فيرغسون في ألمانيا ـ العنصرية والشرطة الألمانية!
٢٨ نوفمبر ٢٠١٤حين تقوم الشرطة بالتحقيق في أحداث عنف فإن أنظارها تتوجه فورا إلى أشخاص من خلفية مهاجرة من روسيا. وعند تحقيق الشرطة في جرائم السطو والسرقة تتجه أنظارها أيضا إلى أشخاص من أوروبا الشرقية. وإذا ما كانت هناك تحقيقات ترتبط بالجنايات الخاصة بقوانين الإقامة، تبدأ الشرطة بحثها عن أشخاص ببشرة سمراء. وعند القيام بمهمات مراقبة حركة السير يقع اختيار أفراد الشرطة كثيرا ما على سائقين، توحي سحناتهم أنهم ينحدرون من بلدان الجنوب.
إنها سلوكيات نمطية لاحظها بعض أفراد الشرطة بأنفسهم من خلال استطلاع لإحدى الدراسات. ويؤكد هؤلاء أنهم يلجؤون إلى مثل تلك السلوكيات بسبب الضغوط الكبيرة عليهم للتوصل سريعا إلى قرارات.
وفي ألمانيا هناك على ما يبدو نمط عمل يشبه ما حدث في بلدة فيرغوسون الأمريكية، كما يتضح ذلك من خلال التحقيقات الخاصة في سلسلة أعمال قتل مواطنين أجانب في ألمانيا على مدى سنوات طويلة، والتي قامت بها خلية إرهابية تابعة لمنظمة يمينية سرية متطرفة تعرف اختصارا بـ "NSU". وكانت المباحث الجنائية الألمانية تعتقد أن مجموعات إجرامية تركية تقف خلف سلسلة أعمال القتل هذه، بل إن المحققين اشتبهوا في قيام أقارب الضحايا بأعمال القتل، حيث إن السلطات الأمنية "لم تكن لتتصور قيام متطرفين يمينيين بمثل تلك الأعمال"، كما أكد رئيس المكتب الاتحادي لمحاربة الجريمة يورغ تسيكي بذهول.
مزاعم لا أساس لها من الصحة !
في هذه الأثناء يؤكد رئيس نقابة الشرطة الاتحادية راينر فيندت في حديث مع DW أنه "ليس هناك من مواقف عنصرية داخل الشرطة". ويرى فيندت أن ما حدث من أخطاء في التحقيقات الخاصة بمنظمة NSU اليمينية السرية المتطرفة وما قامت به من أعمال قتل تعود إلى أخطاء سياسية وإلى عدم تبادل المعلومات بين عدد من الأجهزة الأمنية بشكل جيد. ويضيف قائلا: "اعتبرت كل النخب السياسية في ألمانيا على مدى عقود، أنه لم يعد هناك في ألمانيا يمين متطرف، وأنه لا يمكن حدوث ذلك"، فكان من الصعب على السلطات أن توضح للمسؤولين السياسيين وجود مشاكل مع اليمين المتطرف. ويضيف رئيس نقابة الشرطة قائلا: "لا علاقة لذلك بالمواقف النمطية أو بالتوجهات العنصرية للشرطة".
أجهزة الشرطة تخضع حقا للوزارة وتنفذ ما أسند إليها من مأموريات بالكامل، وقد يؤدي ذلك إلى القيام بكل ما يمكن للابتعاد عن كل الشبهات الخاصة بالمواقف العدائية تجاه الأجانب. ففي ولاية فيستفاليا شمال الراين، وهي أكبر ولاية ألمانية لا توجد إحصاءات رسمية علنية تفرق بين مرتكبي الجرائم الألمان والأجانب. ويبدو أن مثل هذه الإحصاءات غير مرحب بها لدى الائتلاف الحاكم الحالي في الولاية.
أحكام مسبقة
ورغم ذلك هناك نوع من الانحياز في ترتيب المواقف لدى الشرطة، بحيث يجب العمل على إعادة تقييم ذلك خصوصا بالنسبة لأفراد الشرطة الناشئين حتى لا يقعوا في فخ التقييم النمطي. وفي هذا السياق قامت أكاديمية الشرطة في ساكسونيا السفلى بدراسة حول تجارب الشرطة مع موضوع الأحكام المسبقة تحت عنوان "التأهيل المتعدد الثقافات للشرطة". وكشفت أستريد ياكوبسن المشرفة على الدراسة في حوار صحفي عن وجود مواقف نمطية لدى أفراد الشرطة، كما هو الأمر لدى المجتمع الألماني. وأشارت إلى أن السبب في ذلك يعود إلى انحدار أغلبية أفراد الشرطة من الشرائح الاجتماعية المتوسطة في ألمانيا. وهي الشريحة التي تنتشر فيها الأحكام المسبقة، وتلعب فيها المخاوف المجتمعية دورا كبيرا.
تبعات سيئة
ما حدث في ولاية رينانيا ـ البلاتينات (راينلاند – بفالتس) الألمانية يشكل أحد الأمثلة المرتبطة بالتحفظات والأحكام الخاطئة تجاه أشخاص من إثنيات مختلفة. فبعد الأخبار عن عملية في منزل لإحدى الأسر حضر أفراد الشرطة وألقوا القبض على الأب التركي معتبرين أنه مسؤول عن استخدام العنف الأسري. إن ذلك يوضح طريقة التفكير لدى أفراد الشرطة الذين لم يفرقوا بين المذنب والضحية، فقط لأن الرجل أمامهم تركي.
وأوضحت إحدى دراسات الاتحاد الأوروبي اعتمادا على وثائق أمنية، أن الأشخاص ذوي الملامح الأجنبية يكونون بشكل أكبر عرضة للتفتيش عن أوراقهم الثبوتية من طرف شرطة الحدود في محطات القطار والمطارات. مثل هذا التعامل يقوي لدى العموم بعض المشاعر السلبية تجاه أشخاص من ثقافات أخرى، كما جاء في انتقادات لمنظمة العفو الدولية ومعهد حقوق الإنسان.
مهاجرون في أجهزة الشرطة
وتسعى أجهزة الشرطة الألمانية إلى العمل على تقوية القدرات الخاصة بتعددية الثقافات وتوصيلها باستمرار إلى العاملين في قطاعاتها، كما يشير رئيس نقابة الشرطة راينر فيندت، إلى أن القدرة اللغوية والوعي الثقافي للمهاجرين في خدمات الشرطة تشكل بالنسبة للأجهزة الأمنية عنصرا مهما لا يقدر بثمن. ويضيف المتحدث: "نحن نساند هذا التوجه".
وفي هذا السياق يمكن لأكاديمية الشرطة في ساكسونيا السفلى الحديث عن بعض النجاح بهذا الشأن. ففي بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2014 بدأ 670 شرطيا وشرطية تأهيلهم المهني من خلال الدراسة على مدى ثلاثة أعوام. من بين هؤلاء 88 طالبا وطالبة من خلفية مهاجرة، أي بمعدل 13.1 بالمائة. وتسعى الأكاديمية إلى رفع عدد هؤلاء من خلال إعلانات على موقعها الإلكتروني.