غياب دول عربية عن تسليم جائزة نوبل للسلام - إرضاء للصين أم حسابات أخرى؟
٨ ديسمبر ٢٠١٠قد يتحول حفل تسليم جائزة نوبل للسلام للمعارض الصيني ليو تشياوبو يوم الجمعة المقبل (10 ديسمبر / كانون الأول) في العاصمة النرويجية أوسلو إلى مسرح لاستعراض الأبعاد الرمزية لهذه الجائزة والرسالة التي تتضمنها من جهة، ولكنه قد يبرز من جهة أخرى مدى تنامي النفوذ الصيني على الساحة السياسية العالمية. ذلك أنه وللمرة الثانية في تاريخ جائزة نوبل للسلام لن يتمكن الفائز، الذي يقبع في أحد السجون الصينية، من الحضور شخصيا للمشاركة في حفل تسليمه الجائزة. فقط صورة وكرسي شاغر يمثلانه في الحفل.
وعلل مدير معهد نوبل غير لوندشتاد لوكالة فرانس برس اختيار كرسي شاغر لتمثيل المعارض الصيني، الذي يشكل أبرز شخصيات حركة الاحتجاج المطالبة بالديمقراطية في ساحة تيان إنمين عام 1989 بالقول: "ذلك يترك انطباعا قويا ويؤكد ثبات خيار لجنة نوبل لهذه السنة عبر إلقاء الضوء على وضع حقوق الإنسان في الصين".
غياب ست دول عربية - والجزائر تتأنى في الرد
ولكن ليس فقط كرسي الفائز بالجائزة الذي سيبقى فارغا خلال حفل تسليم الجائزة وإنما أيضا كراسي ممثلين عن عشرين دولة حتى الآن أعلنت عدم مشاركتها في الحفل. وإلى جانب الصين، التي عارضت بقوة خيار لجنة نوبل النروجية معتبرة الفائز بالجائزة "مجرما" ووضعت زوجته ليو تشيا قيد الإقامة الجبرية، تغيب كل من روسيا وكازاخستان وصربيا وسريلانكا وفيتنام وكوبا وأوكرانيا والفيليبين وباكستان وأفغانستان بالإضافة إلى ست دول عربية هي السعودية والعراق والسودان ومصر وتونس والمغرب.
أما الجزائر فلم ترد بعد على الدعوة التي وجهت لها، وذلك وفق ما أعلن معهد نوبل على موقعه الالكتروني. وفيما اعتذرت روسيا عن المشاركة في الحفل مبررة ذلك بـ "مشاكل في التوقيت"، وعزت صربيا قرارها إلى "أهمية العلاقات الثنائية مع الصين"، اكتفت الدول العربية بالاعتذار عن المشاركة لدى معهد نوبل في أوسلو. المعهد نفسه امتنع في اتصال مع دويتشه فيله عن التعليق على غياب الدول العشرين عن حفل تسليم جائزة نوبل للسلام، مشيرا إلى أن غيابهم "له أسباب مختلفة". وأكد أنه "يركز على تنظيم حفل يليق بالجائزة وصاحبها وبمختلف المشاركين فيه". هذا وأعلن المعهد أن 44 دولة قد لبت الدعوة، لافتا في الوقت نفسه إلى أن ذلك "ليس أمرا استثنائيا"، حيث غاب ممثلون عن 10 دول عن حفل تسليم الجائزة للفنلندي مارتي أهتساري.
مقايضة صينية - المقاطعة مقابل صفقات اقتصادية؟
لكن مراقبين، على غرار حسني العبيدي، الخبير في الشؤون العربية والتوسطية، يتحدثون عن ضغوطات مارستها الصين على عدد من الدول بهدف ثنيها عن المشاركة في حفل تسليم جائزة نوبل للمعارض الصيني تشياوبو. "الصين تمارس لعبة تمرست عليها وهي المقايضة التجارية، ذلك أنها تدرك جديا أن العديد من الدول فقيرة اقتصاديا وفي حاجة إلى الاستثمارات الصينية"، وفق ما يقول مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي والمتوسطي في جنيف في حديث لدويتشه فيله. ولكن الكثير من هذه الدول بحاجة أيضا إلى "الثقل الصيني والصوت الصيني في مجلس الأمن الدولي وفي المحافل الدولية". وبالتالي تحاول الصين توظيف هذه العاملين في "ثني هذه الدول عن الحضور حتى تثبت للعالم بأن العديد من الدول غير موافقة على منح المعارض الصيني جائزة نوبل للسلام والتقليل من أهميتها الدبلوماسية والسياسية"، حسب العبيدي.
وفيما كان إعلان السودان غيابه عن حفل تكريم الصيني المعارض تلبية للمطالب الصينية متوقعا نظرا لمتانة العلاقات الاقتصادية والسياسية التي تربط الخرطوم ببكين، يفسر حسني العبيدي غياب دول كتونس والمغرب، اللتان تربطهما تقليديا علاقات قوية مع الاتحاد الأوروبي ثم بدرجة أقل مع الولايات المتحدة، عن الحفل بأنه "إستراتيجية لكسب ود الصين". ويضيف: "صحيح ليست فقط العلاقات الاقتصادية التي تحدد مستوى الحضور أو الغياب لكن قضية التصويت في مجلس الأمن وفي منظمات دولية أخرى مهمة أيضا"، في إشارة منه إلى دول مثل العراق.
مخاوف من تكرار السيناريو الصيني مع معارضين عرب
من جهته، يرى حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن مقاطعة عدد من الدول العربية لحفل تسليم جائزة نوبل للسلام للمعارض الصيني تحركه مخاوف من أن يتكرر نفس السيناريو في بلدانها، ويقول في حديثه لدويتشه فيله: "لا تريد (هذه الدول) أن يكون هناك موقفا داعما للمعارضين أو لزعماء المعارضة في بلدانها وبالتالي هي تأخذ موقفا ضد هذا النهج ليساعد ويعزز دور المعارضة أو القوى الديمقراطية المطالبة بالإصلاحات في بلدانها."
لكن الحقوقي المصري يستغرب في الوقت نفسه من الغياب المصري عن الحفل، ويقول: "أنا أستبعد أن تكون هناك مخاوف من تكريم مماثل لأحد زعماء المعارضة في البلاد، إذ تكفي الإشارة هنا إلى تكريم الدكتور محمد البرادعي في النمسا وتكريم بعض المعارضين المصريين في الخارج عادوا إلى مصر. ولعل كفة المصالح الاقتصادية والسياسية مع الصين قد رجحت قرار المقاطعة، لكن ذلك من شأنه أن يلقي بظلاله على مواقفها إزاء قوى أخرى. ويقول حافظ أبو سعدة: "أعتقد أن مصر قد خسرت كثيرا من خلال غيابها عن الحفل، لأن ذلك من شأنه أن يؤثر على الموقف المصري أمام الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بأنها أقل حرصا على حقوق الإنسان، الأمر الذي يتناقض مع الوعد الذي قدمته أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالمساهمة في دعم حقوق الإنسان على الصعيد العالمي وتعزيز الحريات."
الجزائر لم ترد بعد عن الدعوة، وقد تؤجل أخذ القرار إلى آخر وقت، وفق ما يقول حسني العبيدي، الذي يصف الدبلوماسية الجزائرية "بدبلوماسية اللحظات الأخيرة". ولكنه لا يستبعد أن تغيب بدورها عن حفل تكريم المعارض الصيني. كما يتوقع الخبير أن يرتفع عدد الدول المقاطعة للحفل لسبب أو لغيره، والهدف عدم "إغضاب الصين"، التي أصبح يحسب لها "ألف حساب".
شمس العياري
مراجعة: طارق أنكاي