صحفية من الموصل: مقاتلو داعش يتوددون لسكان المدينة
٢٨ يونيو ٢٠١٤منذ سقوط الموصل بيد مسلحين يقودهم تنظيم "داعش" في العاشر من الشهر الجاري، والمعلومات الواردة من داخل ثاني أكبر مدن العراق نادرة جدا. كيف تعيش الموصل في ظل سيطرة داعش؟ كيف يدير هؤلاء المسلحون المتطرفون المدينة؟ ماذا فعلوا بالجنود وعناصر الشرطة الذين لم يفروا أثناء سقوطها؟ ماذا عن النساء والأقليات الدينية كالمسيحيين؟ DWعربية طرحت هذه الأسئلة وغيرها على الصحفية العراقية سهى عودة التي كانت موجودة في الموصل لحظة سقوطها وبقيت فيها عدة أيام قبل أن تضطر لمغادرتها.
نص الحوار الذي أجري عبر الفيسبوك:
DW عربية: الزميلة سهى عودة، متى خرجت من الموصل؟
سهى عودة: خرجت من الموصل بعد عشرة أيام من سقوطها بيد مقاتلي "داعش".
هل تعرضت لتهديدات من داعش؟
بصراحة لم أتعرض شخصيا لتهديدات من "داعش". ونحن لم نسمع في الموصل وقتها أن قوات "داعش" قامت بعمليات قتل علنية في المدينة. المقاتلون أخذوا ينفذون ما ورد في دستورهم الذي أعلنوا عنه فور سيطرتهم على الموصل وأطلقوا عليه اسم "وثيقة المدينة".
لماذا خرجت من المدينة إذن؟
أنا صحفية، ولي قراءة بعيدة للوضع؛ خفت على حياتي وعلمت أن التنظيم سيطبق كل ما كتبه في وثيقها.
ما هي هذه الوثيقة؟ ماذا يوجد فيها؟
الوثيقة تحتوي على 16 فقرة تنص على أن الحكم للإسلام وأن لا مكان للعلمانية والحكم المدني. كما تنص الوثيقة على أن التوبة واجبة على عناصر الجيش والشرطة باعتبارهم كفرة، وأن الحجاب والستر واجب على المرأة، كما أن عليها ألا تخرج إلا عند الضرورة. وتنص الوثيقة على تحريم الخمور ومنع التدخين وهدم القبور والمعابد الشركية أيضا.
ماذا تقول وثيقتهم عن المرأة أيضا؟
الوثيقة تقول إن على المرأة "الالتزام بالحشمة والستر وعدم الخروج من البيت إلا للحاجة الملحة كما كانت الصحابيات الجليلات".
وماذا ستفعل الموظفات والعاملات؟ هل يتركن أعمالهن؟
النساء لا يردن ترك وظائفهن وهن لحد هذه اللحظة لا يصدقن هذا الكلام. أو بكلام آخر هن يقلن، إن تنظيم داعش لن يستطيع أن يجعلنا نترك العمل. حاليا تخلو دوائر الدولة والشركات من النساء ومن يذهبن للعمل منهن قليلات جدا. بالطبع يذهبن إلى العمل وهن يرتدين العباءة وبعضهن تخلين عن وضع المساحيق وكل مواد التجميل.
ماذا تقصد وثيقة داعش بالحشمة والحاجة الملحة؟
أنا لا أعرف غاية داعش من فقرة الحشمة والجلباب الفضفاض خاصة أن نساء الموصل محتشمات بالأصل ويرتدين الحجاب.
يعني الآن أن النساء في الموصل لا يخرجن للشارع إلا منقبات؟ وماذا لو خرجن سافرات؟
لا يوجد في الموصل نساء بدون حجاب، حتى المسيحيات كن يرتدين الحجاب بعد أحداث 2006 (في إشارة إلى الحوادث الطائفية بين عامي 2006 و2007).
نسمع هنا في أوروبا أن المسيحيين غادروا المدينة، هل هناك شيء عنهم في وثيقة داعش؟
هناك مسيحيون لم يغادروا الموصل ومازالوا موجودين داخلها لكن قسما كبيرا منهم غادروا المدينة فعلا، خصوصا القساوسة.
هل يفرض تنظيم داعش الجزية عليهم، مثلا؟
لم يفرضها حتى الآن على حد كلام أحد القساوسة، كما أن كنائسهم لم تتعرض إلى اعتداءات، على حد قوله أيضا. هذا لا يعني أن الوضع يمكن أن يبقى هكذا، فأنا لا أثق بداعش أبدا. مقاتلو داعش يحاولون طمأنة الناس لا غير في البداية.
نشرت مواقع قريبة من داعش صورا لإعدامات جماعية قالت إنها لجنود في الجيش العراقي، كما تحدثت هيومن رايتس ووتش عن إعدام أكثر من 160 جنديا في تكريت، هل كان هناك صدى لهذه الإعدامات في الموصل أثناء وجودك؟
كما قلت في البداية، فرض تنظيم داعش في الموصل التوبة على عناصر الجيش والشرطة الذين لم يغادروا المدينة، ومن يرفض التوبة فجزاؤه القتل. وكانت التوبة في مسجدين فقط هما جامع "عمر الأسود" في الجانب الأيمن من المدينة و"الصابرين" في الجانب الأيسر. وكانت الطوابير بأعداد هائلة من أجل التوبة. فقد تجمهر العشرات بل المئات من عناصر الشرطة والجيش وحماية المنشآت، وحتى شرطة المرور والنجدة. لذلك لم تحدث عمليات قتل في شوارع الموصل لمنتسبي الشرطة والجيش. ومن يتوب يُعطى وثيقة مختومة تنص على أنه تاب وتم الإعفاء عنه. والتوبة تكون عبارة عن نطق الشهادة وهذا ما رأى فيه الناس تكفيرا لهم، فهم مسلمون في الأصل فلماذا ينطقون الشهادتين الآن؟
أثناء وجودك في الموصل، هل لاحظت أن المقاتلين الذين دخلوا المدينة عراقيون أم من جنسيات عربية وأجنبية؟
أنا رأيت عراقيين، لكن مصادر كثيرة كانت تقول عند الدخول كان هناك عرب وأفغان، يمنيون تونسيون سعوديون.
يقول ناشطون سوريون إن الأهالي رحبوا في البداية بداعش، لكن بعد أن خبروا وحشيتهم انقلبوا عليهم، هل تعتقدين أن هذا سيحصل في الموصل أيضا؟
قسم من الأهالي رحب بما فعلوه وبما تظاهروا به من أعمال في البداية، كإزالة الحواجز وفرض الهدوء على المدينة، لم تعد تشهد انفجارات يومية كما كانت وهذا ما جعل الناس يطمئنون لوجودهم ويرحبون بما فعلوه. فالموصل كانت تعيش صراعات دموية، وهم روجوا للمواطنين أنهم وجدوا وثائق وأوامر بالاغتيالات وخصوصا اغتيالات بحق الإعلاميين المعروفين في المدينة في مقر الفرقة الثانية التابع للجيش العراقي في منشأة الكندي. بيد أن قسما آخر من الناس تخوف منهم بعد هدمهم للتماثيل التاريخية وبعض المراقد كمرقد النبي يونس. شريحة الشباب تخوفت منهم منذ البداية على ضوء ما ورد في وثيقتهم عن فرض الصلاة الجماعية والملابس الخاصة، أي الجلباب. أظن أن هذه الأمور ستجعل شعبيتهم تقل مع الزمن في المدينة.
أجرى الحوار: أحمد حسو
سهى عودة، صحيفة عراقية تعمل مع عدة مؤسسات إعلامية من الموصل، لكنها اضطرت إلى ترك المدينة بعد أيام من سيطرة مقاتلي داعش عليها.