى عمان تكاد تُختصر على الألمان والفرنسيين والبلجيكيين، كما على البريطانيين في الدرجة الأولى. وفي رواية رحلته الكبيرة تحت عنوان "أرابيا فيليكس" يثنى برترام توماس على مميزات البلد. والشيخ حسين يتذكر ذلك بفخر ولفت إلى أن توماس زار حتى صخور الصحراء التي كانت مضارب عشيرته. وزاد أن توماس كتب يقول: "هناك يوجد أفضل هواء".
سفن تونيغيس/ اسكندر الديك
مراجعة: عبده جميل المخلافي