شبح العشرية السوداء يؤجل الربيع الجزائري
١٩ أغسطس ٢٠١٢على الرغم من أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ليس السياسي الأكثر شعبية في بلده الجزائر، إلا أنه يحق له الإحساس بالنجاح، لأن حزبه في نهاية المطاف نجح في الحفاظ على مركز الصدارة كأكبر قوة سياسية في البلد بعد الانتخابات البرلمانية في شهر مايو/ أيار من العام الجاري، فخلافا لباقي الأحزاب الأخرى تمكن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم من كسب أصوات جديدة.
حزب مستبد ذو تأثير كبير!
كسب الأصوات الجديدة والحفاظ على مركز الصدارة ليس شيئا بديهيا بالنسبة لحزب يوجد على رأس السلطة منذ الحصول على الاستقلال عام 1962، ويحكم البلد بشكل استبدادي غالبا، إضافة إلى أن جزءا كبيرا من الشعب الجزائري ليس راضيا على السياسيات المتبعة، فالجزائر تتمتع بثروات نفط وغاز، لكن معظم سكانها يعيشون دون مستوى إمكانات بلدهم.
يقول سيباستيان هيمبل من مؤسسة فريدريش ناومان في الجزائر: " يحس المرء يوميا بعدم رضا الجزائريين"، ويضيف ناومان :"الجزائريون يعرفون أن بلدهم غني بالثروات، لكن ذلك لا ينعكس على حياتهم، فالرشوة متفشية وأرباح البترول يتم توزيعها بشكل رئيسي على دوائر في الحزب والجيش والإدارة. وهذا الدوائر تسيطر على زمام الأمور في البلد منذ الاستقلال.
خوف من حرب أهلية جديدة
ورغم حالات التذمر، فإن الجزائر لم تعرف مظاهرات شعبية حاشدة ضد الحكومة. صحيح أن المواطنين يطالبون بالمزيد من الحرية والديمقراطية والرفاهية ، إلا أن البلد بقي بعيدا عن موجة الاحتجاجات والثورات التي عرفتها دول عربية أخرى، فالجزائريون لم يتخلصوا بعد من صدمة سنوات العنف في تسعينات القرن الماضي، والتي ذهب ضحيتها مئات آلاف الجزائريين. ويدفع الخوف من تكرار هذه التجربة بالجزائريين إلى عدم الحماس لتغيير النظام بالقوة.
بدأت الجزائر قبل عشرين سنة محاولة لدمقرطة البلد. فبعد الاستقلال تبنت نظاما اشتراكيا كان مآله الفشل في بدايات تسعينيات القرن الماضي. وبسبب البطالة المستفحلة هاجر العديد من الجزائريين إلى خارج البلد بحثا عن فرص عمل. وعندما بدا أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ ستفوز في الانتخابات البرلمانية لعام 1992، تدخلت المؤسسة العسكرية لمنع ذلك. بعدها دخلت البلاد في حرب بين الإسلامويين والقوى الأمنية. وقد قُتل بنتيجتها مئات الآلاف.
كابوس عقد مظلم
لم يتخلص الجزائريون حتى الآن من كابوس "العشرية السوداء" الذي شهده بلدهم في تسعينات القرن الماضي، والذي أعاد إلى أذهانهم العنف الذي شهده البلد بين 1954 و1962 خلال حرب الاستقلال ضد الاحتلال الفرنسي. فالخوف الذي يتملك المواطنين من اندلاع العنف مجددا وإمكانية تمتعهم بشبكة أمان اجتماعية ولو نسبيا بفضل عائدات البترول يجعلان النظام مستقرا.
قاد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مرحلة إعادة الأمن بشكل تدريجي بعد حرب التسعينات التي دامت نحو عقد من الزمن، لكن السياسة التي يتبناها منذ عام 1999 كانت نتيجتها الجمود الاقتصادي والسياسي. فالجزائريون لا يثقون بجدوى المشاركة في الحياة السياسية، وأما أصحاب المبادرات الاقتصادية فيعانون من البيروقراطية ومن استفحال الرشوة. يقول سيباستيان هيمبل في هذا السياق:" يقوم النظام الجزائري حتى الآن باستغلال شبح الحرب المذكورة وتصوير المطالب السياسية بأنها ستعني بداية مرحلة جديدة من العنف".
تحدي الإرهاب
ما يزال الإرهاب الإسلاموي حاضرا في المشهد السياسي الجزائري. صحيح أن أغلب الإسلامويين تم إدماجهم في المنظومة السياسة للبلد، إلا أن المئات منهم لم يتخلوا بعد عن لغة العنف، وهؤلاء يقومون بين الفينة وأخرى بأعمال إرهابية دامية، وقد دخلوا في تحالف مع تنظيم القاعدة في المغرب، كما يقومون بتوسيع نشاطهم في الصحراء باتجاه النيجر وموريتانيا ومالي.
في الوقت الذي ساهمت فيه الإصلاحات السياسية في المغرب والثورة في كل من تونس وليبيا في نقل هذه البلدان إلى مسار ديمقراطي، فإن الأوضاع في الجزائر لا تزال متوترة. يقول فرنار روف، برفسور العلوم السياسية في جامعة كاسل والمتخصص في شؤون الجزائر: "ما يزال التمرد وقطع الطرق وعمليات النهب موجودة على الصعيد المحلي". ويضيف غوف أن الأمر يتعلق بـ "احتجاجات اجتماعية وليست سياسية، وهي احتجاجات يسهل للمؤسسة العسكرية السيطرة عليها". وخلافا لما هو علية الحال في دول الخليج فإن الأزمة الاقتصادية والسياسية للجزائر قد تضع حدا لاستقرار الأوضاع هناك، وهي معطيات يلزم على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن يأخذها بعين الاعتبار.
آني ألميلينغ/ عبد الرحمان عمار
مراجعة: ابراهيم محمد