علاء الأسواني: أيها المصري .. ابدأ بتحطيم أصنامك
٥ نوفمبر ٢٠١٩من سنوات دعوت إلى ندوتي الأسبوعية ناقدا أدبيا شهيرا. رحبنا به وقرأ عليه بعض الكتاب الشبان قصصهم فوجه لهم نقدا قاسيا ثم نصحهم بقراءة كاتب فرنسي معاصر وقال:
ـ هذا الكاتب يحقق النموذج الصحيح للكتابة الأدبية .. تعلموا منه قبل أن تؤلفوا مثل هذه القصص الضعيفة.
ظل الناقد يمدح الكاتب الفرنسي حتى صعد به إلى السماء. تعجبت من تمجيد الناقد لهذا الكاتب الفرنسي لأنني حاولت قراءة احدى رواياته فلم أستطع اكمالها لأنها مملة جدا ومليئة بالهلاوس والثرثرة. في الأسبوع التالي لجأت إلى حيلة. صورت الصفحات الأولى من النسخة العربية لرواية الكاتب الفرنسي واستبدلت بالأسماء الفرنسية أسماء عربية وما أن بدأت الندوة حتى قلت للناقد :
- عندى زميل طبيب يكتب لأول مرة ولم يستطع الحضور بنفسه من فرط خجله. لكنه طلب مني أن أقرا صفحات من روايته عليك وسوف يعمل بنصيحتك: اما أن يستمر في الكتابة أو يتفرغ للطب.
وافق الناقد وبدأت أقرأ الفصل الأول من رواية الكاتب الفرنسي (المعربة) ولما فرغت قال الناقد بثقة:
- اسمع ..صاحبك الذي كتب هذا الكلام غير موهوب ولا علاقة له بالأدب اطلاقا. إنه عاجز عن رسم شخصية واحدة والنص حافل بالتكرار والثرثرة.. أنا أنصحه بأن يترك الكتابة ويتفرغ للطب حرصا على صحة المرضى وصحة القراء أيضا.
أطلق الناقد ضحكة عالية وهنا أخرجت الرواية الأصلية وقلت له إن الكتابة التي لم تعجبه هي رواية الكاتب الفرنسي الذي اعتبره نموذجا عظيما للكتابة.
ثار الناقد بشدة وكادت تحدث مشاجرة لكن أولاد الحلال تدخلوا وأصلحوا بيننا. فكرت بعد ذلك ان الناقد وجد الكاتب الفرنسي حاصلا على جائزة نوبل ومحل تقدير النقاد العالميين. عندئذ تحول الكاتب الفرنسي إلى صنم لا يستطيع الناقد الا أن يمدحه، ولكن عندما واتته الفرصة لتقييمه بدون هالة الشهرة تحطم الصنم واكتشف الناقد ركاكة الكتابة.
أتذكر هذه الحكاية كثيرا لأن الأصنام عديدة في حياتنا: كان الشيخ محمد متولي الشعراوى رحمه الله عالم دين ومفسرا للقرآن، وكانت له مواقف سياسية تؤخذ عليه فقد سجد لله شكرا عندما انهزم الجيش المصري في يونيو 1967 لأنه اعتقد ان انتصارنا في الحرب سيؤدي إلى نجاح الاشتراكية في مصر.. في عهد السادات وقف الشيخ الشعراوي في البرلمان وقال:
"لو كان الأمر بيدي لرفعت الرئيس السادات إلى مقام لا يُسأل فيه عما يفعل".
أضف إلى ذلك أن له آراء دينية متطرفة ضد زراعة الأعضاء وضد الغسيل الكلوي وضد الغناء والتمثيل ومع فرض الجزية على الأقباط. كل هذه المواقف مسجلة بالصوت والصورة.. جرب أن تضعها على صفحتك على فيسبوك ستهجم عليك فورا جحافل من أتباع الشعراوي ليلعنوك ويشتموك بأبشع الألفاظ. ذلك أن الشعراوي تحول إلى ما يشبه الصنم الديني لا يسمح أتباعه لأحد الا بتبجيله وتقديسه والويل لكل من يوجه له نقدا.
مثال آخر جمال عبد الناصر الذي تسبب بغروره وسياساته الهوجاء في أكبر هزيمة حاقت بمصر في تاريخها في حرب يونيو 1967. اكتب هذا المعنى على تويتر أو فيسبوك ستجد فورا جحافل الناصريين يشتمونك ببشاعة ويتهمونك بأنك عميل للمخابرات الأمريكية والاسرائيلية. البابا تواضروس رأس الكنيسة الأرثوذوكسية يفترض أنه يمثل سلطة روحية وليست سياسية لكن البابا يتخذ مواقف سياسية صريحة في تأييد نظام السيسي حتى تحولت الكنيسة إلى ما يشبه الحزب السياسي. جرب أن تكتب نقدا ضد البابا تواضروس أو تنكر عليه تدخله في السياسة عندئذ ستنهال عليك شتائم عشرات الأقباط الذين يعتبرون البابا كائنا مقدسا لا يجوز أن تمسه كلمة نقد واحدة.
آخر العنقود في سلسلة الأصنام هو الرئيس السيسي الذي يدافع أتباعه باستماتة عن كل ما يقوله ويفعله. هل رأيت في أي بلد آخر رئيسا يستدين مليارات الدولارات ليعمل مشروعات معظمها بلا دراسة جدوى أويستعمل الديون في تشييد القصور الرئاسية أو يبيع جزيرتين مصريتين (تيران وصنافير) لبلد آخر؟. السيسي يرتكب كل هذه المصائب بينما أتباعه يهللون له بحماس باعتباره زعيما عظيما قلما يجود الزمان بمثله. ليست هذه وقائع منفصلة وانما أعراض عديدة لمرض مصري هو تقديس الأصنام. إن تقديس الأصنام هو السبب الرئيسي في إذعان مصريين كثيرين للاستبداد لأنهم لم يتعودوا على التفكيرالنقدي أوالتقييم الموضوعي. إنهم يؤمنون بالعظمة المطلقة للزعيم الملهم أو فضيلة الشيخ أو قداسة البابا ويعتبرونهم كائنات مقدسة لا تعرف الخطأ أو التقصير أبدا.
هذا التقديس يجعل مصريين كثيرين يعانون من آثار الاستبداد بغير أن يكونوا قادرين على فهم الأسباب الحقيقية لمعاناتهم. هناك مصريون ينتحرون من فرط البؤس لكنهم وقد قرروا انهاء حياتهم لايفكرون مجرد تفكير في مقاومة الظلم. إن تقديس الأصنام أكبر عائق أمام التغيير في بلادنا لأنه يحيل المصريين إلى أشخاص خانعين تابعين، ومن يتقبل الخضوع المطلق أمام الشيخ أو البابا سيتقبله بسهولة أمام الديكتاتور..
عندما تتحرر عقولنا من تقديس الأصنام سندرك أننا مسؤولون جميعا عن الاستبداد لأننا سمحنا بوجوده أصلا وأننا ملايين من البشر بينما الديكتاتور شخص واحد وبالتالي اذا ناضلنا جميعا من أجل الحرية فان الديكتاتور لن يبقى في منصبه يوما واحدا..
أيها المصري.. ابدأ بتحطيم أصنامك وحرر عقلك من الأوهام التي تعطل ارادتك. عندئذ فقط سوف تسترد انسانيتك وكرامتك..
الديمقراطية هي الحل