سوريا بعد هروب بشار الأسد: عنف ممنهج ضد العلويين؟
١٩ يناير ٢٠٢٥سجل مؤخراً في القرى المحيطة بمدينة جبلة الواقعة على البحر الأبيض المتوسط في شمال سوريا انتشاراً عسكرياً متزايداً. فقد أرسلت إدارة العمليات العسكرية التابعة للحكومة الانتقالية في دمشق قوة عسكرية مسلحة في نحو 100 شاحنة بيك أب إلى هذه المنطقة من أجل المحافظة على النظام والأمن ومحاولة اعتقال رموز كبيرة من نظام الأسد المخلوع.
وهذا ما أفاد به في 14 كانون الثاني/يناير المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يقع مقره في بريطانيا ويستقي معلوماته من شبكة من الناشطين في سوريا. ومعلومات هذا المرصد لا يمكن في الغالب التحقق بشكل مستقل منها، ولكن في غالب الأحيان ثبت دقتها، كما تؤكد وكالات الأنباء.
ومن الواضح أنَّ الحكومة الانتقالية في دمشق استجابت بإرسالها هذه القوات إلى جبله لنداءات الاستغاثة خاصةً من قبل العلويين الذين يعيشون في المنطقة.
العلويون وعائلة الأسد
والعلويون كانوا يشكلون قبل الثورة في عام 2011 بحسب تقديرات مختلفة ما بين 10 و13 في المائة من مجموع سكان سوريا. توصف هذه الطائفة الدينية المتفرعة من الإسلام الشيعي الجعفري، بأنَّها علمانية. وتنتمي إلى الطائفة عائلة الأسد، التي حكمت سوريا حكماً ديكتاتورياً لأكثر من نصف قرن.
وتعتبر علاقة العلويين بالنظام السابق برئاسة بشار الأسد علاقة مركبة إلى حد ما. فمن ناحية وصل الكثير من العلويين إلى مناصب عليا في أجهزة النظام العسكرية والأمنية ودعموه بشكل فعّال. ولكن من ناحية أخرى وقف الكثير من العلويين ضد النظام. ويضاف إلى ذلك أنَّ بعض السوريين من مجموعات دينية أو عرقية أخرى خدموا النظام، على الرغم من أنَّ عددهم - من الناحية النسبية - لم يكن كبيراً كعدد العلويين.
ولذلك فإنَّ مقولة إن الحكم الذي يشكل العلويون حامله الأساسي والمعارضة التي يشكل السنة حاملها الأساسي ليست صحيحة إلا بشكل جزئي. ويعتبر المتطرفون من السنة العلويين مشاركين في المسؤولية عن جرائم النظام. وينتمي بعض حكام سوريا اليوم إلى هذا الوسط الإسلاموي المتطرف، ولكنهم يؤكدون أنَّهم فكوا ارتباطهم بالتنظيمات الإرهابية منذ زمن.
مجرمون مجهولو الهوية
ونتيجة لهذه التوترات فقد وقعت وما تزال تقع هجمات عنيفة ضد العلويين بشكل شبه يومي في الأسابيع التي تلت سقوط نظام الأسد في الثامن من شهر كانون الأول/ديسمبر 2024 - ليس في جبلة وحدها ومدينة اللاذقية الساحلية الشمالية، التي غالباً ما كانت توصف في السابق بأنَّها "معقل آل الأسد"، بل حتى في مناطق أخرى، كأرياف حمص وحماة على سبيل المثال.
ولكن من المشكوك فيه إن كان وجود الميليشيات هنا سيعمل في الواقع على تهدئة المواطنين في محيط جبلة وغيرها من المدن ذات الأغلبية العلوية. فقد ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنَّ مدنيين في بلدة تسنين بريف حمص قد هوجموا من قبل أفراد ميليشيات ادعوا أنَّهم عناصر من إدارة العمليات العسكرية.
ولكن من غير المؤكد إن كان هؤلاء المسلحون ينتمون فعلًا إلى الإدارة المذكورة، كما قالت لـDW ناشطة الحقوق المدنية منى غانم، رئيسة المنظمة غير الحكومية السورية "منتدى المرأة السورية للسلام": "معظم هؤلاء المسلحين ملثمون ولا نعرف هويتهم". وتقول منى غانم إنَّ بعض الناس يفترضون أنَّ هؤلاء الرجال الملثمين هم أعضاء في نظام الأسد المخلوع. "لكن هذا افتراض غير دقيق للغاية، وذلك لأنَّ الكثير من السوريين كانوا مرتبطين بالنظام. ومن الممكن أن يكونوا علويين أو أعضاء سابقين في الجيش. نحن لا نعرف".
وكذلك يفترض بعض أهالي المنطقة أنَّ مَنْ يقف خلف هذه الهجمات هم جهاديون أجانب قاتلوا خلال السنين الأخيرة في صفوف "هيئة تحرير الشام" الإسلاموية المتطرفة، التي يترأسها رجل سوريا القوي، أحمد الشرع.
حالات قتل وعنف كثيرة
ومن غير الواضح ما الذي يريده مرتكبو أعمال العنف هذه، كما تقول خبيرة الشؤون السورية في مؤسسة هاينريش بول الألمانية بينتي شيلر: "من الممكن أنَّ يتعلق الأمر بعمل انتقامي شخصي، أو بعنف ذي دوافع أيديولوجية، أو حتى بمحاولة تشويه سمعة النظام الجديد".
والحقيقة أنَّ المواطنين في المناطق ذات الأغلبية العلوية باتوا يتعرضون بشكل متكرر لأعمال عنف منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024. وحتى إعداد هذا التقرير قام المرصد السوري لحقوق الإنسان بتوثيق 132 جريمة عنف مميتة، بلغ عدد ضحاياها 132 ضحية، من بينهم تسع نساء وخمسة أطفال.
وبحسب هذا الإحصاء فإنَّ معظم هؤلاء الضحايا من محافظة حمص، التي وقعت فيها 26 جريمة قتل بلغ مجموع ضحاياها 59 ضحية. وتليها محافظة حماة بثلاث وثلاثين جريمة و58 قتيلاً. وقُتل في محافظة اللاذقية 25 شخصاً. ووقعت في دمشق أيضاً أعمال عنف مميتة، فقد قُتل هناك عشرة أشخاص. وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من مقاطع الفيديو لأعمال عنف، لكن لا يمكن في كثير من الأحيان التحقق بشكل جازم من مجرياتها وخلفياتها.
وتضاف إلى ذلك اعتقالات على نطاق واسع. ففي حمص وحدها اعتُقل خلال الأيام الأخيرة نحو 650 شخصاً، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ولكن مع ذلك فإنَّ هذه الاعتقالات لا تستهدف العلويين بحد ذاتهم كما تقول الجهات الرسمية، بل تستهدف مسؤولين سابقين في نظام الأسد. ويقال إنَّ نحو 145 شخصاً قد تم الإفراج عنهم بعد اعتقالهم.
حكومة انتقالية عاجزة؟
تقول خبيرة الشؤون السورية في مؤسسة هاينريش بول الألمانية المقربة من حزب الخضر، بينتي شيلر، إنَّ الحكومة الانتقالية تواجه مشكلة كبيرة: "ومن الواضح أنَّها لا تستطيع بسط سيطرتها على كل سوريا. فبعض جماعات المعارضة السابقة تتصرف على مسؤوليتها الخاصة، من دون الالتزام بتوجيهات دمشق. وهذا يقوض سلطة الحكومة الانتقالية إلى حد كبير".
وتنظر الناشطة منى غانم إلى الوضع نظرة مشابهة. وتقول إنَّ المواطنين في المناطق ذات الأغلبية العلوية يعتمدون في أمنهم على الدعم من دمشق. بيد أنَّ الحكومة غير قادرة على تقديم الدعم: "وهذا يضع العلويين في وضع صعب، لأنَّ الكثيرين منهم قد سلموا أسلحتهم في الأسابيع الأخيرة، وأظهروا بذلك أنَّهم مستعدون للعمل من أجل نظام جديد في سوريا. وإذا كانت الحكومة غير قادرة على القيام بذلك، فيجب عليها أن تطلب مساعدة خارجية".
أعده للعربية: رائد الباش