عام على هجوم حماس ـ أمن إسرائيل "مصلحة عليا للدولة" لألمانيا
٧ أكتوبر ٢٠٢٤قال نوربرت لاميرت: "لا توجد علاقات مشابهة بين أي بلدين آخرين في العالم". وقد أوضح السياسي المعتق في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي والرئيس السابق للبرلمان الاتحادي الألماني (بوندستاغ) أنَّ: العلاقة بين ألمانيا وإسرائيل مميزة وفريدة من نوعها.
واليوم، يعمل نوربرت لاميرت البالغ من العمر 75 عامًا رئيسا لـ"مؤسسة كونراد أديناور" المقرَّبة من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي. وقبل أيام قليلة من الذكرى السنوية الأولى لهجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذي قُتل فيه نحو 1200 شخص واختطف فيه أكثر من 230 شخصًا كرهائن - خصَّصت المؤسسة يومًا دراسيًا لهذه العلاقة الفريدة - مع انتقادات واضحة للحكومة الألمانية الاتحادية.
من المعروف أنَّه في التاريخ الألماني قتل ستة ملايين شخص يهودي خلال الحقبة النازية. ولذلك يلخص السياسيون الألمان مسؤولية ألمانيا الخاصة تجاه إسرائيل، التي أصبحت وطنًا لليهود الناجين، بعبارة واحدة: "مصلحة عليا للدولة"الألمانية. بيد أنَّ هذا المصطلح لا يظهر في أي مكان ضمن القانون الأساسي الألماني، أي الدستور.
إرث المستشارة أنغيلا ميركل
في شهر آذار/مارس 2008، كانت المستشارة الألمانية في ذلك الوقت أنغيلا ميركل (من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي) أوَّل رئيس حكومة أجنبي تحدَّث داخل الكنيست، البرلمان الإسرائيلي. وشددَّت على أنَّ "كل حكومة ألمانية اتحادية وكل مستشار قبلي كانوا ملتزمين بمسؤولية ألمانيا التاريخية الخاصة عن أمن إسرائيل. ومسؤولية ألمانيا التاريخية هذه هي جزء من مصلة بلدي الوطنية ". وهذا يعني بحسب تعبيرها أنَّ أمن إسرائيل "غير قابل للتفاوض بتاتًا بالنسبة لها كمستشارة ألمانية".
وكذلك يرد في الاتفاق الائتلافي لحكومة برلين الائتلافية الحالية بقيادة الحزب الديمقراطي الاشتراكي SPD لعام 2021 ما يلي: "أمن إسرائيل مصلحة وطنية بالنسبة لنا". ومنذ أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر الدموية، التي هزت إسرائيل وزلزلتها حتى النخاع، صار السياسيون الألمان يشيرون أكثر إلى هذه المصلحة الوطنية. وهذا ما فعله أيضًا خليفة ميركل المستشار أولاف شولتس (الحزب الديمقراطي الاشتراكي).
فقد قال شولتس في بيان حكومي ألقاه في البرلمان الألماني (البوندستاغ) مؤكدًا: "في هذه اللحظة لا يوجد سوى مكان واحد تقف فيه ألمانيا. إنَّه بجانب إسرائيل. وهذا ما نعنيه عندما نقول إنَّ أمن إسرائيل هو مصلحة وطنية ألمانية". ولكن قرارات برلين السياسية تثير قبل هذا التأكيد وبعده غضب إسرائيل، مثلًا عند التصويت على قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالشرق الأوسط.
وفي اجتماع مؤسسة كونراد أديناور، ظهر رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، جوزيف شوستر، خائب الآمال. وقال: عند الحديث عن "مصلحة عليا للدولة" فإنَّ ذلك لا يتعلق في الدرجة الأولى بتقديم دعم عسكري لإسرائيل، بل "يتعلق أيضًا بالدفاع عن إسرائيل". وبحسب ملاحظته فإنَّ هذا الدفاع يتلاشى في السياسة الألمانية. واشتكى من زيادة التبريرات، وقد ذكر وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بالاسم.
"هذا لن يحدث مرة أخرى"
يعتبر جوزيف شوستر منذ فترة طويلة بمثابة واعظ يعظ وينبِّه السياسة الألمانية، تزداد لهجته حدة. وعندما كرر - بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر و معاداة السامية المنفجرة تقريبًا في ألمانيا - السياسيون الألمان وحتى الرئيس الألماني الاتحادي التأكيد على أنَّ "هذا لن يحدث مرة أخرى!"، رد شوستر على ذلك بقوله: "هذا لن يحدث مرة أخرى الآن". وعندما تحدَّث بداية شهر تموز/يوليو في مدينة بوتسدام أثناء افتتاح كنيسها اليهودي الجديد، اشتكى من أنَّ الكتل النيابية في البوندستاغ تفشل في الاتفاق على إصدار قرار لحماية الحياة اليهودية في ألمانيا وضد معاداة السامية. وكان من بين المستمعين له وزيرة الخارجية بيربوك. وكان قد أُعلن عن حضور المستشار أولاف شولتس، ولكنه اعتذر قبل ساعات لأسباب تتعلق بمواعيده.
والآن وصف شوستر حقيقة أنَّ مثل هذا القرار ما يزال معلقًا وحتى في الذكرى السنوية لهجوم حماس بأنَّها أمر "مخجل". وكذلك أشار شوستر إلى المزاج الاجتماعي في ألمانيا، حيث استمر ارتفاع عدد الهجمات المعادية للسامية في الأشهر الأخيرة أيضًا، وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تضاؤل دعم المواطنين الألمان لإسرائيل. كما تتزايد في ألمانيا الاحتجاجات والكتابات والرسوات على الجدران وغيرها من الهجمات ضد المؤسسات اليهودية.
وتحدث المشاركون اليهود في الاجتماع حول تجارب مشابهة. ودار حديث مؤثر جدًا - حول الوضع في إسرائيل والمخاوف والآفاق المستقبلية - مع السيدة ريكاردا لوك، التي اختطفت حماس ابنتها شاني لوك في 7 تشرين الأول/أكتوبر وقتلتها. وقد شددت على أنَّ صورة ابنتها المحبة للحياة يجب أن تبقى حية في الذاكرة.
هذا وقد اضطر كل من يريد دخول مبنى مؤتمرات مؤسسة كونراد أديناور يوم الاثنين إلى المرور بجانب نحو عشرين متظاهرة مؤيدة للفلسطينيين، جلسن ممسكات ببعضهن وشتمن المشاركين في المؤتمر بوصفهم أحيانًا "نازيين" وأحيانًا "قتلة". وبعد ساعات تم احتجازهن لفترة قصيرة. وحول ذلك قال طلاب يهود أثناء الحديث معهم لاحقًا إنَّهم جاؤوا كأطفال مع ذويهم من بيلاروسيا وأوكرانيا إلى ألمانيا - والآن يُشتمون بوصفهم "نازيين".
"مصلحة حماس الوطنية"
وكان من بين الأشخاص الذين دخلوا المبنى تحت حماية الشرطة السفير الإسرائيلي في ألمانيا رون بروسور. وبوضوح نادر، انقلب هذا الدبلوماسي ضد المسار الألماني. ومن الملفت أيضًا كيف استخدم أولًا مصطلح "المصلحة الوطنية"، غير المعروف في أي بلد آخر في شكل مشابه حيث يستخدم مصطلح "مصلحة عليا للدولة". فقد قال إنَّ حماس "وضعت لنفسها هدف تدمير الدولة اليهودية كمصلحة وطنية".
وأضاف بما أنَّ المستشار قد أكد بعد الهجوم الإرهابي على أنَّ الجانب الوحيد الذي يمكن لألمانيا أن تقف فيه هو بجانب إسرائيل، فيجب وضع ذلك أكثر موضع التنفيذ. وثم انتقد رون بروسور المسار الألماني في الأمم المتحدة وفي لجانها عند التصويت على قرارات تنتقد إسرائيل. وقال كثيرًا ما يمتنع "أصدقاؤنا" في برلين عن التصويت: "هذا الامتناع عن التصويت ليس موقفًا".
وبحسب تعبيره فإنَّ المصلحة الوطنية مصطلح جميل. ولكن يجب بعد ذلك تحديد هذه المصلحة، مثلًا من خلال دعم الأصدقاء في اللجان الدولية التي "تشيطن إسرائيل باستمرار". و"بما أنَّ المستشار قد قال بعد الإرهاب إنَّ الجانب الوحيد الذي يمكن لألمانيا أن تقف فيه هو بجانب إسرائيل، فيجب وضع ذلك أكثر موضع التنفيذ"، كما قال. ومن الواضح أنَّهم ينتظرون.
يذكر أن حركة حماس ، هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
أعده للعربية: رائد الباش