سوريا 2025 – أبرز التحديات المنتظرة بعد سقوط نظام الأسد
١ يناير ٢٠٢٥عقب 14 عاما من انطلاق حركة الاحتجاجات والحرب، نال السوريون حريتهم بسقوط نظام الأسد، ولكن الجميع يسأل، وماذا بعد؟ المطالب كثيرة والعمل الذي تحتاجه البلاد كبير جدا، وقائمة الأولويات لا تنتهي. نستعرض هنا أبرز ما ينتظر سوريا وما يتطلع إليه السوريون خلال 2025.
المسار السياسي والحوار الوطني
كيف سيكون شكل نظام الحكم في سوريا؟ برلماني أم رئاسي؟ قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع أحال هذا الأمر، خلال الحوارات الصحفية التي أجريت معه إلى طاولة "الحوار الوطني".
يعول السوريون على الحوار الوطني المنتظر كي يكوّنوا تصورا أكبر حول مستقبل بلدهم وطريقة حكمه. ولكن التفاصيل مازالت غير واضحة حول من سيشارك في هذا المؤتمر. فهل تشمل المشاركة كل القوى السياسية؟ وهل يكون التمثيل بناء على أساس جغرافي (محافظات)، أم على أساس مذهبي/ديني وأساس إثني، أم مزيج من كل ذلك؟.
النقاشات حول ذلك بدأت بكثافة، سواء في المقاهي واللقاءات الخاصة والعامة، أو على وسائل التواصل الاجتماعي. وهناك حركات وأحزاب ناشئة بدأت بإطلاق رؤيتها وتدعو للنقاش العام.
وينتظر أن يكون هذا المؤتمر مقدمة لتغييرات سياسية لاحقة، منها تشكيل حكومة انتقالية، لتخلف الحكومة الحالية، برئاسة محمد البشير، التي تقوم بتصريف الأعمال، والتي وجهت لها انتقادات بأنها من لون واحد، وتتبع لهيئة تحرير الشام. فيما رد القائمون عليها، بأن "ضرورات العمل في هذه المرحلة" تطلبت ذلك.
ومن التغييرات المنتظرة أيضا البدء بإعداد الدستور، الذي قد يستمر العمل عليه فترة تتراوح "بين عامين وثلاثة أعوام"، وفق الشرع.
وقد يشهد عام 2025 عودة الحياة السياسية "التعددية"، التي اختفت ربما منذ عام 1958. هذا الطريق سيكون مليئا بالصعوبات والصراعات، خصوصا مع وجود ملفات أخرى عالقة وهامة جدا.
دمج الفصائل العسكرية
من التحديات التي تواجه الإدارة الجديدة، هي عملية دمج الفصائل التي قاتل معظمها لتحقيق هدف واحد وهو إسقاط نظام الأسد. ولكن الآن ومع تحقيق هيئة تحرير الشام تفوقا كبيرا على بقية الفصائل، تولت هي مسؤولية دمجها بتكليف مرهف أبو قصرة بحقيبة وزارة الدفاع. فهل سيتمكن من تشكيل جيش حقيقي بعيد عن الولاءات الفصائلية؟
وماذا عن الجيش الوطني المكون من عدة فصائل مدعومة من تركيا؟ هل ستنضم للجيش السوري الجديد، ومتى؟ أم سيكون انضمامها شكليا؟ لا إجابة حتى الآن على هذا السؤال.
ونفس الكلام ينطبق على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية. فالقيادة السورية الجديدة في دمشق كررت الكلام أن "قسد" ستنضم إلى الجيش السوري الجديد. وقيادة قسد كررت التصريحات أيضا بأنها تريد الانضمام.
بيد أنّ هذا العنوان يبقى غامضا حتى الآن بدون تفاصيل، وهو مرتبط بشكل كبير بالحل النهائي للملف الكردي ومنطقة شمال شرق سوريا. وهذا الملف يرتبط بشكل كبير بالقوتين الرئيسيتين هناك، وهما الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا.
عودة اللاجئين وإعادة الإعمار
إعادة الإعمار هي الكلمة السحرية التي ينتظر السوريون سماعها، لكي يستطيعوا إعادة بناء المنازل المدمرة، والطرقات، وترميم الكثير من القطاعات الخدمية، من كهرباء ومياه وصرف صحي واتصالات، الخ.
وهذا الأمر يشمل القطاع الصحي أيضا، والذي تضرر كثيرا خلال السنوات الماضية، بفعل القصف الممنهج للمشافي، والذي كانت تشنه طائرات النظام وحليفته روسيا حينها. كما شهد القطاع الطبي نزيفا كبيرا بهجرة العاملين فيه بعد التضييق عليهم وملاحقتهم، وأيضا بسبب الحالة المادية المزرية.
وبالمجمل اضطر حوالي نصف السوريون لترك منازلهم، وهجروا إلى داخل أو خارج سوريا. وبمجرد سقوط الأسد واختفاء شبح الملاحقة الأمنية، بدأ سوريون كثر بالعودة إلى ديارهم، وخصوصا من دول الجوار (لبنان، الأردن، تركيا، مصر).
وبالعموم ستستغرق مسألة عودة اللاجئين التدريجية سنوات على الأرجح، لأنها مرتبطة بشكل كبير بالاستقرار الأمني والاقتصادي وبإعادة الإعمار.
الاقتصاد
تعاني سوريا من وضع اقتصادي كارثي بكل ما للكلمة من معنى. نسبة البطالة مرتفعة للغاية، والرواتب الشهرية في سوريا تعادل راتب عمل يوم واحد أو أقل في دول الجوار.
وقد تلوح الفرصة الآن للبدء بمشاريع استثمارية تعيد تحريك سوق العمل وقطاع الاقتصاد بشكل عام. إلا أن نجاح ذلك يرتبط بعامل مهم وهو رفع العقوبات الدولية، وهي عقوبات كثيرة جدا، فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وجهات أخرى.
وقد يبدأ الرفع التدريجي لهذه العقوبات خلال الأشهر الأولى من عام 2025، وهذا يعني حركة اقتصادية متصاعدة في سوريا.
المساعدات الدولية الملحّة
يحتاج 70 بالمئة من السوريين حاليا إلى المساعدة من أجل تلبية احتياجاتهم الرئيسية، وفق الأمم المتحدة. ودعا مسؤول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، توم فليتشر، المجتمع الدولي إلى الاستجابة لـ"لحظة الأمل" التي يعيشها السوريون، بعد إطاحة بشار الأسد.
وقال فليتشر إن السوريين يحتاجون بالدرجة الأولى إلى الخدمات الأساسية من كهرباء وطعام ومأوى، وإلى الخدمات الحكومية من تعليم واستشفاء، عدا عن احتياجات إعادة الإعمار والتنمية.
وقال "يحاول الشعب السوري العودة إلى وطنه، حين يكون ذلك آمنا، من أجل إعادة بناء بلدهم، وإعادة بناء مجتمعاتهم وحياتهم"، معتبرا أن "الفرصة سانحة الآن... وعلينا أن نقف الى جانبه ونستجيب لهذه اللحظة المفعمة بالأمل". وأضاف "أخشى أن تُغلق هذه النافذة، إن لم نفعل ذلك بسرعة".
مصير المعتقلين والمصالحة الوطنية
بعد 14 عاما من الثورة والحرب وما صاحبها من انتهاكات جسيمة للحقوق والحريات، وموت مئات الآلاف، بمختلف الطرق ومنها مجازر ضد مدنيين، وأيضا موت تحت التعذيب، والإخفاء القسري، تشكل فظائع هائلة قام بها نظام الأسد. إنها حصيلة تمثل جرحا غائرا في خاصرة المجتمع السوري.
وهذا الجرح سيحتاج عملا كبيرا للبدء بعملية المصالحة الوطنية، في مسار قد لا يحل خلال عام 2025، وإنما سيستغرق أعواما لتثبيته، بحيث يتمكن السوريون من العيش بشكل طبيعي في القرى والمدن التي شهدت مجازر وتجاوزات ضد المدنيين.
وبعد سنوات من الإقصاء لمكونات معينة وتفصيل مكونات أخرى داخل المجتمع السوري، فيما يتعلق بالتوظيف والخدمات وغيرها، ستكون التحديات هائلة على هذا الصعيد، لمنع تكرار ممارسات إقصائية أو تمييزية.
التدخلات الخارجية
كانت السنوات الماضية، منذ تفجر الثورة السورية ضد الأسد، مليئة بالتدخلات الخارجية، سواء مع النظام أو ضده. ثم تبدل مواقف بعض الدول من معادية للأسد إلى داعمة له، ثم عادت لتدعم الإدارة الجديدة (أي المعارضة المنتصرة على الأسد).
أمر يُنظر إليه في سوريا بعين الريبة على أمل أن تكون التدخلات الخارجية هذه المرة بناءة وتساعد في بناء البلد وألا تؤدي لإشعال حروب جديدة على الأرض السورية، وألّا يتكرر مثلا نموذج الانقسام الموجود في ليبيا حاليا.
فهل يمكن أن تتوصل دول الجوار والقوى الإقليمية البارزة، مثل إيران والعراق والسعودية وتركيا وإسرائيل ومصر والأردن وغيرها إلى تفاهمات تصب في صالح استقرار الوضع في سوريا؟
ثم ماذا عن المواقف الدولية لكبار العالم، كروسيا ودول الاتحاد الأوروبي، والأهم كيف سيكون موقف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من الوضع في سوريا؟ هذه الأسئلة قد نرى إجاباتها خلال الأشهر الأولى من عام 2025، لتحدد ملامح التعاطي الدولي مع سوريا.