عماد الدين حسين: مقاطعة الانتخابات لن تحل المشكلة
١ فبراير ٢٠١٨يحق للمعارضة المصرية أن تنتقد كل أو معظم أو بعض سياسات الحكومة.. لكن هل مقاطعة الانتخابات الرئاسية هى الخيار الأمثل؟!
ظنى الشخصي أن المقاطعة ليست القرار الافضل الذي تتخذه الأحزاب والقوى السياسية ليس في مصر فقط بل في كل المنطقة العربية.
يوم الثلاثاء الماضى قررت "الحركة المدنية الديمقراطية" المكونة من ثمانية أحزاب، مقاطعة الانتخابات الرئاسية المصرية، المفترض أن تبدأ منتصف مارس/آذار المقبل، حيث اعتبرتها "مسرحية عبثية" وحسب وصف حمدين صباحي مؤسس "تيار الكرامة" والمرشح الرئاسي السابق فإن "الانتخابات المقبلة لا توجد بها ضمانات ولا مرشحين ولا حريات وان الحركة المدنية سوف تطبق شعار "خليك فى البيت" .
أتفهم موقف الحركة المدنية الديمقراطية، والظروف التي دفعتهم إلى اتخاذ هذا القرار الصعب، لكن ثبت من التجارب المختلفة طوال العقود الماضية، أن قرار المقاطعة لم يحقق أي نتائج، بل ربما يرسخ الأوضاع الخاطئة التي تقول المعارضة إنها تريد تغييرها.
الحياة السياسية المصرية ليست فى أفضل أحوالها، بل هناك من يقول أن السياسة ماتت أو أصيبت بالشلل بفعل عوامل كثيرة، لكن السؤال الذي ينبغي ان يشغل الجميع خصوصا المقاطعين هو: هل المقاطعة ستغير هذا الواقع أم تجعله أكثر رسوخا؟!
وسؤال آخر مرتبط به هو: ما هي الثمار التي جنتها المعارضة، حينما قاطعت أكثر من استحقاق انتخابي فى عهد حسنى مبارك، بل وفي عهد الإخوان؟!
للأسف لم يحدث شيء.
أما التجربة الأكثر أهمية فهي ما فعلته جماعة الإخوان طوال عهد حسني مبارك. المعارضة المدنية، قاطعت الانتخابات أكثر من مرة، فى حين أن جماعة الإخوان التي كانت القوانين تتعامل معها باعتبارها محظورة، لجأت إلى كل الحيل والأساليب من أجل المشاركة. كانت الجماعة ترى ان ذلك يحقق لها التواجد والاحتكاك بالمواطنين، واستغلال الهامش الموجود أثناء الانتخابات من أجل التحرك وكسب المزيد من الاتباع بكل الطرق الممكنة، بدءاً بـ "كراتين الزيت والصابون" ونهاية بشعارات تدغدغ مشاعر البسطاء مثل "الإسلام هو الحل". بهذا الإصرار البراغماتي، تمكنت الجماعة من التغلب علي كثير من القيود الحكومية والأمنية وقتها، ونجحت فى السيطرة على معظم النقابات المهنية، بل والحصول على 20% من مقاعد البرلمان عام 2005 رغم أنها كانت محظورة رسميا، كما ان العديد من قادتها كانوا داخل السجون، خصوصا خيرت الشاطر نائب المرشد، في المقابل كانت القيود المفروضة على الأحزاب المدنية أقل بكثير، ورغم ذلك استسلمت هذه الأحزاب واستخدمت شماعة - الحصار الحكومي - لعدم التحرك الجاد والوصول إلى الجماهير.
الحصار كان حقيقيا بالفعل، بل ربما يراه البعض انه كان أشد من الحصار المفروض على القوى المتطرفة، ولكنه ليس قدرا مفروضا لا فكاك منه!
النقطة الثانية هي أن جماعة الإخوان أيضا أعطت انطباعا قبل أيام، بأنها يمكنها دعم سامي عنان قبل أن يتم ابعاده عن الانتخابات. هذه الجماعة تم طردها من المشهد السياسي وتم القبض على معظم قادتها، وهرب بعضهم للخارج وتعتبر نفسها فى حالة ثأر مع الدولة. ورغم ذلك دعا بعض كوادرها إلى التصويت لمرشح ينتمي للمؤسسة العسكرية، اعتقادا بأن ذلك قد يؤدي إلى تفكيك المشهد الحالي بما يسمح لها بالعودة أو حتى بدايات التواجد.
ونتذكر ان الاحزاب المدنية قررت أن تقاطع الاستفتاء علي دستور جماعة الاخوان عام 2012 ، ثم غيرت رأيها في اللحظات الأخيرة، ودعت الجماهير إلى التصويت بـ "لا"، لكن الإخوان والسلفيون والقوى التقليدية حشدوا كل قواهم وتم تمرير هذا الدستور، الذي اسقطته ثورة 30 يونيو في 2013.
الإخوان براغماتيون جدا فى هذه النقطة، بما يتعارض ويتناقض مع كل ما يقولونه عن مبادئهم وعقائدهم!!!.
فى حين أن بعض الأحزاب المدنية، تتعامل مع القضية، وكأنها مباراة صفرية، بمعنى أما أن تتوافر لها كل الشروط المثالية للمشاركة، أو تقاطع تماما، وهو أمر، يتناقض إلى حد كبير مع الممارسة السياسية الطبيعية.
فى تقدير المعارضة أن غالبية الضمانات غائبة، من أجل المشاركة فى العملية الانتخابية، وهو أمر صحيح الي حد كبير، لكن العبرة الأساسية هى النتيجة المتحققة من هذا القرار أو ذاك.
قرار المقاطعة يمكن تفهمه، لو كان لدينا وعى سياسى كبير بين أفراد المجتمع، لكن يعلم الجميع أن هذا الأمر مفقود إلى حد كبير، و"حزب الكنبة"، هو الأكبر فى مصر على الإطلاق!!!، وبالتالى فإن تأثير المقاطعة لن يكون ذا جدوى كبيرة، وضرره أكبر من نفعه.
السؤال المنطقى: ما الذي سيكون مفيدا أكثر أن تقاطع هذه الأحزاب الاستحقاقات الانتخابية أم تنزل وتصوت بأي طريقة سواء بالتأييد أو المعارضة أو حتى بإبطال الأصوات؟!
النقطة الجوهرية التي اعتقد بجدواها في هذا الموضوع، هو أن غالبية المصريين تحتاج لمن يتحدث إليها، بأي فكرة طالما كانت سلمية، وليس بالمقاطعة والانعزال.
التربة السياسية وبالأخص الحزبية فى مصر هشة للغاية، ولدينا 104 حزبا رسميا وتحت التأسيس، لكن تواجدهم السياسي الحقيقى شبه غائب، لدرجة أن غالبية الأحزاب لا تستطيع جمع ألف مواطن فى ندوة أو مؤتمر.
فى هذه الحالة فإن الأجدى هو النزول إلى الجماهير والاحتكاك بها ومحاولة اقناعها بالانضمام لهذه الاحزاب التي تعتقد انها الأكثر تعبيرا عن المواطنين، من أجل التغيير السلمي.
لماذا لم تنزل هذه الأحزاب إلى الشارع. وتختار شخصا مدنيا بارزا، وتعطى له توكيلات شعبية لكى يترشح للرئاسة، ويحقق أهدافها؟!
سيجيب بعضهم بأنها تحاول، لكن القيود الحكومية تمنعها؟!
حسنا، ولكن المعارضة فى أي بلدان بالعالم الثالث، لا تعمل فى بيئة مثالية، بل تقدم تضحيات تصل إلى الأرواح من أجل التغيير السياسي بالطرق السلمية.
مرة أخرى أتفهم دوافع مطالبة البعض بمقاطعة الانتخابات الرئاسية، لكن أرفضه تماما، لأنه لا يحل القضايا، بل يزيدها سوءا.
الواقع السياسي المصرى صعب وشديد التعقيد وتتحكم به عصبيات قبلية وعائلية، ومصالح متضاربة ومحليات يعشعش فيها الفساد، وهذا الأمر مختلف تماما عن القيود السياسية، وبالتالي ينبغى أن تسأل كل القوى السياسية بما فيها الحكومة نفسها: كيف يمكن تغيير هذه المعادلة الصعبة؟!!. وعلى الحكومة أن تسأل نفسها: أليس فى مصلحتها وجود حياة ديمقراطية سليمة، أو على الأقل تعددية فى إطار مصالح الوطن العليا؟!
أتمنى أن تعيد الأحزاب التى قررت المقاطعة موقفها، وأن تبدأ مشوارا حقيقيا للإصلاح السياسي، شرط أن تطبق ذلك على نفسها أيضا!
التحدي الحقيقي أمام كل الأحزاب السياسية ليس هو فقط التصويت فى الانتخابات الرئاسية، بل اقناع البسطاء أو غالبيتهم بالمشاركة في الحياة السياسية عموما،خصوصا الانتخابات المحلية.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.