عمار أبو بكر: الغرافيتي آخر ما في الذاكرة البصرية للثورة
١٨ يونيو ٢٠١٦ربما هو موروث فرعوني لدى عمار أبو بكر أن ينبش الحقائق ويخطها على الجدران، فقد نشأ في مدينة الأقصر حيث تاريخ ما يزيد سبعة آلاف عام توثقه لجدران المعابد الفرعونية. درس فنان الغرافيتي و الجداريات في كلية الفنون الجميلة بمدينة الأقصر جامعة جنوب الوادي و تخرج منها ليصبح أستاذا مساعدا لكن ذلك لم يدم طويلا بعد اندلاع الشرارة الأولى للثورة . جذبته الثورة فأصبح من مريديها وزينت أعماله شارع محمد محمود الشهير بوسط العاصمة القاهرة لتصبح جدارياته أيقونة من أيقونات الثورة المصرية .
ألوان صارخة و طبقات من الأمل
بدأ عمار تصوير المصابين في بورتريه ثم رسمها على حائط محمد محمود، ومن هنا بدأت حكايته مع أشهر بورتريهات عن مصابي و شهداء و معتقلي الثورة المصرية.
تعرف أعمال أبو بكر حينما تراها من بعيد، فهي ذات ألوان صريحة، يحب أبو بكر الألوان الفسفورية، ربما ينبع ذلك من ثقافته الجنوبية حيث هناك تلعب الشخصية القوية دورا هاما، و يشتهر الناس بالصراحة و الوضوح. أو ربما تجربته مع الثورة فتجسد الصراخ في ألوان على الحائط.
حينما تمشي في شوارع القاهرة أو الأقصر أو تصادفك في بيروت أوكوبنهاغن أو برلين أو بون رسوم تحمل الطابع المولوي الشرقي لكنها في ذات الوقت ترتبط ارتباطا حميما بمصر فتأكد أنها أحد أعمال أبو بكر في تلك المدن.
اشتهر أبو بكر أيضا برسمه لشهداء الثورة و رسم شخصيات ذات أجنحة، وحين تتحدث معه عن ذلك تشعر وكأن كل جدارية تجسد قصة أو ربما هي حلم طارد أبو بكر فأخرجه من رأسه على الحائط.
رسم للشيخ عماد عفت شهيد أحداث مجلس الوزراء، و الطفل عمر بائع البطاطا الذي قتل بالرصاص عن طريق الخطأ.
يرسم أبو بكر الغرافيتي و الجداريات في طبقات فوق بعضها فيبدأ برسم الشخصيات ثم يظل يضيف إليها من أشياء وألوان حتى يشعر أن اللوحة مكتملة. و يشعر المشاهد أن الرسم يحمل الكثير من التفاصيل والأسرار التي تدعو إلى الفضول لمعرفتها.
وعن الثورة المصرية يقول أبو بكر، لم أفقد الأمل يوماً وأعتقد أن الثورة تنجح لكنها تأخذ وقتاً طويلا حتى تثبت ذلك النجاح. و بالرغم من أن عمار يشعر بالتضييق بعد حبس الكثير من الشباب في مصر على حد تعبيره، إلا أنه يقول إنه لن يتوقف عن الرسم فهو يعتبره وسيلة إعلامية جديدة تهدف فقط لإيصال الحقائق للناس.
جدارية عن اللاجئين يشاركون برسمها
على هامش المنتدى العالمي للإعلام الذي تنظمه مؤسسة دويتشة فيلة DW الإعلامية الألمانية كل عام، شارك الفنان عمار أبو بكر وآخرون منهم الفنان الكوميدي العراقي أحمد البشير و عازف البيانو السوري أيهم أحمد في حلقة نقاش حول قدرة الفن على تعزيز الحوار و تغيير السياسة.
لكن وجود عمار بالطبع يعنى جدارية جديدة. على مدخل قاعة المؤتمرات التي أقيم بها المنتدى وقف عمار يكمل لوحته التي بدأها قبل بضعة أيام بأحد أماكن إقامة اللاجئين في مدينة بون.
بدأ عمار اللوحة برسم شخصيات من اللاجئين و شاركه في الرسم أطفال من المكان، هكذا يعتبر عمار أعماله مكتملة. فيقول هذا هو ما يدفعني للرسم بالشارع أن الناس يتفاعلون مع الفن، يضيفون إليه أو يأخذون صورا بجانبه أو يرفضونه ويصبحون غاضبين، لا يهم، المهم أن علاقة الفن بالجمهور تصبح أقرب. وعن إمكانية الفن بالتغيير يقول أبو بكر أنه لا يستطيع الوعد بأن الفن يمكن أن يغير السياسة لكنه بالتأكيد يفتح مجالا للحوار.
الجدارية أكملها عمار و حظيت بانتباه وإعجاب مرتادي المنتدى الإعلام العالمي و تهافت الزوار على أخذ الصور بجانبها والحديث مع عمار عنها.
الشارع للفن
قضى أبو بكر سبعة سنوات في الحياة الأكاديمية كأستاذ مساعد ، لكن بعد الثورة تسرب إليه شعور بأن الفن لا يجب أن يصبح في المتاحف و في الجاليريهات الفخمة ، يقول أبو بكر : "الأنظمة السياسية لا تعتني بالهوية أو بالثقافة، والفنانون يعيشون في جدر معزولة عن الناس، وهو ما تمردتُ عليه و قررتُ أن أنزل إلى الشارع".
رسومات أبو بكر لم تُرضِ أساتذته فقدموا شكوى جماعية بأن ما يخطه على الجدران وبالشوارع يسيء إلى الفن، و بعد تضييق متصاعد انقطع أبو بكر عن عمله بالجامعة مما أدى إلى فصله.
و عن ذلك يقول: "لم أرضَ عن تقديم اعتذارات مرضية للعودة للتدريس حيث أعتقد أنه لن يضيف لي أكثر مما تعلمته و أنا أرى أنني أضيف و أعلم أكثر بالشارع.
الغرافيتي هو فن ممنوع في بعض الأحيان، لكن في مصر هو ممنوع دائما. حينما التقت DW عربية عمار وسألته عن ذلك قال: "السلطة في مصر تربط بين الغرافيتي والثورة، وحتى لو أراد الفنان أن يرسم شيئا لا علاقة له بالسياسة فلن يسمحوا له لأن الفن أصبح في القائمة السوداء لدى النظام".
دونت الذاكرة البصرية لشارع محمد محمود توثيقا كاملا للأحداث على مر سنوات فائتة لكنه الجرافيتي دائما واجه الحذف و التشويه ولكن أبو بكر يرى أن هناك دائما مساحات جديدة، فالشارع مفتوح و يرى أن الذكاء أن يصل الغرافيتي والرسم إلى حوائط جديدة حتى يستطيع الوصول إلى عدد أكبر من الناس.
ويقول أبو بكر: "استخدمت الحائط كصحيفة لأقول للناس الحقيقة وأشجعهم على المجيء إلى شارع محمد محمود. وهذا هو آخر ما تبقى من الذاكرة البصرية للثورة، وهو ما نريد أن نبقيه حياً".