صدام والقذافي: نهاية دامية تثير أسئلة
٢٨ أكتوبر ٢٠١١غطى مقتل العقيد الليبي معمر القذافي على كل الأحداث، فهاهو ديكتاتور عربي آخر يسقط في ثورات الربيع العربي، وهو مثل غيره يشبه ديكتاتور العراق صدام حسين، علما أن كثيرين يشيرون إلى أنه لا يمكن مقارنة القذافي بصدام حسين من ناحية العنف مع الشعب وأن العراق عانى من عنف ووحشية النظام السابق بشكل لا يعرفه سوى العراقيين. مع ذلك، فإن هناك أوجه شبه جديدة بين تاريخ الشخصيتين، فقد اعتقلا في حفرة، وهما يحملان أسلحة لم يستخدمانها في الدفاع عن نفسيهما، وأعدم القذافي أمام كاميرات الهاتف النقال وعرضت جثته على أنظار الناس 4 أيام، فيما أعدم صدام بالشنق بعد محاكمة علنية نقلتها قنوات التلفزة لمدة عامين. ودفن القذافي في مكان مجهول فيما سُلم صدام لقبيلته التي دفنته في قبر بمدينة تكريت مسقط رأسه، ويعتبر محبو صدام هذا القبر مزارا. البعض يقول اليوم بصوت عال: علينا أن نقارن العدالة على الطريقة الأمريكية بالعدالة على الطريقة العربية ( في إشارة إلى إعدام صدام و القذافي).
" القذافي جعل فاتورة الدم مكلفة في حرب التحرير"
من طرابلس الغرب تحدث إلى مايكروفون العراق اليوم من دويتشه فيله الصحفي الليبي عصام محمد الزبير مراسل صحيفة العرب اللندنية في ليبيا شارحا ملابسات مقتل القذافي، معتبرا أن القذافي جعل في حر ب التحرير فاتورة الدم مكلفة، بل إنه هو الذي أثار فتنة بين الشعب الليبي، بين قبيلته والقبائل الأخرى، ووصل عدد القتلى والمصابين إلى 100 ألف شخص. ولهؤلاء الضحايا أسر تحمل اليوم كرها للقذافي ولمن وقف معه، والقذافي في حياته وموته صنع فتنة، ولابد من القول هنا إن القوات التي اعتقلت القذافي هي ميلشيات الثوار وليست قوات نظامية منضبطة، لذا لا يستغرب المرء أن تصدر عنها مثل هذه الأفعال."
وكشف الزبير عن حقيقة مفادها أن الثوار الليبيين تعلموا من محاكمات صدام حسين التي نقلتها التلفزة، ولم يريدوا أن يدخلوا في نفس النفق الذي دخله العراقيون قبلهم حين صوروا المحاكمات التي طالت كثيرا بما خدم أنصار صدام وأضر بالشعب العراقي، كما أنهم لم يريدوا اللجوء إلى محكمة العدل الدولية التي لن تصدر عليه حكما أكثر من السجن مدى الحياة، وهو ما لا يريده أغلب الليبيين، من هنا يمكن أن يفهم المرء أسباب إقدام الثوار على قتله بهذه الطريقة."
"شكوك حول مقتل القذافي"
أرملة القذافي ومنظمات دولية عدة منها الأمم المتحدة طالبت بتحقيق حول مقتل القذافي في سرت بعد القبض عليه حيا، وقال وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند إن "سمعة" السلطات الليبية الجديدة "لطخت قليلا" بعد مقتل الزعيم الليبي السابق. مضيفا "بالتأكيد ليست تلك الطريقة التي كنا نرغب في أن تحصل الأمور بها." وأوضح "كنا نرغب في أن تتم محاكمة العقيد القذافي أمام المحكمة الجنائية الدولية وأن يرد على أفعاله المسيئة ليس فقط في ليبيا وإنما أعمال الإرهاب العديدة التي دعمها وقام بها خارج ليبيا والتي أوقعت بالنسبة لنا في بريطانيا العديد من الضحايا."
من جانبه أعلن رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل عن تشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات مقتل معمر القذافي، لكنه كرر القول بأنه قتل خلال اشتباك بين أنصاره ومقاتلي النظام الجديد.
الكاتب السياسي العراقي داوود البصري انضم إلى حوار العراق اليوم في دويتشه فيله من أوسلو في النرويج موجها في بدء كلامه "تحية إكبار للشعب الليبي الذي أسقط الديكتاتور بيده العارية، هذا في المقام الأول، أما في المقام الثاني، فعلينا أن لا ننسى أن من يزرع الريح يحصد العاصفة، والقذافي هو الذي نشر ثقافة العنف والموت والقتل، وأنا لا اتفق مع من يقول إن القذافي أقل دموية من صدام حسين.
وعند الحديث عن مقارنة بين ما جرى لصدام حسين وما جرى للقذافي أجد أن المقارنة غير واردة، فالشعب الليبي هو الذي اعتقل القذافي، فيما القوات الأمريكية هي التي اعتقلت صدام حسين، ولو كان العراقيون هم من اعتقلوه في حفرته لما اختلف مصيره عن مصير قادة العهد الملكي، أي لكان قد سحل في الشوارع ولما تبقى من جسده شيء يدفن. أما عن طبيعة محاكماته، ففي تقديري أن هذه المحاكمات لم تلب الحقيقة التاريخية ولم تراع الفظاعات التي ارتكبها البعث خلال خمسين عاما." البصري عاد ليذكر بأن" إعدام القذافي شكل نقطة سوداء في تاريخ الثورة الليبية."
"اعتقال وقتل القذافي جرى في ساحة معركة"
من جانبها دعت منظمة العفو الدولية التي تتخذ من لندن مقرا لها السلطات الليبية الجديدة إلى إجراء تحقيق حول ظروف مقتل معمر القذافي، وأعلن مدير المنظمة العام كلاوديو كوردون "إذا كان العقيد القذافي قتل بعد وقوعه في الأسر، فسيشكل ذلك جريمة حرب، ويتعين على المسؤولين عن قتله المثول أمام القضاء." كما طالبت منظمة العفو بإجراء تحقيق حول ظروف مقتل نجل القذافي، معتصم القذافي. وقال كوردون إن "ليبيا الجديدة يجب أن تبنى على احترام حقوق الإنسان والعدالة وليس على الانتقام."
الصحفي الألماني شتيفان بوخن من شبكة تلفزيون آ آر دي،وقد كان قبل أسابيع في ليبيا، انضم إلى حوار العراق اليوم من دويتشه فيله مسلطا الضوء على أن قتل القذافي وابنه والتمثيل بهما وعرضهما بهذه الطريقة قد يثير قلق المجتمع الدولي من توجه الحكومة الجديدة في ليبيا، لكن " كصحفي راقب عن كثب ما جرى في ليبيا أدعو المجتمع الدولي إلى النظر في مقتل القذافي بعين خالية من التوتر وحتى عن الانتقاد، لأن الشعب الليبي حاول أن يجري إصلاحا لهذا النظام واحتج على القمع في مظاهرات سلمية.
هذه المظاهرات قمعت بشدة من قبل النظام في فبراير/شباط الماضي، وقد أثار هذا القمع رد فعل عنيف معاكس، حيث أعلن الثوار حربا على نظام القذافي. ومن هذا المنطلق، فانا أعتقد أن نهاية القذافي على هذه الشاكلة تعتبر مسألة مفهومة، وإذا كان هناك من يتحدث عن انتهاكات لحقوق الإنسان، فعلى المرء أن يسأل: هل كان القذافي وأبناؤه يحفظون ويحترمون حقوق الإنسان في شعبهم؟ وأنا أذكّر أن اعتقال القذافي تم في ساحة معركة وبطريقة عسكرية."
" محاكمة القذافي كانت ستؤجج فتنة كبرى في ليبيا"
وأشار شتيفان بوخن إلى ضرورة الانتباه إلى "من ينتقد مقتل القذافي، فهناك جهات كثيرة من الرأي العام الدولي لا تنتقد مقتل القذافي الذي قتل في معركة وسلاحه في يده، وأرى في أي نقد يوجه بهذا الخصوص كثيرا من النفاق، لأن زعامات الغرب في المجمل راضية عن مقتل القذافي بأي طريقة، وأرى أنه لو جرت محاكمة القذافي وأبنائه مثلما حدث مع صدام حسين، فإنها كانت ستؤجج فتنة كبرى في ليبيا."
ملهم الملائكة
مراجعة: منى صالح