"طريق الموت".. انطلاق المهاجرين إلى جزر الكناري الإسبانية
٩ يوليو ٢٠٢٣كانت الأسابيع الماضية مليئة بقصص مأساوية عن غرق مهاجرين وتحطم القوارب والسفن التي كانت تقلهم في عرض البحر أثناء عبورهم المحيط الأطلسي من الساحل الشمالي الغربي من قارة أفريقيا إلى جزر الكناري الأسبانية، ففي نهاية الأسبوع الماضي، لقي ما لا يقل عن 51 شخصا بينهم 11 امرأة وثلاثة أطفال، مصرعهم أثناء محاولتهم العبور من جنوب المغرب صوب الأرخبيل الإسباني، وخلال الرحلة تعطل محرك قاربهم المطاطي في عرض المحيط الأطلسي لأكثر من أسبوع فيما لم ينجو سوى أربعة أشخاص كانوا على متنه.
وكانت نهاية الأسبوع الماضي حزينة إذ لقي شخص حتفه فيما جرى إنقاذ 65 آخرين جميعهم رجال كانوا على متن قارب قبالة جنوب جزيرة تينيريفي، كبرى جزر الكناري. ولا تعد هذه الحوادث الوحيدة إذ شهد الشهر الماضي مصرع شخصين بعد غرق قارب مطاطي كان قد انطلق من مدينة الداخلة الساحلية في جنوب الصحراء الغربية صوب جزر الكناري، فيما تمكنت البحرية المغربية من إنقاذ 24 شخصا من بين 60 شخصًا كانوا على متن القارب وسط مخاوف من غرق 35 مهاجرا.
وتُدل هذه الحوادث على أن جزر الكناري التي تبعد في أقرب نقاطها إلى القارة الأفريقية وتحديدا الساحل الشمالي الغربي بمئة كيلو متر، أضحت الطريق الرئيسي للمهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى إسبانيا بحرا. وخلال العام الماضي، جاء نصف المهاجرين غير النظاميين الذين دخلوا إسبانيا من بوابة جزر الكناري. لكن بعض المنظمات المدافعة عن المهاجرين وبعض سكان جزر الكناري يتهمون السلطات الإسبانية والمغربية بالفشل في تنسيق عمليات الإنقاذ مما يؤدي إلى خسائر أكبر في الأرواح في رحلات يحفها الموت من كل اتجاه في مسار يعد من بين أخطر طرق الهجرة في العالم.
انتقادات لاذعة؟
وفيما يتعلق بالقارب الذي انطلق من مدينة الداخلة، قالت هيئة "سالفامينتو ماريتيمو" الحكومية الإسبانية المعنية بالإنقاذ البحري إن طائرة مراقبة حددت مكان القارب في المياه قبالة الصحراء الغربية بعد مكالمة طوارئ فيما أشار تسجيل صوتي مُسرب بين قائد الطائرة وخدمات الإنقاذ إلى أن القارب كان في منطقة البحث والإنقاذ الإسبانية. وقالت السلطات المغربية التي تتداخل منطقة البحث والإنقاذ الخاصة بها في هذه المنطقة، إنها سوف تتحمل مسؤولية عملية الإنقاذ، لكن قارب الدورية الخاص بالسلطات المغربية استغرق 12 ساعة للوصول وكان هذا الوقت كفيلا بغرق العشرات.
وصرحت هيلينا مالينو غارزون، مؤسسة المنظّمة الإسبانية غير الحكومية "كاميناندو فرونتيراس"، التي ترصد وفيات المهاجرين وتوفر المساعدة لذويهم، في تغريدة بالإسبانية "كان المهاجرون على متن القارب المطاطي يتوسلون كي يتم إنقاذهم في عرض المياه الإسبانية لأكثر من 12 ساعة".
وفي مقابلة مع DW ينتقد تكسيما سانتانا، وهو صحافي مقيم في جزر الكناري، عمليات التنسيق بين إسبانيا والمغرب، معتبرا أن كلاهما ينتظر الآخر حتى يقوم بمهمة الإنقاذ، ويضيف أنه "لا يجب ترك الناس في عرض البحر على متن قارب يحمل على متنه العديد من الأطفال والنساء وهم يصرخون".
المتغيرات في العلاقات المغربية- الإسبانية؟
مطلع العام الماضي، أعلنت الحكومة الإسبانية علنا للمرة الأولى عن دعمها لموقف المغرب في قضية الصحراء الغربية، معتبرة أن "مبادرة الحكم الذاتي المُقَدمة من الجانب المغربي في 2007 هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع" بين الرباط وجبهة البوليساريو.
وأدى هذا الإعلان إلى استئناف العلاقات بين الرباط ومدريد.
وفي ذلك، قال الصحافي سانتانا إنه من ذلك الحين باتت السلطات الإسبانية تنتظر الرد المغربي عند إطلاق نداءات استغاثة من قوارب في عرض البحر، مضيفا أن على الحكومة الإسبانية تحمل مسؤولية عمليات الإنقاذ لتجنب وقوع المزيد من الحوادث المأساوية في البحر.
وأشار إلى أن هيئة "سالفامينتو ماريتيمو" تعد واحدة من "أكثر هيئات الإنقاذ تقدما في أوروبا إذ أنها تنقذ آلاف الأشخاص سنويا عن طريق سفن الانقاذ الخاصة بها. لكن عندما يقوم المغرب بعمليات إنقاذ، فإنه يستعين بسفن عسكرية تحمل عناصر غير متخصصة في عمليات الإنقاذ تعيد (المهاجرين) مرة أخرى إلى البلد التي انطلقوا منها".
بدورها أعربت شبكة "ألارم فون، هاتف الإنذار" وهي عبارة عن خط ساخن لإنقاذ المهاجرين، عن قلقها إزاء توسيع المغرب لمنطقة البحث والإنقاذ إلى شواطئ الصحراء الغربية. وأشارت في تقرير نُشر في سبتمبر / أيلول الماضي إلى أن هذا الأمر "سيكون مقلقا بشكل خاص لأن السلطات المغربية أظهرت مرارا وتكرارا عدم رغبتها في تنفيذ عملية إنقاذ بشكل آمن وسريع ما يعني خسارة المزيد من الأرواح البشرية".
مسار الكناري الخطر
وتزايدت عمليات الهجرة غير النظامية إلى جزر الكناري خلال وباء كورونا رغم انخفاض الأرقام العام الجاري إذ وصل حتى الآن قرابة ستة آلاف مهاجر إلى جزر الكناري مقارنة بوصول اكثر من 15 آلاف مهاجر العام الماضي.
وقد شهدت الأسابيع الماضية ارتفاعا كبيرا في عمليات وصول المهاجرين إلى الأرخبيل الإسباني بمتوسط 100 شخص جديد يوميا في الفترة ما بين 15 إلى 25 من يونيو / حزيران الماضي. ونقلت صحيفة "إل موندو" الإسبانية عن خوسيه أنطونيو رودريغيز فيرونا الذي يعمل مع لجنة الصليب الأحمر قوله: "لقد لاحظنا زيادة كبيرة في عدد الوافدين إلى جميع الجزر خاصة في نهاية الشهر مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي."
وتبدأ رحلات اللاجئين والمهاجرين في طريقهم إلى جزر الكناري عادة من المغرب والصحراء الغربية وموريتانيا والسنغال، وبشكل أقل من غامبيا وغينيا.
طريق الموت؟
ويقول المهدي لحلو الأستاذ في المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط والخبير في قضايا الهجرة، إنه في ظل ضبط الحدود في مناطق شمال المغرب وليبيا وتونس، فإن المهاجرون من دول شمال غرب إفريقيا ربما يختارون طريق جزر الكناري في سعيهم للوصول إلى أوروبا. لكنه شدد على أن هذا الطريق محفوف بالخطر أكثر من الطرق الأكثر استخداما من شمال إفريقيا عبر البحر المتوسط إلى السواحل الإسبانية أو الإيطالية.
وقد كشفت منظمة كاميناندو فرونتيراس الأسبانية غير الحكومية، في تقريرها عن أن أكثر من 7500 شخص لقوا حتفهم أو باتوا في عداد المفقودين في طريقهم إلى جزر الكناري بين عامي 2020 و 2022. وسجلت المنظمة الدولية للهجرة عددا أقل من الوفيات لكنها اعترفت بأن "أرقامها تعد الحد الأدنى لتقدير العدد الحقيقي للوفيات".
ورغم الأرقام المنخفضة التي سجلتها المنظمة الأممية، إلا أنها تشير إلى أن هذا الطريق يعد من بين أكثر طرق الهجرة دموية في العالم خاصة بسبب طول الرحلة بالإضافة إلى عدم صلاحية القوارب للإبحار في عرض المحيط الأطلسي فيما قد تستغرق الرحلة حتى الوصول إلى جزر الكناري عشرة أيام مع شيوع نفاد الطعام والماء والوقود.
ينطلق المهاجرون إلى جزر الكناري على متن يُطلق عليها أما على قوارب "كايوكوس" - قوارب صيد خشبية كبيرة تُستخدم عادةً في غرب إفريقيا ويمكنها أن تقل أكثر من مئة شخصا - أو على متن قوارب خشبية صغيرة تُعرف باسم "باتيراس" فيما يتم استخدام الزوارق المطاطية الأكثر خطورة. ولا تعد هذه القوارب مناسبة بأي حال من الأحوال للإبحار عبر المحيط الأطلسي الذي يُعرف بتياراته البحرية القوية ورياحه وأمواجه العاتية الذي يصفه المهدي لحلو "بأنه خطير جدا في هذا الجزء من المغرب".
ويرى الصحافي سانتانا أنه في ضوء ذلك، فإن الحاجة إلى عمليات بحث وإنقاذ على درجة كبيرة من الاحترافية باتت ضرورية، مضيفا "ليس من العدل أن يموت آلاف الأشخاص [وهم في طريقهم إلى جزر الكناري] ونحن على مقعد المشاهد في الطرف الآخر".
كيت هيرسين/ م.ع