القاهرة تبتعد عن "إخوان الداخل" وتقترب من حماس والبشير!!
٢٢ فبراير ٢٠١٨هل هي مفارقة أن الحكومة المصرية وأجهزتها الأمنية تتشدد مع جماعة الإخوان داخل مصر، وتهدئ مع فرعى هذه الجماعة في السودان وفلسطين، أم أن الأمر هو مجرد ممارسة عملية لتحقيق المصالح العليا للدولة المصرية، وتطبيقا لشعار : "ما لم تستطع القضاء عليه، فعليك بالتعامل معه"؟!
مناسبة هذا السؤال أنه في الأيام الماضية ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض على الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، الذى يضم عدداً كبيراً من الأعضاء السابقين في جماعة الإخوان الذين خرجوا منها لأسباب تنظيمية قبل سنوات.
أبو الفتوح انفصل رسمياً عن كافة أدواره التنظيمية بجماعة الإخوان منذ 2009، عام خروجه من مكتب الإرشاد، وهذا الانفصال تأكد لاحقاً بعد قرار فصله من الجماعة رسمياً مطلع 2011، لأن الجماعة رفضت ترشحه للرئاسة وقتها ،لكن خصومه يقولون إنه رغم خروجه من الجماعة فإنه ما يزال يؤمن بالأفكار الإخوانية الأساسية.
أبو الفتوح متهم الآن بالتواصل مع جماعة مصنفة إرهابية هي الإخوان، وقيادة جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة تضر بالأمن القومي، وهي التهم التي نفاها جميعاً.
وفى نفس هذا التوقيت كان قادة حركة حماس الإخوانية ضيوفاً على أجهزة الأمن المصرية للتشاور في كيفية ضبط الحدود في سيناء إضافة لعلاقة الطرفين. في نفس التوقيت أيضاً كانت القاهرة تهدئ من توتر علاقتها مع الحكومة السودانية التي تضم قيادات وكوادر متعاطفة مع جماعة الإخوان.
هذا التطور يحسب للحكومة المصرية التي تصرفت بصورة عملية، وتمكنت من تهدئة جبهتين كانتا تسببان المزيد من «الصداع» في رأس المهتمين بالأمن القومي.
من يتذكر علاقة الحكومة المصرية بحماس قبل حوالى العام، لن يصدق المستوى الذى صلت إليه الآن!!
منذ سقوط جماعة الإخوان وطردها خارج الحكم في 30 يونيو/ حزيران 2013 وحتى وقت قريب، كانت حركة حماس مصنفة ليس فقط خصماً، بل عدواً في نظر العديد من وسائل الإعلام المصرية، بل وهناك اتهام رسمي لها في دعوى قضائية بأنها تآمرت على الأمن المصري، ورفع بعض المحامين المصريين دعوات لاعتبارها إرهابية، وجرى شيطنة الحركة بصورة كبيرة. هذه الشيطنة كان مبالغاً فيها بالطبع، لكن المؤكد هو أن الحركة - التي تسيطر على قطاع غزة منذ أكثر من عشر سنوات- لم تبذل الجهد الكافي لكبح جماح الإرهابيين الذين يتنقلون بين رفح الفلسطينية والمصرية، والمؤكد أكثر أنها حزنت لسقوط الإخوان في مصر، باعتبار أنها لا تنكر هويتها الايدلوجية الإخوانية.
المهم هو أن الآية انقلبت الآن، وصار قادة حماس يترددون الآن على القاهرة بصورة منتظمة، ويلتقون مع كبار المسئولين خصوصاً في الأجهزة الأمنية. وقبل أسبوع قابلت أحد قادة الحركة الذى زارني في مكتبي بجريدة «الشروق» المصرية، وقال لي بوضوح: "لقد طوينا صفحة الخلافات مع الحكومة المصرية، والآن لدينا علاقات قائمة على مصالح الطرفين، والمصريون يدركون أننا نعمل بالفعل على ضبط الحدود، بل وهم يدركون أننا لسنا الطرف المتسبب في تأخر تحقيق المصالحة الفلسطينية".
رأيي الواضح أن ما فعلته الحكومة المصرية هو عين الصواب، لأنه ليس من مصلحة مصر أن تخسر حماس تماماً، حتى لا تتركها ترتمى في أحضان إيران أو قطر أو تركيا أو حتى داعش. تقديري أن الحكومة المصرية، في ملف حماس تعود الآن إلى السياسة العملية التي كان يتبعها نظام حسني مبارك. هذا النظام لم يكن يكن أي نوع من الود لحماس، لكنه حافظ معها على علاقات عملية لضبط الحدود.
لا يعني ما سبق أن الحكومة المصرية تدعم «إخوان غزة» على حساب سلطة أبو مازن في رام الله، بل الهدف هو تحقيق الأمن القومي لمصر أولاً، وكذلك حتى يمكن تحقيق المصالحة الفلسطينية ثانياً، وثالثاً حتى لا يتحول هذا الخلاف المصري مع حماس ورقة في يد إسرائيل أو بعض المعارضين للمصالحة الفلسطينية في رام الله .
الأمر نفسه إلى حد ما تكرر مع الحكومة السودانية التي يتهمها الكثير من السياسيين والإعلاميين المصريين، بأنها غارقة حتى أذنيها في علاقات مع جماعة الإخوان، منذ انقلابها على الحكم الديمقراطي في 30 يونيو/ حزيران 1989 بقيادة عمر البشير، بدعم كامل من القيادي الإسلامي الراحل حسن الترابي.
حتى ثلاثة أسابيع فقط كانت علاقات مصر والسودان في أشد حالات التوتر، وجرى استدعاء السفير السوداني بالقاهرة عبد المحمود عبدالحليم إلى الخرطوم. لكن القيادة السياسية المصرية تصرفت بحكمة بالغة، وقالت إنها لا يمكنها بالمرة أن تحارب أو تتآمر على الأشقاء في السودان. ثم رأينا لقاء القمة بين الفتاح السيسي وعمر البشير في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا نهاية الشهر الماضي. ويوم الخميس قبل الماضي التقى في القاهرة وزيرا خارجية البلدين بحضور رئيسي جهاز المخابرات في البلدين. هذه اللقاءات قادت إلى انفراجة مهمة، توقفت على أثرها الحملات الإعلامية المتبادلة بين البلدين. أما النتيجة الأهم لهذا التقارب، فهو اتجاه الحكومة السودانية يوم الأحد الماضي إلى إبعاد قادة وكوادر وأعضاء جماعة الإخوان المصرية من السودان، وهو المطلب الذى كانت القاهرة تكرره طوال أكثر من عامين.
إذا فإن القاهرة تمكنت من تهدئة واحتواء جبهتين كانتا مشتعلتين، هما الحدود مع غزة شمالاً وشرقاً والحدود مع السودان جنوباً. هذه التهدئة سوف تصب في صالح الأمن القومي المصري، الذي يمكنه التركيز اكثر لمحاربة الإرهاب في سيناء إضافة إلى تكثيف الجهود لمراقبة الحدود الغربية مع ليبيا وطولها 1200 كيلومتر، حيث يحاول العديد من الإرهابيين التسلل طوال الوقت لتنفيذ عمليات إرهابية، خصوصاً في الظهير الصحراوي لمحافظات الصعيد.
السؤال المنطقي الذى سيرد على أذهان الكثيرين هو: أليس من الطبيعي أن ينعكس هذا التوجه والتهدئة مع إخوان غزة «حماس» والحكومة السودانية - التي تقيم علاقات طيبة مع قطر وتركيا، بل وقامت بتأجير جزيرة سواكن القريبة من مصر إلى تركيا- على إخوان الداخل في مصر؟!.
طبقاً للشواهد والمؤشرات فالإجابة هي قطعاً لا، فالحكومة المصرية تتصرف بحكمة فيما يخص السودان وغزة، لأنهما يمثلان صلب الأمن القومي المصري، ولا يصح أن تطول فترات الخصام أو القطيعة مع الجانبين. ولذلك فإن القبض على الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح. وفى نفس التوقيت التقارب مع غزة والسودان، يمثل إجابة نموذجية على السؤال.
فإذا كانت أجهزة الأمن المصرية قد ألقت القبض على أبو الفتوح الذي يصنفه البعض بأنه معتدل وكذلك بعض كوادر حزبه، فكيف يمكن تصور تعاملها ونظرتها مع بقية الإخوان الأكثر تشدداً، والذي يباهي بعضهم بارتكاب العنف، بل والتحق بعضهم بتنظيم "داعش" كما حدث في نموذج «عمر الديب» ابن أحد قيادات الإخوان الذي قتلته قوات الأمن المصرية وهو يقاتل مع داعش؟!!
إذا التهدئة مع السودان وحماس لا يعني بأي صورة ــ حتى هذه اللحظة ــ أنه سينعكس بالضرورة على التهدئة مع إخوان الداخل، بل ربما العكس هو الصحيح، حيث تشير رسالة القبض على أبو الفتوح، إلى أن الحكومة المصرية ليست في وارد التهدئة مع الإخوان في المدى المنظور.
عماد الدين حسين
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.