فرنسا – انتخابات رئاسية يخيم عليها شبح الإرهاب
٢٢ أبريل ٢٠١٧فرنسا في حالة حداد وحزن، عقب الهجوم الذي أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي مسؤوليته عنه. مرة أخرى يضرب الإرهاب فرنسا. كان المساء قد حل، عندما قاد رجل سيارته عبر جادة الشانزليزيه الشهيرة، قبل أن يتوقف ويغادر السيارة. فتح النار من سلاحه الأوتوماتيكي على سيارة للشرطة، قتل شرطيا وجرح اثنين آخرين. سيدة ألمانية كانت من بين المارة وقتها، أصابتها رصاصة في قدمها. والرعب انتشر في المكان.
المدعي العام في باريس، فرانسوا مولينس، صنف الهجوم على رجال الشرطة على أنه "عمل إرهابي". وفي موقع الاعتداء تم العثور على ورقة عليها كتابة بخط اليد، سقطت على الأرجح من حقيبة كريم ش. وفيها يدافع عن تنظيم "داعش"، كما يذكر المدعي العام، والذي أكد أن كريم لم تظهر عليه أي علامات للتطرف في السنوات الماضية في السجن، بعد أن أدين أكثر من مرة بارتكاب جرائم مختلفة. والآن يجري التحري عن كيفية حصوله على سلاح الكلاشينكوف، وهل هناك أشخاص ساعدوه في ذلك.
تحديدا هذا السيناريو هو ما أرادت الدوائر الأمنية الفرنسية منعه بأي شكل، قبيل الانتخابات، كي لا يشعر أحد بالخوف من التوجه إلى مراكز الانتخاب يوم الأحد (23 نيسان/ أبريل) "كان واضحا أن تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية يسعى لزعزعة استقرار البلاد خلال الانتخابات"، كما يرى سيباستيان روشيه، الخبير الأمني في معهد غرينوبل للدراسات السياسية. "السلطات كانت تتوقع ذلك".
حالة تأهب
كان من الواضح، قبل الاعتداء في الشانزليزيه، أنه سيتم تعزيز إجراءات الأمن عشية الانتخابات. أكثر من 50 ألف شرطي ينتشرون في عموم أرجاء فرنسا، يساعدهم 7000 جندي من وحدة مكافحة الإرهاب في الجيش الفرنسي. حالة الطوارئ مازالت مفروضة في فرنسا. فمنذ الاعتداءات في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس، وسلطات الأمن تتمتع بصلاحيات خاصة، بحيث يمكنها مثلا فرض إقامة جبرية على مشتبه بهم، أو إغلاق أماكن عامة لفترة مؤقتة، دون قرار قضائي.
في بداية الأسبوع بدا الأمر وكأن قوات الأمن الفرنسية مسيطرة على الأمور. فقد تمكنت الشرطة في مرسيليا من السيطرة مبكرا على رجلين مشتبه بتخطيطهما لهجوم إرهابي. وعند تفتيشها لشقة سكنية عثرت الشرطة على أسلحة ومواد متفجرة وراية لتنظيم "داعش". الرئيس الفرنسي أولاند تحدث عن نجاح مميز. وحتى الصحافة احتفت بالشرطة ونجاح عملها.
من ناحية بدا واضحا أن الشرطة تمكنت من منع حدوث هجمات إرهابية"، كما يرى سيباستيان روشيه، الذي يعقب بالقول: "ولكن من ناحية أخرى، من غير الممكن السيطرة على الإرهاب بشكل كامل. هناك ببساطة آلاف الأهداف (التي يمكن أن يضربها الإرهاب): مدارس، بارات، مطارات، ولا يمكن تأمينها كلها". كما يلفت الخبير الأمني إلى مفارقة في مجال محاربة الإرهاب: "الشرطة والجيش صارت هي أيضا هدفا للهجمات الإرهابية. كلما زاد عدد عناصر الشرطة في الشوارع، كلما زاد عدد الأهداف للإرهابيين". في هذا العام فقط يتم استهداف الشرطة للمرة الثالثة من قبل الإرهابيين.
الهجمات التي ضربت أوروبا خلال العام المنصرم أظهرت ما يلي: بغض النظر عن الحزم والصرامة التي تنتهجها الدول في مكافحة الإرهاب، سيبقى هناك دائما جذوة للشعور بانعدام الأمان. الإرهاب أمر لا يمكن السيطرة عليه بشكل كامل.
"فقط الاحتفاظ بالهدوء"
ومع ذلك يحاول المرشحون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية أن يظهروا، في هذه الأيام والساعات الأخيرة قبل موعد الانتخابات، أكبر قدر من الحزم. وبينما كان المهاجم في الشانزليزيه يطلق النار، كان المرشحون الأحد عشر يجيبون على أسئلة الصحفيين للمرة الأخيرة. وعندما وصل نبأ الهجوم إلى أستوديو القناة الفرنسية الثانية، عبر المرشحون بداية عن تعازيهم وتعاطفهم مع رجال الشرطة، قبل أن يحذر مرشح أقصى اليسار، جان لوك ميلونشون، طالبا من الجميع "التحلي بالهدوء، وعدم وقف العملية الديمقراطية. إنها واجبنا أن لا نقع في فخ هجوم انفعالي".
ولكن فجأة قفز موضوع الإرهاب إلى صدارة الاهتمام، طاغيا على المواضيع الأخرى. وقبل لحظات من إغلاق باب الحملة الانتخابية منتصف ليل الجمعة، استغل المرشحون الوقت لإظهار قدراتهم في التعامل مع الموقف، فيما لو كانوا يتولون سدة الحكم.
الجمهوري فرانسوا فيون طالب مجددا بأسلوب أكثر صرامة مع الأشخاص "الخطرين المعروفين مسبقا"، وكذلك "الخطباء المتشددين". أما زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة لوبن فقد كررت موقفها بالقول: "يجب على فرنسا مغادرة منطقة شينغن للتنقل الحر، وإغلاق الحدود، ومنع تدفق المهاجرين بشكل غير منظم".
ومؤخرا تراجعت لوبن قليلا في استطلاعات الرأي. معاهد استطلاع الرأي ترى اليساري الليبرالي إيمانويل ماكرون في المركز الأول بـ24 %، متقدما على الشعبوية لوبن التي تحظى بـ21 إلى 22 %. يليهما المحافظ فيون، ولديه 20 %، ثم مرشح اليسار ميلينشون وله 19 %. يذكر أن صاحبي المركز الأول والثاني في انتخابات الأحد سيتأهلان إلى الجولة الثانية والحاسمة التي ستقام في السابع من مايو/ أيار المقبل.
من الرابح من الإرهاب؟
هل سيساهم الاعتداء الإرهابي على الشرطة في خلط الأوراق قبيل الانتخابات؟ هذه الخشية عبرت عنها نائبة رئيس البرلمان الأوروبي، إيفيلين غيبهارت، في حوار إذاعي. الاعتداء يصب بالدرجة الأولى في مصلحة لوبن، برأي السياسية من الحزب الاشتراكي الديمقراطي. ولكن الأمور لا تحل على طريقة لوبن، والانعزال وإغلاق الحدود لن يجلب شيئا، برأي غيبهارت.
بيير فيمو يعمل كخبير بالشؤون الفرنسية في معهد كارنيغي في بروكسل. ويرى بدوره أن هذا الهجوم قد يكون فعلا مؤثرا لصالح مرشح معين. وفي هذه الحالة فإن "فيون هو المستفيد". فهذا السياسي الجمهوري "لديه خبرة طويلة ويظهر وكأنه قادر على التصرف كرئيس".
وماذا يعني ذلك للمرشح ماكرون؟ يجيب فيمو بالقول: "قد يظهر كشاب صغير في السن ولا يمتلك المعرفة الكافية لقيادة حكومة".
ورغم ذلك فإن الهجوم الأخير لن يمنع الفرنسيين من اتخاذ القرار، برأي الخبير الأمني روشيه الذي يختم بالقول: "الناس يودون الذهاب للإدلاء بأصواتهم. يريدون عدم إظهار أي خوف. وإلا فإن الإرهاب سيكون قد انتصر".
نينا نيبرغال/ ف.ي