فخر ألماني بإنجازات "رجال كلينسمان" وتطلع نحو مستقبل واعد
٥ يوليو ٢٠٠٦في مشهد درامي وأجواء تشبه الحداد الوطني أمضى الألمان ليلة الهزيمة أمام إيطاليا واليوم الأول بعد "كارثة الخروج بكثير من الآلام والغصة على خسارتهم أمام المنتخب الإيطالي، لتثبت من جديد نبوءة سوء القدر ولعنة الإمبراطورية الرومانية التي ظلت شبحا يطارد عقول الألمان وذاكرتهم الرياضية. فالكل تأهب للفرح، خصوصا بعد الإنجازات التي حققها المنتخب، وعلى رأسها فوزه المؤزر على راقصي التانجو، حيث أخذت الحماسة والاندفاع تدبان في قلوب الألمان وتولدت لديهم القناعة بأنّه يمكن تجاوز حصون روما. ولذا فأينما ذهبت وحللت تجد الناس متفائلين بالفوز ويتأهبون للاحتفاء به، لكن الرياح تأتي بما لا تشتهيه السفن، إذ تغير الحال في الدقائق الأخيرة وتحطم الحلم الكبير بالفوز بالكأس الذهبية. دقائق معدودات تغيرت معها الإنجازات حيث تحطم الحلم على صخرة الحقيقة، صخرة روما التي كانت ندا عنيدا وخصما عنيفا للألمان. ولكن هذه هي كرة القدم، فيها حلاوة النصر ومرارة الهزيمة، فهي دراما وبانوراما في مفاجآتها ونتائجها.
ومنذ يوم أمس ينتاب المزاج العام الشارع الألماني شعور من الحزن والإحباط على هذه النهاية، نهاية الحلم الذهبي. فوجوه غالبية محبي الساحرة المستديرة تجهمت، وغادرت البسمة شفاههم وغاب النوم في الليلة الفائتة عن أجفانهم، فالحلم تبخر والأمل تخمّر. ولكن يبقى الثلاثاء الأسود يحمل في ثناياه بعضا من الصور المشرقة للمنتخب الألماني الذي استطاع بحق أن يثبت نفسه في هذا المونديال من خلال تقديم كرة رائعة، الأمر الذي يجد فيه المرء نوعا من العزاء لهذه الهزيمة لفريق على أرضه وبين جمهوره وعشاقه.
الصحافة الألمانية: "إننا نبكي معكم"
توشحت عناوين الصحف الألمانية بالسواد وألوان الحداد لهذه الهزيمة، إذ كتبت صحيفة "بيلد" الواسعة الانتشار تحت صورة كبيرة للمدرب يورغن كلينسمان وهو يفترش الأرض وواضعا رأسه بين يديه، وأخرى لقائد المنتخب ميشايل بالاك والدموع تنهمر من عينيه، "إننا نبكي معكم". وفي محاولة منها لشد أزر اللاعبين والشد علي آياديهم والرفع من معنوياتهم تابعت صحيفة "بيلد" واسعة الانتشار قولها: "إنكم في كل الأحوال أبطال. خسارة. أيها الشباب. قاتلتم كأبطال العالم، لكن الإيطاليين كانوا بكل بساطة أفضل في اللقاء."، مضيفة "ما ظهر في الأيام الأخيرة سيبقى. الألمان اكتشفوا من جديد حبهم لبلدهم ولمنتخبهم. سيبقون كذلك إلى الغد طالما أن هذا المنتخب موجود".
وفي السياق ذاته، قالت صحيفة "برلينر تسايتونغ" "إن الحلم انتهى"، وعلقت "تاغيس شبيغل" من جهتها بالقول: "لقد انتهى.. ويبقى لنا القلب". وفي لغة هي الأقرب إلى الرثاء ولحن الوداع الأخير، كتبت صحيفة "سودويتش تسايتونغ" المعروفة برصانتها والصادرة في ميونيخ: "سقط من سابع سماء (عليائه). انتهت الرحلة الرائعة إلى النجوم. انكسرت بتسديدة أرضية جافة في الدقيقة 119 من قدم فابيو غروسو. تبعها هدف ثان لا يقل حساسية". ولكن من ناحية أخرى، كانت قراءة صحيفة "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ" للحدث فيها نوع من التفاؤل بمستقبل مشرق للكرة الألمانية رغم الخسارة، فقد قالت:"إن كرة القدم الألمانية كسبت في الأسابيع الأخيرة رشاقة لم نكن نتوقعها، وكذلك أفقا جديدا. إن عدم الاستفادة من هذا التطور مستقبلا سيشكل خسارة أكبر من الهزيمة في نصف النهائي، سواء بقي كلينسمان أم رحل".
مصير كلينسمان
بدا مدرب المنتخب الألماني في وضع كئيب وهو يتحدث عن خسارة منتخبه، كيف لا وقد كانت الآمال عريضة والطموحات كبيرة بتحقيق النصر وفك السحر والنحس الذي ظل ملازما للقاءات ألمانيا مع إيطاليا. وفي معرض تطرقه للخسارة قال: "لقد تجرعنا مرارة الهزيمة". ومن ناحية أخرى ورغم الخسارة فقد أشاد كلينسمان بأداء لاعبي المنتخب وأنّه" في غاية الافتخار بهم." كما أوضح المدرب بأن هذه هي الكرة القدم "فليست دائما كلها فوز، فهناك الخسارة أيضا." وأعرب كلينسمان عن اعتزازه بالجمهور الألماني الذي قدم كل إسناد للفريق في كل محطاته، فكان رافدا مهما في تعزيز المنتخب وتقديم كل أشكال الإسناد المعنوي للفريق. وفي معرضه حديثه عن مباراة القادمة على المركز الثالث، أوضح أنّه سيذهب إلى المباراة بكل جاهزية واستعداد وانّ نتيجة المباراة لن تؤثر على أدائنا "وسننهي المهمة بكل نجاح".
ويبقى السؤال مفتوحا إذا ما كان سيواصل كلينسمان مشواره مع المنتحب، حيث أوضح أنّه لم يتخذ قرارا بهذا الشأن بعد وأنه يحتاج إلى مزيد من الوقت لتقدير الموقف والخروج بقرار يتناسب وحجم المهمة والمسؤولية، إذ قال:" أحتاج إلى مزيد من الوقت وسأتشاور في هذا الأمر في الأسابيع القادمة مع زوجتي"، مضيفا " أنا شخصيا لا أدري ما إذا كنت سأستمر في منصبي أم لا، فأنا بحاجة إلى بعض الوقت لأهضم كل ما حصل خلال هذه البطولة وفي السنتين الماضيتين". يذكر أنّ كلينسمان يعيش في ولاية كاليفورنيا الأميركية وهو متزوج من أمريكية. ومن ناحية أخرى فقد تداولت تقارير صحفية أنباء مفادها أنّ مفاوضات أولوية للاتحاد الاميركي لكرة القدم قد بدأت مع كليسنمان من أجل تدريب منتخب الولايات المتحدة وقيادته خلال مونديال جنوب إفريقيا عام 2010، الأمر الذي نفاه كلينسمان بشدة في الأيام الأخيرة.
القيصر يدعو إلى بقاء كلينسمان
ويتمتع كلينسمان بشعبية واسعة داخل المجتمع الألماني على الرغم من الاحتجاجات التي واجهها في بداية تشكيله للفريق وكذلك مني المنتخب بخسائر فادحة في العديد من المباريات، إلا أن حجم الإنجازات التي حققها وقدرته على بناء فريق بهذ الروح العالية من الديناميكية والتناغم أسكت هذه الأصوات، بل أخذت المزيد منها تتعالى لدعوته للبقاء على رأس الفريق وإكمال مسيرة البناء التي وضع حجر أساسها مع المنتخب.ففي هذا السياق ، كان القيصر بكنباور من أول الداعين إلى استمرار كلينسمان في منصبه لأنه يقوم "بعمل ممتاز" ، حسب قوله.
وعن بعض التكهنات حول من يخلف كلينسمان في حال عدم استمراره في منصبه، فإن الاتحاد المحلي قد يسند المهمة إلى مساعده يواكيم لوف الذي اعتبره كلينسمان بأنه يملك الخبرة الكافية لخلافته وقال "بلا شك، يواكيم لوف يستطيع أن يخلفني في تدريب المنتخب، فهو يملك خبرة كبيرة في مجال التدريب ويتفوق علي من الناحية التكتيكية". وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ للوف سبق وأن اشرف على تدريب أندية شتوتغارت الألماني وفنربغشه التركي واوستريا فيينا النمساوي قبل أن يعين مساعدا لكلينسمان.
كولر:"استطعتم أن تكسبوا أصدقاء جددا لألمانيا في الخارج"
حظي المنتخب الألماني خلال فترة المونديال بكثير من الدعم ليس على المستوى الشعبي فحسب، بل على المستوى الرسمي أيضا. وفي هذا الإطار، فقد حرصت قيادات الصف الأول السياسية على حضور مباريات المنتخب بشكل شخصي مثل المستشارة ميركل ورئيس الجمهورية كولر وقادة الأحزاب السياسية. ففي كثير من المشاهد بدا الانفعال على وجوه الساسة، لاسيما المستشارة التي أظهرت أنها ليست سياسية فحسب، بل لها نصيب في الرياضة وانفعالاتها.
وعقب مباراة المنتخب أمام إيطاليا التي تابعها كل من المستشارة والرئيس بشغف وحماس حيث كانت النتيجة على عكس ما يتمنى، توجه الرئيس كولر إلى كلينسمان ولاعبي المنتخب مخاطبا إيّاهم:" لقد رسم منتخبنا صورة مشرفة وأصبحت لديه إطلالة جديدة واستطعتم أن تكسبوا أصدقاء جددا لألمانيا في الخارج." وعن تفاؤله بمستقبل مشرق للمنتخب قال كولر: "أنا متأكد أنّكم في بطولة أوروبا ستحققون إنجازا رائعا." وكذلك عبرت المستشارة ميركل عن أملها بمستقبل ايجابي للمنتخب بقولها" خسارة. لقد كانت مباراة رائعة ولكن الحظ لم يحالفنا، ولكن يمكن لهذا الفريق تحقيق إنجازات كبيرة."