سوق العقارات الألماني- ازدهار يتحدى الأزمات
١٩ ديسمبر ٢٠١٥يشهد سوق العقارات الألماني منذ أكثر من ست سنوات معدلات نمو مرتفعة، فخلال العام الماضي 2014 فقط تم بيع 900 ألف عقار بقيمة 191 مليار يورو وفقا لتقرير "سوق العقارات الألماني 2015" الصادر عن اللجنة الحكومية الخاصة بتقييم العقارات. وجاء في التقرير أن الاستثمارات العقارية ارتفعت سنويا بمعدل 8 بالمائة على الأقل منذ عام 2009. وقد ذهب أكثر من 75 بالمائة منها إلى الاستثمار في السكن الخاص والعائلي.
وتراوحت معدلات ارتفاع الأسعار السنوية للمساكن بين 3 و 10 بالمائة حسب الموقع والمنطقة والمدينة. وسجلت أعلى الأسعار في مدينة ميونيخ حيث بلغ معدل سعر المتر المربع أكثر من 7 آلاف يورو. وفي فرانكفورت ودوسلدورف وكولونيا بلغ هذا المعدل 4 آلاف يورو، في حين بلغ في برلين بحدود 3 آلاف يورو باستثناء السكن الفاخر.
وتتوقع اللجنة في التقرير الذي أعدته بالتعاون مع المعهد الاتحادي الألماني للبناء وأبحاث المدن استمرار ارتفاع الأسعار خلال السنوات القادمة بمعدلات عالية في مختلف المدن والبلدات الألمانية. وسيشمل ذلك بالدرجة الأولى أسعار الشقق والمنازل العائلية في المدن الكبيرة مثل برلين وميونيخ وهامبورغ وفرانكفورت ومحيطها القريب بسبب جذبها لقوة عمل جديدة من داخل وخارج ألمانيا.
يعود ازدياد الطلب في سوق العقارات الألماني أيضا إلى تدني مستوى الفوائد على القروض العقارية بشكل لم يسبق له مثيل. وهو الأمر الذي زاد من الطلب عل هذا النوع من القروض، حسب تقارير مختلف البنوك الألمانية. كريستيان هازه، الخبير في اتحاد بنوك التوفير الألمانية- فرع برلين يقول: "يمكن حاليا الحصول على قرض عقاري بمعدل فائدة أقل من 2 بالمائة مقابل 10 بالمائة قبل عشر سنوات"، ويضيف هازه في حديث مع DW عربية: "هناك مستوى متدني غير مسبوق على الفوائد وهو الأمر الذي يجعل المدخرين يهربون إلى الاستثمار العقاري لأن الفوائد على الادخار أقل حتى من مستوى التضخم".
الملكية العقارية أكثر جاذبية
في هذا السياق يلحظ الخبير العقاري البرليني عصام محمود توجها متزايدا نحو الملكية العقارية لدى جيل الشباب في ألمانيا مقارنة مع جيل الآباء الذي عاش غالبيته في السكن المأجور. "هذا الجيل يفضل ملكية مسكن عن طريق قرض ودفع أقساطه بدلا من دفع بين 700 إلى 900 يورو لاستئجار سكن أقل جودة ورفاهية ومتعة من السكن الخاص. كما أن الملكية العقارية الخاصة التي ما تزال نسبتها متدنية في ألمانيا مقارنة ببقية البلدان الأوروبية، تشكل استثمارا طويل الأجل يحسن من مستوى حياة المرء بعد سن التقاعد"، يقول محمود مضيفا في حديث مع DW عربية: "هناك أيضا إقبال على شراء العقار في برلين ومدن ألمانية أخرى من قبل أثرياء يونانيين وقطريين وخليجيين ولبنانيين وعرب آخرين بسبب مخاطر الأزمات وعدم الاستقرار في بلدانهم". كما أن أسعار العقار في المدن الألمانية ما تزال دون مثيلاتها في مدن أوروبا الغربية بنسب تتراوح بين 30 إلى 100 بالمائة، الأمر الذي يجذب مستثمرين من هذه الدول للشراء فيها. وعلى ضوء ذلك يرى محمود بأن فرص الاستثمار العقاري جيدة جدا للمستثمرين العرب وغيرهم من المستثمرين الأجانب في السوق الألمانية.
وتفتح ألمانيا من خلال سفاراتها في الخارج المجال بشكل أفضل لقدوم المستثمرين الأجانب عندما يتعلق الأمر بعقد صفقات تجارية أو إقامة مشاريع تخلق فرصا جديدة للعمل في السوق الألمانية. وهناك تأشيرات دخول وإقامة خاصة للمستثمرين تمتد لسنة أو أكثر يستطيع بفضلها هؤلاء زيارة ألمانيا للإشراف على مشاريعهم ومتابعتها بمساعدة شركات وخبرات استشارية تمارس أعمالها بمختلف اللغات.
الهجرة وسوق العقار
على صعيد متصل، يتوقع خبراء العقار الألمان المزيد من الزيادة في الطلب والارتفاع في الأسعار بسبب قدوم أعداد متزايدة من المهاجرين واللاجئين من سوريا والعراق ودول أخرى إلى ألمانيا. "إن قدوم المزيد من اللاجئين سيؤدي إلى مزيد من الضغط على السوق وإلى رفع الأسعار"، كما يقول هارالد هيرمان، مدير المعهد الاتحادي للبناء وأبحاث المدن. ويتوقع هيرمان أن يزيد ضغط هؤلاء في المدن والتجمعات السكانية الكبيرة بسبب فرص العمل المتوفرة في هذه التجمعات. وعليه، فإن هناك حاجة لبناء 350 إلى 400 ألف مسكن جديد بدلا من 270 ألفا كما قيل. غير أن عصام محمود يرى بأن الأمر ما يزال مبكرا للحكم على مدى تأثير اللاجئين في السوق، "لأن القلة القليلة منهم فقط لديها القدرة في الوقت الحالي على تحمّل أعباء تكاليف السكن بمفردها". غير أن الأمر سيتغير ولكن بعد سنوات عندما "يندمج الأكاديميون وأصحاب المهن من المهاجرين واللاجئين في سوق العمل الألماني التي تحتاج لهذه الكفاءات"، ومع حصول ذلك سيكون بمقدور هؤلاء التأثير في سوق العقار من خلال الاقتراض لتمويل شراء مسكن أو متجر أو مكتب".
رغم أهمية الاندماج في سوق العمل وتأثيره على السوق، فإن أموال الحكومة الألمانية المخصصة لاستيعاب اللاجئين ستساهم في رفع الطلب على العقارات. وقد خصصت الحكومة حتى الآن ست مليارات يورو لهذا الغرض. وسيذهب قسم هام من المبلغ لتوفير السكن المحدود السعر والمرافق المرتبطة به. ومع تخصيص السكن المحدود السعر أو ما يسمى بالسكن الاجتماعي للاجئين على وجه الخصوص، سيزيد الطلب على السكن المتوسط السعر أو الفاخر. ومن شأن ذلك أن يرفع الأٍسعار إلى الحد الذي يخشى فيه خبراء من تشكيل فقاعة عقارية في ألمانيا. ويحذر هؤلاء من انفجارها لاحقا كما حصل في السوق العقاري الأمريكي قبل 7 سنوات. كانت فقاعة السوق العقارية الأمريكية سببا لاندلاع الأزمة المالية العالمية وأزمات عقارية أخرى كالأزمة العقارية الإسبانية وأزمة عقارات إمارة دبي.
استبعاد حدوث فقاعة عقارية
في الوقت الذي يحذر فيه البعض من حدوث فقاعة عقارية، يستبعد آخرون ومعظم تقارير المؤسسات المتخصصة حصول ذلك لأسباب عديدة لعل أهمها ارتفاع نسبة رأسمال المالكين في مجمل رأسمال العقاري المستثمر. "قسم كبير من الشارين يدفع من مدخراته الخاصة قسما هاما من تكلفة العقار مما يخفف عليهم أعباء أقساط القرض ودرجات المخاطرة"، يقول الخبير كريستيان هازه مضيفا أنه "حتى في حال تعثر البعض بمداخليهم لبعض الوقت فإنهم ليسوا معرضين للإفلاس بالشكل الذي يهدد استقرار السوق". على صعيد آخر، ترصد التقارير العقارية توجه المستثمرين للاستثمار الطويل الأجل الذي يخدم الأغراض الخاصة بدلا من المراهنة على الربح. وينطبق هذا الأمر على المستثمرين الأجانب الذي يأتون من البلدان الاسكندينافية وغرب أوروبا للاستثمار في برلين ومدن ألمانية أخرى، لأن أسعار العقارات فيها أقل بكثير من مثيلاتها في أوسلو أو أمستردام أو باريس أو لندن.