غياب شارون ينذر بتغيير جذري في ملامح السياسة الشرق الأوسطية
٦ يناير ٢٠٠٦نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون في تفجير أكثر من قنبلة سياسية خلال تاريخه السياسي الحافل. ومع مرور الوقت شهدت شخصيته المثيرة للجدل على الصعيدين الإسرائيلي والدولي على حد سواء تحولات كثيرة يمكن أن توصف بـ"زلازل شارونية خاصة". وفي هذا السياق لا يشكل غياب "البلدوزر" الإسرائيلي المفاجيء من الساحة السياسية بعد الجلطة الدماغية الحادة التي أصابته أمس استثناءا من هذه القاعدة، بل إنه جاء ليمثل تاكيداً لها. ويعود ذلك إلى قيام شارون بهز الساحة السياسية الاسرائيلية قبل فترة وجيزة حين ترك حزب الليكود الذي كان من أحد مؤسسيه التاريخيين وأسس حزب "كاديما" الجديد الذي اعتبرته جملة المراقبين السياسيين "حزب شارون الخاص".
فراغ سياسي في إسرائيل
على الرغم من التباين في تقييم حياة شارون السياسية، يعتبر كثير من الإسرائيليين شارون بطلاً قومياً تاريخياً ساهم في الدفاع عن كيان دولة إسرائيل وهويتها اليهودية، بينما يعتبره آخرون عدواً لدوداً للسلام العادل والشامل في الشرق الأوسط. إلا أن ثمة إجماع بين المراقبين والمحللين السياسيين على أنه أهم شخصية إسرائيلية بعد مؤسس الدولة العبرية دافيد بن غوريون، خاصة وأنه نجح في أن يصبح الشخصية الأكثر تأثيراً على المشهد السياسي الإسرائيلي في السنوات الأربعة الأخيرة. يذكر أن استطلاعات الرأي الأخيرة أشارت الى أنه أقوى المرشحين للفوز في الانتخابات المقررة في مارس/ آذار المقبل كرئيس لحزبه الجديد "كاديما" الذي يمثل تيار الوسط. وفي هذا الإطار يصف شموئيل ساندلر، أستاذ العلوم السياسة بجامعة بار ايلان المكانة المميزة لشارون قائلا: "كل شيء سيتغير في اللحظة التي يرحل فيها".
يشغل شارون منصب رئيس الوزراء منذ عام 2001 حيث استطاع أن يقود إسرائيل خلال الانتفاضة الفلسطينية المستمرة منذ خمسة أعوام. وعلى الرغم من تاريخه السياسي الحافل بالدموية، إلا أن شارون نجح في فرض نفسه على عملية صناعة القرار السياسي الإسرائيلي، كما فاجأ العالم بتحول من سياسي يميني يميل إلى التطرف ويؤمن بالقوة البحتة إلى تبني البرغماتية النسبية في التعاطي مع الصراع العربي- الإسرائيلي والإبتعاد التدريجي عن إيدولوجية إسرائيل الكبرى.
"شارون هو كاديما وكاديما هو شارون"
وفي هذا السياق يقول يوسي كلاين- ليفي المحلل السياسي الإسرائيلي: "ليس هناك من يقدر على توحيد البلاد حول قرارات صعبة يتعين اتخاذها كما كان يفعل شارون." كما أن هناك شكوك بشأن ما إذا كان التحول الإسرائيلي الكبير باتجاه سياسة وسطية والذي قاده شارون قبل بضعة أسابيع بعد استكماله الانسحاب من غزة قد يتمكن من البقاء الى موعد الانتخابات في مارس/ اذار المقبل والتي كان من شبه المؤكد ان يفوز فيها شارون. وفضلاً عن ذلك فإن حزب شارون الجديد "كاديما" يفتقر ليس فقط إلى قيادة بارزة أخرى تتمتع بالخبرة والقدرة على تشكيل قوة سياسية جديدة، بل يفتقر أيضا لقائمة مرشحين في الانتخابات، والتي لم يكن لها وجود على الأرجح سوى شخصية شارون. ورغم تشديد شيتريت، وهو احد قادة حزب "كاديما" على أن "هذا الحزب لا يملكه رجل واحد (شارون) بل يجسد نهجا سياسياً"، إلا أن نداف ايال، احد ابرز معلقي صحيفة معاريف واسعة الانتشار وصف هذه الظاهرة النادرة قائلاً: "شارون هو كاديما وكاديما هو شارون."
يذكر أن أيهود اولمرت نائب رئيس الوزراء الذي تولى سلطات شارون التنفيذية، سياسي له مستقبل واعد لكنه لا يمكنه كسب الثقة نفسها التي كان يتمتع بها شارون لدى الناخبين الإسرائيليين. كما أن من المرشحين الآخرين لخلافته تسيبي ليفني وزيرة العدل وشاؤول موفاز وزير الدفاع يفتقران لقاعدة سياسية قوية. وعلاوة على ذلك يُفترض لأن حالة الفوضى التي يشهدها حزب "كديما" ستخدم بالتأكيد ما تبقى من حزب اليكود الذي يقوده حاليا اليميني بنيامين نتنياهو بعد أن تمزق بخروج شارون منه قافزا من متن السفينة الغارقة في محاولة للإفلات من خلافات داخل الحزب بشأن التنازل عن أراض محتلة للفلسطينيين.
عداء عربي وخوف من التطرف
إجتذب شارون كراهية وعداء الجماهير العربية نظراً لدوره في تخطيط وتنفيذ غزو إسرائيل للبنان عام 1982 الذي ارتكبت خلاله ميليشيا مسيحية موالية لإسرائيل مذبحة صبرا وشاتيلا. ثم ساهمت اجراءاته العنيفة ضد الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت بعد زيارة قام بها للمسجد الأقصى المبارك في تعميق هذا الشعور، لاسيما وأن هذه الزيارة كان لها وقع استفزازي على كافة المسلمين. ولم يغيير قراره التاريخي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، الذي مثل خطوة تاريخية بعد 38 عاما من الاحتلال، من صورته السيئة لدى الشارع العربي. وفي تعبير عن مفارقة نادرة فإن الشارع العربي لا يبتهل من أجل شفاء شارون، غير أنه يخشى أن تؤدي خسارة هذا السياسي القوي إلى انتكاسة لفرص تحقيق السلام في الشرق الأوسط.