في ألمانيا.. كيف يحصل من لا يملكون تصاريح إقامة على علاج؟
١٩ يونيو ٢٠٢٢"زيارة طبيب الأسنان هي حلم بالنسبة لي" هذا هو حال فريد مندي الذي يعيش على المسكنات "لدي ألم شديد في أسناني، آلمهم لا يطاق ولكن لا يوجد لدي حال آخر". منذ عام 2015 يعيش الشاب الجزائري في ألمانيا. لا يملك تأمين صحي ولا يوجد لديه تصريح إقامة نظامي، وهو مطالب بمغادرة ألمانيا منذ سنوات والعودة إلى بلده. إصراره على البقاء في ألمانيا دفعه للاختفاء حسبما يؤكد في أحد تصريحاته "إنه أفضل من العودة إلى الجزائر".
مرة واحد فقط في ألمانيا، تمكن فريد من زيارة طبيب الأسنان. ساعده في ذلك مجموعة "ميدي نتز" وهي مبادرة تطوعية تساعد أولئك الذين لا يمكنهم الحصول على الرعاية الطبية في ألمانيا لعدم امتلاكهم تصاريح إقامة قانونية. يقوم العاملون في هذه المبادرة بالتواصل مع أطباء متطوعين لعلاج المرضى مجاناً، يعتبرون أن ذلك ضرورة إنسانية.
المساعدات الطبية الحكومية للمقيمين في فرنسا بشكل غير قانوني...بين الشائعات والمعلومات الخاطئة!
أوفه.. طبيب المحتاجين!
من بين هؤلاء الأطباء الطبيب أوفه دينكر، فالطبيب المتقاعد رسمياً منذ 16 عاماً لم يفكر يوماً بالتقاعد كلياً "لا يمكنني التخلي عن مرضاي" يقول الطبيب البالغ من العمر 84 عاماً. في غرفة خصصها لعلاج المرضى الذين لا يملكون تأميناً صحياً، يعالج أوفه مرضاه.
قبل 12 عاماً أطلق أخصائي الطب العام وطب الأطفال عيادة باسم "عيادة بدون حدود". منذ ذلك الحين عالج أوفه أكثر من 2000 مريض. هدف أفه من هذه العيادة هو تمكين أولئك الذين لا يملكون تأمينا صحياً من الحصول على العلاج مجاناً. "أصل فكرة العيادة كان علاج الأشخاص المشردين ولكن تفاجئت بأنا اغلب مرضاي هم من الطبقة المتوسطة"، يقول أوفه في تصريح له لموقع بيلد.
وأشار أوفه إلى أن كثيراً من مرضاه هم أشخص لم يعد بإمكانهم دفع تكاليف التأمين الصحي فضلاً عن أن الكثير من اللاجئين الذين قدموا من أوكرانيا مؤخراً يترددون عليه كثيراً. في عيادة أوفه "عيادة بدون حدود" يوجد فريق متكامل مؤلف من خمسة أطباء و8 ممرضات من بينهم زوجة أوفه البالغة من العمر 82 عاماَ. يمكن للمرضى الوصول إلى أوفه في أي وقت عبر اتصال هاتفي "نحن فريق إطفاء متطوع خاص بنظام الصحة".
بفضل عمله الإنساني حصل أوفه على وسام الاستحقاق الفيدرالي تقديراً لالتزامه بعمله، كما تم تكريمه مؤخراً من نقابة الأطباء في ألمانيا. كل جوائز التقدير لا تعادل فرحته بقدرته على مساعدة الآخرين "امتنان مرضاي هو أكثر ما يجعلني أشعر بالسعادة".
أرقام مقلقة!
وفقاً لمكتب الإحصاء الفيدرالي، يعيش نحو 61 ألف شخص في ألمانيا بدون تأمين صحي. ورغم أن الإحصائيات تشير إلى أن الأشخاص غير الموظفين هم غالباً أولئك الذين لا يملكون تأميناً صحياً، إلا أن الخبراء يرون أن هذه الإحصائية ليست دقيقة بشكل تام. إذ يعيش الكثير من الأشخاص بدون تصاريح إقامة نظامية كحال فريد، وهؤلاء الأشخاص لا يمكن إحصاؤهم.
للوهلة الأولى يبدو الأمر ليس بكل هذه الخطورة، لكن بعد التدقيق، يتبين أن المجموعة التي يتم الحديث عنها ليست صغيرة، بل هناك أعداد كبيرة من الأشخاص الذين يعيشون بشكل غير قانوني في ألمانيا حسبما تؤكد ديتا فوغل، الباحثة منذ سنوات في شؤون الهجرة غير النظامية. فوفقا لآخر منشور لها عن عدد الأشخاص الذين لا يملكون تصاريح إقامة قانونية في ألمانيا والذي يعود إلى عام 2016، تم تقدير عدد الأشخاص الذين يقيمون بشكل غير نظامي في ألمانيا حتى عام 2014 بحوالي 520 ألف شخص كحد أقصى. إلا أن هذه الأعداد قد شهدت ارتفاعا كبيرا بعد موجة اللاجئين.
من هم الأشخاص الذين يقيمون بشكل غير قانوني؟
وفقا للمنظمات الإغاثية، تختلف الأسباب التي تجعل أشخاص يعيشون في ألمانيا يقيمون بشكل غير قانوني. فهناك الكثير من الشباب الذين يأتون إلى ألمانيا عبر إحدى دول تقع على البحر الأبيض المتوسط مثل اليونان وإيطاليا وتم تسجيلهم في هذه الدول، ويتوجب عليهم العودة إلى البلد الأول الذي دخلوا إليه. ما يدفع الكثيرين في هذه الحالة للاختفاء في ألمانيا أو اللجوء إلى الكنيسة. سبب آخر يعود إلى بقاء الكثير من الحاصلين على تأشيرات سياحية في ألمانيا رغم انتهاء تأشيراتهم السياحية. فضلا عن عدم مغادرة الكثير من طالبي اللجوء ألمانيا رغم رفض طلب لجوئهم.
وفقا للجمعية الاتحادية لمساعدة المشردين، يعيش نحو 237000 شخص بلا مأوى في ألمانيا، بعضهم يعمل في مجال البناء أو في الفنادق أو المطاعم أو في مجال خدمة المنازل الخاصة.
صحيح أن هناك جهود كثيرة تُبذل لدعم الأشخاص الذين لا يملكون تأميناً صحيا بسبب عدم امتلاكهم إقامة نظامية، إلا أن علاج هؤلاء الأشخاص يبقى محدودا.
علاج أسنان فريد أمر ضروري، ويتطلب ذهابه بشكل دوري إلى طبيب الأسنان. لكن ذلك لم يحدث "لو كان لدي وثيقة عدم ترحيل كان الأمر سيكون أفضل بكثير، فكل الأمور في ألمانيا تتطلب الحصول على أوراق".