فيلسوفة أمريكية: "الديمقراطية الأمريكية في خطر!"
١٨ نوفمبر ٢٠٢٠بعد أسبوعين على إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يقف المنافس الديمقراطي جو بايدن كفائز، وبالرغم من ذلك حصل دونالد ترامب على أصوات ناخبين أكثر مما كانت عليه النتيجة قبل أربع سنوات. الاقتراع الأخير يثير الكثير من التساؤلات. والسؤال الملح هو كيف هو حال الديمقراطية الأمريكية داخل المجتمع الأمريكي المنقسم؟ هل هي تقوى على الحوار؟
"أراهن على الوطنية الدستورية الأمريكية"، كما يقول المؤرخ الألماني هاينريش أوغوست فينكلر. ويرى الولايات المتحدة في أزمة اجتماعية عميقة بسبب مخاوف الإحباط لدى شريحة من السكان. وحتى في حال إعادة انتخابه لما نجح ترامب في تلميع مؤسسات الديمقراطية، كما يعتقد. "والاقتراع كشف أيضا"، كما يقول فينكلر في حديث مع إذاعة المانيا بأن "الديمقراطية الأمريكية تعيش".
وحسب تقدير الخبير السياسي الأمريكي دانييل زيبلات، مؤلف كتاب "كيف تموت الديمقراطيات" تعاني ثقافة الحوار في الولايات المتحدة من "انهيار طويل للاعتراف المتبادل". وفقط تعديلات قانونية من شأنها المساعدة في مجابهة هذا التطور:" المعايير هي نوع من الدرابزين المرنة"، كما قال زيبلات في حديث مع صحيفة تاغسشبيغل البرلينية، و" إذا لم تكن تلك الدرابزينات المرنة كافية، فنحتاج إلى أخرى أكثر صلابة، أي قوانين وربما تعديلات دستورية لتحديد المجال السياسي".
ودانييل زيبلات يدرس في هارفارد وسيصبح ابتداء من 2021 "زميلا" في المعهد الجديد في هامبورغ الذي يُعنى بالتغيرات البيئية والاقتصادية والسياسية داخل مجتمعنا. ونفس القضايا يعتني بها منتدى آينشتاين في بوتسدام. مديرته سوزان نايمان تتمعن في حديث مع دويتشه فيله في النتيجة الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية.
DW: الأستاذة نايمان هل تعتقدين أن نتيجة الانتخابات الأمريكية كانت جيدة؟
ليس بما يكفي. لم أتوقع أن 71 مليون أمريكي الذين عايشوا هذه الفرجة من ترامب طوال أربع سنوات يريدون مشاهدتها مرة أخرى. هؤلاء الـ 71 مليون كانوا صدمة. وحتى الوضع داخل الكونغرس يبقى صعبا للغاية. وكاد هذا الرجل الذي وصفه أوباما بالفاشي أن يحصل على أربع سنوات إضافية. فالعالم برمته كان سيعاني من ذلك. وعلى هذا النحو كانت النتيجة جيدة، لكن ليس بما يكفي.
ألا تعكس النتيجة لاسيما الانقسام العميق للبلاد التي تعاني أيضا من وباء؟
نعم بالطبع. والحملة الانتخابية كانت صعبة للغاية بسبب الوباء. والكثير من الديمقراطيين الذين ينزلون في العادة إلى الشوارع ويقرعون كل باب لم يخرجوا. والجمهوريون لم يلتزموا في المقابل بأية قواعد نظافة. فالفجوة بين الديمقراطيين والجمهوريين توسعت.
والآن تتقابل شريحتان من السكان العنيدين. فماذا ينقص في ذلك؟
إصلاحات جذرية، كما أخشى. ويتعلق الأمر بالعديد من الإصلاحات. فمثلا نظامنا الانتخابي، كما بينت هذه الانتخابات قديم بمائتي عام. فهناك حاجة ماسة لإصلاحات اجتماعية تكون بديهية بالنسبة للأوروبيين وتبدو في الآذان الأمريكية خيالية. ولا أثير هنا حتى التأمين الصحي للجميع. ففي الولايات المتحدة ـ ما لا يعرفه الكثير من الأوروبيين ـ العطلة المرضية غير واردة. فحتى في الوباء الناس مجبرون على العمل حتى ولو كانوا مرضى، لا يحصلون على يوم عطلة. والأشخاص الأفقر أكانوا عمال البريد أو موظفي مطعم لا يقدرون على دفع إيجارهم. وللأسف يرفض الكثير من الأمريكيين كل ما يبدو إصلاحيا أو من قانون العمل كأمر اشتراكي، علما أننا نحتاج بإلحاح لهذا النوع من الإصلاحات. ليس هناك بلد صناعي يوجد في هذا الوضع السيء مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
نصف الأمريكيين يشعرون بأنهم مهمشين من العولمة ومن التقدم ومن النخبة السياسية في البلاد. هل هي كذلك فعلا؟
إنها أسطورة: الناس الذين رأيناهم في التظاهرات الانتخابية التابعة لترامب، ظهروا فقراء وغير متعلمين وفي الغالب أصحاب بدانة ولهم أسنان سيئة ـ إنهم بالفعل مهمشون. لكن ناخبي ترامب الآخرين لهم دخل جيد، بل حتى تعليم جامعي. وهم انتخبوا ترامب لأنهم يملكون سندات. فالوضع كان جيدا في البورصة أيام ترامب.
النصف الآخر من الناخبين يرى في ترامب تجسيدا للشر وفي مسانديه نوعا من منكري الواقع. هل هذا الأفق صحيح؟
نعم قد يُوجه إلي الانتقاد بأنني متحيزة. لكن أن يكون ترامب غير قادر على الاعتراف بمعايير وقيم، فهذا رأيناه طوال أربع سنوات. وهذا بدا أكثر وضوحا عندما أهان الجنود الأمريكيين الذين سقطوا في الحرب العالمية الأولى. وفي الحقيقة كنت أعتقد بأن ذلك سيكسر رقبته سياسيا. فقذف هؤلاء الذين سقطوا بأنهم " معتوهين وخاسرين" يُعتبر في أمريكا ازدراء. لكن هذا يكشف بالتحديد نظرته للعالم، فهو لا يعرف شيئا سوى المصلحة الذاتية المادية. وهو لا يفهم بأن الناس قد يتحركون بدوافع أخرى. والأدهى هي أساليبه الفاشية: نشر نظريات المؤامرة في العالم وشيطنة الصحافة كصحافة أكاذيب وسوء استغلال العدالة لصالح مشورته القانونية الخاصة، وشيطنة كل شكل من التعاون وحشر رجال شرطة ضد أشخاص يتظاهرون سلميا، كل هذه أساليب فاشية. وإلى هذا يجب القول بأن الرجل وصف النازيين "بأنهم أناس معقولين". إذا لم يكن هذا شرا، فلا أدري ما هو الشر.
هل تموت الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية؟
أنا فيلسوفة ولست نبية وبالتالي بإمكاني فقط القول بأن الديمقراطية في خطر. والأمل أستمده من حركات القاعدة الكثيرة، وفي مقدمتها حياة السود مهمة، أكبر حركة اجتماعية في تاريخ أمريكا. فعلى إثرها يقول اليوم 75 في المائة من الأمريكيين "العنصرية المنهجية مشكلة كبيرة". إذن شيء ما يتحرك. والسؤال هو ببساطة ماذا بوسعنا أن نفعل ضد هذا النظام الانتخابي غير الديمقراطي. وتبقى هنا أمور مفتوحة.
الفجوة ماتزال قائمة، فمن أين ستأتي المصالحة؟
الضغط من تحت سبق وأن حرك الكثير في التاريخ الأمريكي، في حركة الحقوق المدنية والحركة النسوية. والسؤال هو هل يمكن تجميع هذه الحركات في حركة وطنية واحدة لا تتحدث فقط عن الهويات، بل أيضا عن القيم. والكثير من الشباب يعترفون كيف أن الليبرالية الحديثة تدمر مستقبلهم. فعلى المدى المتوسط أرى إذن بعض الأمل. لكن الوضع ما يزال سيئا.
في كثير من البلدان تنمو الشعبوية ـ بنفس الآليات الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية؟
ليس متطابقة. فكلمة الشعبوية تمثل إشكالية، لأنها غير معرَفة. لنكن صرحاء في المجر أو بولندا ذلك هو يمين متطرف واضح. فالقومية أو الأفضل القبلية تبدو دوما الحل الأسهل. إنه من السهل دوما توجيه الأصابع إلى الآخرين عندما توجد مشاكل. لا للهجرة ولا للغرباء وإلى آخره. وإلى ذلك تضاف العولمة التي تعطينا الشعور على حق بأن الديمقراطية لا تعمل بشكل جيد. ولا نعرف من يتحكم في مقاليد السلطة. ليس زعماء الدول من يتحكمون في العالم، بل كثير من السلطة في أيدي الشركات المتعددة الجنسيات. في جميع أنحاء العالم، أكان ذلك في سنغافورة أو في أمريكا الجنوبية يوجد نفس التوجه ـ ضد العولمة ولصالح التقاليد الذاتية. وهذا التراجع مفهوم أيضا.
هل ماتزال الديمقراطية نموذج مستقبل؟
نعم لكن تحت شرط واحد. ولا أعرف هل ذلك واقعي ـ يعني أن نستثمر ما يكفي من الموارد في التعليم. وبهذا لا أعني فقط المدارس والجامعات، بل لا سيما وسائل إعلام عامة منفتحة، لأنها جوهرية بالنسبة إلى الديمقراطية. وإلا يمكن لنا نسيان الديمقراطية.
+ الفيلسوفة الأمريكية سوزان نايمان تدير منذ عام 2000 منتدى آينشتاين في بوتسدام، مؤسسة من القطاع العام وموقع للتبادل العلمي الدولي.
أجرى الحوار شتيفان ديغه