ألمانيا ـ عملاق الإعلام أكسل شبرينغر تحت الضغط بسبب رايشلت
٢٠ أكتوبر ٢٠٢١بعد أن نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا عن اتهامات ليوليان رايشلت، رئيس تحرير صحيفة "بيلد" الألمانية التابعة لمؤسسة أكسل شبرينغر العملاقة، تم اعفاء رئيس اتحرير الصحيفة من مهامه بأثر فوري: فقد اتهمته موظفات بالتحرش الجنسيواستغلال منصبه في السلطة من أجل اقامة علاقات جنسية معهن.
ولكن ما هو الدور الذي تلعبه صحيفة "بيلد" ودار النشر شبرينغر في المشهد الإعلامي الألماني والدولي؟
صحيفة "بيلد"، التي كان رئيس تحريرها رايشلت منذ عام 2017، هي الصحيفة اليومية التي حققت أعلى توزيع في ألمانيا، حيث بلغ عدد النسخ المتداولة 1.24 مليون نسخة، كما أنها ساهمت في تشكيل المشهد الإعلامي الألماني بشكل لا مثيل له منذ تأسيسها في عام 1952، بيد أن مسيرتها الإعلامية مثيرة للجدل، وتعرضت الصحيفة للتوبيخ عدة مرات لسلوكها الصحفي من جانب مجلس الصحافة الألماني.
نشأة مؤسسة أكسل شبرينغر
تأسست مجموعة أكسل شبرينغر الألمانية التي تفوق قيمتها المليار يورو بعد الحرب العالمية الثانية وقامت المؤسسة بالبداية بالتركيز على نشر الصحف والمجلات اليومية. وكان مؤسسها أكسل شبرينغر شخصية مثيرة للجدل: فاحتجاجا على معاداة الشيوعية من قبل الصحيفة، نفذت المنظمة الإرهابية فصيل "الجيش الأحمر" (RAF) عام 1972هجوما بالقنابل على مكتب مؤسسة شبرينغر في هامبورغ، حيث كانت صحيفة بيلد قد وقفت بقوة ضد الاحتجاجات الطلابية في الستينيات والتجديد الاجتماعي الذي طالبت به. كما أن الصحيفة اتخذت موقفا معاديا من رودي دوتشكه، الناشط اليساري الألماني الشهير، والذي كان ملهما لحركة الطلاب في ألمانيا في العام 1968 وأحد ممثليها الرئيسيين، والذي تعرض لمحاولة اغتيال في أبريل/ نيسان 1968.
أما اليوم فيقول الباحث الإعلامي كريستوفر بوشو في مقابلة مع DW. إن الشركة أصبحت بالكاد دار نشر تقليدية. ومن المرجح أن يتم اعتبار شبرينغر شركة إعلامية أو مجموعة رقمية تقليدية، فلم تعد عائداتها المركزية تولد من الصحافة فقط، ولكن أيضًا من خلال استثمارات أخرى مثل بوابة الوظائف Stepstone.
وحول الرئيس التنفيذي لمجموعة أكسل شبرينغر ماتياس دوبفنر، يقول بوشو: "لقد فهم ماتياس دوبفنر بالتأكيد في وقت أبكر من مديري وسائل الإعلام الآخرين أنه يجب عليك أيضا الاستثمار في أسواق خارج الصحافة من أجل البقاء". ويتابع بوشو أن بيع الصحف المحلية مثل "هامبورغر أبيندبلات" و"برلينر مورغنبوست" في عام 2014 جعل من الممكن جمع الأموال واستثمارها في الابتكارات الرقمية.
ومع ذلك، لم تخضع المجموعة لتحول رقمي فحسب، بل وضعت لنفسها مكانا أيضا على الصعيد الدولي. في عام 2010، اشترت شبرينغر وسائل إعلام في أوروبا الشرقية، لكنه باعتها مرة أخرى - ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الوضع بالنسبة للصحافة الحرة والمستقلة هناك أصبح أكثر صعوبة، كما يرى بوشو.
شبرينغر والتوسع عالميا
الآثار المترتبة على الفضيحة الحالية لمدير صحيفة بيلد لها امتدادات أوسع خارج حدود ألمانيا، حيث تهدف المجموعة الإعلامية إلى التوسع عالميا، ما يجعل للقضية أبعادا دولية. في السنوات الأخيرة، استثمرت أكسل شبرينغر بكثافة في الأسواق الخارجية، وبالتحديد في الولايات المتحدة وبولندا.
"يتمثل الهدف الواضح للشركة في اللعب على المسرح الإعلامي العالمي الكبير. ومن المسلم به أنه في زمن الإعلام القائم على المنصات الإلكترونية، حيث يضع عمالقة التكنولوجيا الكبار القواعد بعدة طرق، لهذا فإن الولايات المتحدة هي المفتاح إذا كنت تريد أن يكون لديك تأثير عالمي كشركة إعلامية "، كما يقول الخبير بوشو. ويضيف إن هذا التوسع "يتم دفعه الآن إلى الأمام بقدر كبير من الطاقة والموارد المالية".
اشترت أكسل شبرينغر مؤخرًا منصة الإعلام الأمريكي بوليتيكو مقابل مليار دولار. في عام 2015، اشترت المؤسسة موقع Business Insider.
الإعلام الدولي والإعلام الألماني
ووفقًا لبوشو فمن المنطقي بعد هذا التوسع الإعلامي لاكسل شبرينغر، وحرصها أن تكون لاعبا دوليا، أن يحظى الوضع في بيلد باهتمام الصحافة العالمية، حيث كانت صحيفة نيويورك تايمز هي التي كسرت الحاجز ونشرت عن فضيحة صحيفة بيلد أول مرة باللغة الإنجليزية وكشفت تفاصيل فضيحة رايشلت، ما أدى بالنهاية إلى إقالته. ويوضح بوشو: "هذا الاهتمام العالمي بالقصة لا يفاجئني"، ويؤكد الباحث الإعلامي أنه كان شاهدا على حالات عديدة، صمت فيها الإعلام الألماني، بالرغم من أنه على الصعيد الدولي كان أشياء تقال، موضحا أنه "مع مثل هذه القضايا، التي يتأثر فيها المشهد الصحفي ككل أو تتأثر مجموعات إعلامية كبيرة قوية، غالبًا ما تحتاج إلى رؤية خارجية".
وكانت مجلة "دير شبيغل" الإخبارية الألمانية قد نشرت بالفعل تقريرا عن التحقيق الداخلي في صحيفة بيلد في مارس 2021 وتوصلت إلى استنتاجا بأن يوليان رايشلت خلق بيئة عمل عدائية للنساء في الصحيفة. بيد أن تحقيقها لم يخلق صدى مماثلا كما هو الحال مع تقرير صحيفة نيويورك تايمز ولم يؤد إلى عزل رايشلت.
وكما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن الصحفيين الاستقصائيين في وسائل الإعلام الألمانية الأخرى تعاملوا أيضا مع جوليان رايشلت والادعاءات الموجهة ضده، بمن فيهم الصحفية جوليان لوفلر من دار النشر "إيبن فيرلاغ " وزملاؤها في صحيفة "هاندلسبلات".
حيث أن "إيبن فيرلاغ "هي مجموعة نشر منافسة تمتلك صحفا يومية إقليمية مهمة في ألمانيا، بما في ذلك "فرانكفورتر روندشاو" و"مونشنر ميركور". ووفقا ل "نيويورك تايمز"، فقد تم منع كلا التحقيقين، من خلال مكالمة من جوليان رايشلت شخصيا.
وفي حين أن "هاندلسبلات" لم ترد على طلب بالبريد الإلكتروني من "نيويورك تايمز" للتعليق، اعترفت دار إيبن للنشر بأنها قررت عدم النشر.
وفي ألمانيا أيضا، كان عدد كاف من الصحفيين على علم بالادعاءات الموجهة ضد جوليان رايشلت وأرادوا نشرها على الملأ. في النهاية، ومع ذلك كانت الصحيفة الأمريكية هي من نشر اتهامات النساء بالتفصيل. ولم يتم عزل رئيس تحرير "بيلد" إلا بسبب الاهتمام الدولي من الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب بوشو.
يرسم بحث "نيويورك تايمز" صورة لما يدور داخل إدارات التحرير الألمانية، حيث لا تزال النساء يواجهن الرجال في كثير من الأحيان في مواقع السلطة، وبعضهم لا يتورع عن الاستفادة من سلطاته من أجل استغلالها لصالحه. كما يكشف التقرير صورة عن المشهد في وسائل الإعلام الألمانية، حيث تدعم فيها شبكات غير رسمية من الرجال في المناصب العليا بعضهم بعضا على الرغم من أنهم يتنافسون اقتصاديا في السوق. فماتياس دوبفنر ليس فقط الرئيس التنفيذي لشركة أكسل شبرينغر، ولكن أيضا رئيس الجمعية الاتحادية لناشري الصحف الألمانية، وهو ما قد يبرر صمت مؤسسات إعلامية ألمانية عن الانتقاد. وفي المجمل يكشف التقرير بشكل لا لبس فيه أن الادعاءات والمزاعم بحق صحيفة بيلد، وضعت مؤسسة أكسل شبرينغر والمشهد الإعلامي برمته في بؤرة اهتمام الرأي العام العالمي.
سارة هوكال/ كريستينا ليهنين/ علاء جمعة