"سننجح في المهمة" ـ خمس سنوات على موجة اللاجئين إلى ألمانيا
٣١ أغسطس ٢٠٢٠خلال فترة ولاية أنغيلا ميركل كمستشارة كانت عبارة "سننجح في المهمة" العبارة الأكثر شهرة لها. وكان الهدف من تلك الجملة؛ منح الشعور بالثقة في مواجهة مهمة كبيرة فرضتها على نفسها بعد قرارها فتح الباب أمام اللاجئين عام 2015. فخلال أسابيع قليلة وصل عشرات الآلاف من اللاجئين إلى ألمانيا بشكل أساسي عن طريق البلقان. الكثير منهم ظلوا في البداية عالقين في المجر.
وقدم معظم طالبي اللجوء من سوريا وآخرون من دول شمال إفريقيا والعراق وأفغانستان. ورغم أن دول الاتحاد الأوروبي التي دخلوها أول مرة هي المسؤولة عن دراسة طلبات لجوئهم إلا أن ميركل سمحت لهم بالدخول إلى بلادها. وتم تأجيل دراسة طلبات اللجوء إلى وقت لاحق.
في النهاية تقدم حوالي مليون شخص بطلبات لجوء في عام 2015 لوحده، حينها اعترف وزير الداخلية الأسبق توماس دي ميزير في منتصف شهر أغسطس من ذات السنة على قناة "آ.إر.دى." بأنه كانت هناك "لحظات من فقدان السيطرة". ووصف وزير الداخلية الحالي ورئيس وزراء ولاية بافاريا حينها هورست سيهوفر، ذات مرة الوضع في عام 2015 بأنه "هيمنة عدم العدالة".
بين الإشادة والتشكيك
وفي معرض استحضار ما حدث في الماضي فإن الحكم على قرار المستشارة الألمانية يبقى محط خلاف في الأوساط السياسية. وترى السياسية من حزب الخضر إيرين ميهاليك "أن قرار ميركل بعدم إغلاق الحدود في ذك الوقت كان قرارا صائبا". وأضافت أنه لو لم تقم بتلك الخطوة فإن ذلك "سيخلق ظروفا لحدوث فوضى في قلب أوروبا مع احتمال اندلاع صراع".
غير أن السياسي المتخصص في شؤون السياسة الداخلية لدى الحزب الاشتراكي الديمقراطي لارس كاستلوتشي، يعتقد بأنه "كان من الخطأ أن شركائنا الأوروبيين لم يشاركوا بشكل كاف في العملية، وهذا يسبب لنا صعوبات كبيرة إلى يومنا هذا".
في المقابل يرى غوتفريد كوريو من "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي بأنه "كان من الواقعي والمسؤولية الالتزام بالعدالة والقانون ... فلو تم إبعاد الناس منذ البداية لكان عدد النازحين والغرقى في عرض البحر المتوسط أقل".
وصل صدى جملة ميركل الشهيرة "سننجح في المهمة" إلى الكثيرين وجلب اعترافا كبيرا لألمانيا من الخارج. وكتبت صحيفة "نيويورك تايمز" في الخامس من شهر سبتمبر/ أيلول أن ألمانيا "مدت يدا مفتوحة" للاجئين. أما قناة الجزيرة فقالت إن "ألمانيا فتحت أبوابها وحدودها أمام كل من يبحث عن اللجوء والملاذ الآمن". لكن منذ البداية اعتقد المشككون في الخطوة التي أقدمت عليها ميركل بأنها ستدفع ألمانيا إلى الغرور. أما آخرون فتساءلوا عما يمكن تحقيقه بالضبط من وراء سياسة فتح الأبواب أمام طالبي اللجوء، وما إذا كان ينبغي على ألمانيا أن تشعر بالمسؤولية تجاه الكثير من الناس من ثقافات أخرى. ولهذا فربما لم تكن هناك جملة أخرى لميركل قسمت الألمان في السنوات الأخير كجملتها "سننجح في المهمة".
تراجع "ثقافة الترحيب"
في ليلة رأس السنة الجديدة 2015/2016 على أبعد تقدير، تراجعت "ثقافة الترحيب"، وتعرضت "الأبواب المفتوحة" لانتقادات كثيرة. حينها تعرضت عدة نساء في محطة القطار الرئيسية في كولونيا ومحيطها للتحرش الجنسي والمضايقات من قبل عدد من المهاجرين بينهم طالبوا لجوء. كما شهدت ألمانيا هجمات عديدة بدافع كراهية الأجانب استهدفت مراكز إيواء اللاجئين.
على المستوى السياسي استفاد حزب "البديل من أجل ألماني" المناهض للجوء من استياء الكثير من الألمان من سياسة المستشارة تجاه اللاجئين. وحقق الحزب اليميني الشعبوي زيادات كبيرة في الأصوات في العديد من الاستحقاقات الانتخابات محليا، وعلى المستوى الاتحادي، وأصبح أقوى حزب معارضة بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2017.
ورغم ذلك بقيت المستشارة ميركل متمسكة بموقفها وتدافع عن سياستها الخاصة بفتح الحدود، لكنها أعلنت خلال مؤتمر لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ديسمبر 2016 أن ما حدث في أواخر صيف 2015 "لا يمكن أن يحدث مرة أخرى، ويجب، وينبغي ألا يحدث مجددا".
بالإضافة إلى ذلك شددت الحكومة الألمانية سياسة اللجوء، ونتيجة لذلك انخفض عدد طالبي اللجوء، كما أن البلدان الواقعة على طول طريق البلقان جعلت المرور عبر هذا الطريق أصعب على طالبي اللجوء.
ماذا تحقق في مجال الاندماج؟
من حيث التوظيف لا تزال نسبة المهاجرين في سوق العمل أقل بكثير من متوسط السكان الألمان. ووفقًا لدراسة أجراها معهد أبحاث التوظيف عام 2020 فإن عدد الأشخاص الذين هاجروا إلى ألمانيا منذ عام 2013 واندمجوا في سوق العمل أقل بقليل من النصف. وبسبب وباء كورونا تم تراجع الاتجاه الإيجابي لأن العديد من اللاجئين فقدوا علمهم بسبب الجائحة، وفقا للدراسة.
وعندما يتم الحديث عن الجريمة، التي تعد مؤشر آخر للاندماج، كشف "تقرير الجريمة في سياق الهجرة" الصادر عن مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية وجود حالات كثيرة لجرائم القتل والقتل غير العمد والأذى الجسدي الجسيم والاغتصاب يقف وراءها مهاجرون. ومن بين الأسباب وجود نسبة كبيرة لفئة الشباب في وسط المهاجرين وطالبي اللجوء. كما أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في أن الدولة نادراً ما تنجح في ترحيل طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم إلى بلدانهم الأصلية.
بعد مرور خمس سنوات يشهد المجتمع الألماني إلى اليوم انقساما كبيرا حول سياسة الهجرة. ويعتقد حوالي 60 في المئة من الألمان أن البلاد يمكن أن تتعامل مع اللاجئين وتحدياتهم بشكل جيد، أما 40 بالمئة فيرون عكس ذلك. وفي هذا الصدد يقول الباحث في العلوم السياسية السياسة، هيرفريد مونكلر، إن عام 2015 "كشف عن الانقسام في المجتمع الألماني"، مضيفا أن "الميل نحو سياسة الاعتدال الوسطية، الذي كان من قبل، قد انتهي".
التحديات المطروحة
ويبقى السؤال المطروح إلى أي مدى نجحت ألمانيا في مهمة إدماج اللاجئين بعد مرور خمس سنوات على العبارة الشهيرة لميركل؟ ويجيب وزير الداخلية الأسبق توماس دي ميزير عن السؤال قائلا: "لقد حققنا الكثير". وبدوره يرى زميله في الحزب المسيحي الديمقراطي باتريك سينسبيرغ أن ألمانيا "تعاملت بشكل جيد مع أزمة اللاجئين عام 2015".
أما السياسية إيرين ميهاليك من حزب الخضر فترى أن "الاندماج لا يحدث بين عشية وضحاها". وتضيف "سنواصل التعامل مع الملف على جميع المستويات. لكنني مقتنعة بأن الهجرة فرصة عظيمة لألمانيا، خاصة في مجالي سوق العمل والنمو الديموغرافي".
نفس النتيجة خلصت إليها الدراسات التي أجراها المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية (DIW) الذي يرى أن ألمانيا في طريقها إلى النجاح في إدماج اللاجئين. غير أن المعهد يضيف أنه سيتعين على اللاجئين والمجتمع المضيف بذل الكثير من الجهود في سبيل ذلك.
كريستوف هازيلباخ /ع. ع