عودة قوية لرياضة مصارعة الأكباش في تونس
١٢ نوفمبر ٢٠١٠خلال الفترة التي تسبق عيد الأضحى تجتذب مباريات مصارعة الأكباش في تونس جمهورا غفيرا من عشّاق هذا النوع من "الرياضة" التي يؤكد عارفون بخباياها أنها تمرّ منذ سنوات قليلة بانتعاشة كبيرة بعد أن أوشكت على الأفول في وقت سابق. ورغم أن وزارة الرياضة التونسية لم تجدّد منذ نهاية الثمانينات، ولأسباب غير معلومة "تأشيرة" العمل القانوني لـ"الجامعة التونسية لمصارعة الأكباش" التي تأسّست بداية السبعينات، إلاّ أن مباريات المصارعة لم تتوقّف.
وتعتبر تونس البلد الأول والوحيد في العالم الذي أحدث اتحادا خاصا بمصارعة الأكباش. وتدور اليوم أغلب مباريات المصارعة بشكل سرّي في الأحياء الشعبية للعاصمة تونس وقد يصل عدد متابعي المباراة الواحدة إلى الآلاف.
عودة قوية
عبد الرؤوف بن زيتون (طبيب)، تتوارث عائلته منذ السبعينات تربية أكباش المصارعة، يؤكّد أن "رياضة" مصارعة الأكباش في تونس عادت بقوة، وأن البلاد تعد اليوم أكثر من 5000 كبش مصارعة، مقابل أقل من 40 رأسا فقط بداية السبعينات. وقال زيتون في حديث مع دويتشه فيله إن عدوى الولع بتربية أكباش المصارعة انتقلت إلى شرائح اجتماعية ومناطق راقية بعد أن كانت في وقت سابق حكرا على الأحياء الشعبية الفقيرة بالعاصمة تونس.
وأوضح أن مربّي أكباش المصارعة يروّضون نوعين من هذه الحيوانات هما "الفرناني" المنحدر من منطقة "فرنانة" (شمال غرب تونس) و لا يتعدى وزنه 50 كيلوغراما و"الغربي" أصيل جبال غرب البلاد ويصل وزنه الى100 كيلوجرام.
هشام ساقون المتخصّص منذ أكثر من 20 عاما في ترويض أكباش المبارزة قال لدويتشه فيله إن سعر شراء "الغربي" قد يتجاوز 500 يورو والفرناني 250 يورو. وأضاف أن مروّض الكبش يمكنه بيعه بستة أضعاف ثمنه الأصلي إن أصبح "بطلا" وفاز في كل المباريات التي خاضها، أمّا إذا انهزم في المباراة الأولى فإن صاحبه يبيعه بأبخس الأثمان للجزّار ليكون مصيره الذبح.
أكباش مدلّلة جدا
يحظى كبش المصارعة بعناية خاصة من صاحبه الذي يطعمه الشعير والأعشاب الجافة والبقول وزيت الزيتون ومكّملات غذائية مثل زيت كبد الحوت وفيتامينات يصفها له بياطرة يتابعون صحة الكبش ويجرون له اللقاحات اللازمة لوقايته من الأمراض. وحتى لايصاب الحيوان بالترهّل والكسل ويفقد "لياقته البدنية" يتمشّى به صاحبه يوميا لمدة نصف ساعة على الأقل.
عبد الرؤوف بن زيتون الذي يملك 80 كبش مصارعة قال لدويتشه فيله إن العناية بالكبش الواحد تكلفه شهريا نحو 35 يورو على الأقل.
"بوش" يتناطح مع "صدّام"
يطلق أصحاب الأكباش على حيواناتهم أسماء شخصيات سياسية وفنية ورياضية شهيرة مثل "بوش" و"صدّام" و"زيدان" و"بيكام" وحتّى "نانسي عجرم" وأسماء أخرى مثل "سيزار" و"عنتر" و"الضبع" وغيرها.وليس بالإمكان أن تقام مباراة بين كبشين من فصيلتين أو وزنين مختلفين. وتجرى المباريات أولا بين أكباش الحي الشعبي الواحد ثم بين أكباش الأحياء المتجاورة. وتكون المباريات بين الأحياء الأكثر إثارة وجذبا للجماهير.
وقد تحسم المباريات أحيانا قبل شروع الحيوانات في التناطح عندما يهرب الكبش بدافع الخوف من منافسه أو بعد عدد قليل من النطحات. ويتفق مروضو الأكباش مع حكم المباراة على الحد الأقصى من النطحات الذي لا يجوز أن يتعدّاه الخصمان والذي لا يتجاوز عادة 60 نطحة. لكن في المباريات القوية يمكن أن تتجاوز النطحات المائة واحدة، وأحيانا قد لا تنتهي المباراة إلا بعد أن تخور قوى أحد الخصمين فيضطر الحكم إلى وقف اللقاء والإعلان عن الفائز صاحب الأداء الأفضل.
مطالب بإعادة "جامعة مصارعة الاكباش"
ويتطلع عشاق مصارعة الأكباش إلى أن تجدّد وزارة الرياضة تأشيرة الجامعة التونسية لمصارعة الأكباش حتى يتمكنوا من تنظيم مباريات بين المحافظات التونسية أو حتى بطولة مغاربية بعد أن وصل الشغف بمصارعة الأكباش إلى الجزائر والمغرب.
ويتمنى هؤلاء توفير ملاعب خاصة لمصارعة الأكباش قادرة على استيعاب الحشود الغفيرة من الجماهير التي تتابع المباريات. ويقترح هشام ساقون استغلال هذه الرياضة للتنشيط السياحي في الفنادق والمناطق السياحية التونسية حتى توفّر موارد رزق لكثير من العاطلين في البلاد.
جدل بين جمعيات الرفق بالحيوان ومروضي الأكباش
لكن جمعيات الرفق بالحيوان تستنكر إبعاد الأكباش عن محيطها الطبيعي في المراعي والحقول من أجل استغلالها في رياضة "عنيفة". وقد سجلت بكل استياء وفاة أكباش بعد أن تكسّرت رقابها خلال المباريات نتيجة شدة النطحات الذي تلقتها على رؤوسها من أكباش منافسة.
ويمكن أن يتسبب النطح الشديد في كسر قرون الأكباش فيصبح منظرها مشوّها كما أن الأكباش التي تستعمل كامل حياتها في المصارعة تصاب في آخر عمرها بمرض الارتعاش المزمن الناجم عن ارتخاء أعصابها. لكن مروضي الأكباش يرفضون هذه الانتقادات ويرون أنه لا يوجد مبرر لحرمان الآلاف من متعة هذه "الرياضة".
ويقول هشام ساقون:"أصبحت هذه الرياضة تخضع إلى ضوابط أخلاقية صارمة، مثل وقف الحكم للمباراة فورا إذا ما أصيب أحد الكبشين بجراح أو أي مكروه آخر" معتبرا أن غريزة التناطح موجودة لدى الأكباش في وسطها الطبيعي وأنه "من غير المعقول حظر مسابقات تناطح الأكباش، والسماح للبشر بالتناطح في الملاكمة وبقية الفنون القتالية".
منير السويسي ـ تونس
مراجعة: منى صالح