قرية الغجر.. المكان الأكثر غرابة في صراع الشرق الأوسط
٢ يوليو ٢٠٢٣جمال الخطيب يفتح خريطة قديمة مصفرة يؤشر عليها ثم يشير إلى خدمة الخرائط عبر الإنترنت على هاتفه المحمول. "هنا، هنا، يمر الخط الأزرق، شماله يتم رسم ثلثي القرية. هنا تمتد الحدود التي تفصل بيننا". يهز جمال رأسه وينظر إلى الخريطة. خرائط غوغل موجودة بها الخط، وكذلك الخريطة - لكن في الواقع؟ جمال الخطيب يبتسم والسؤال الذي يطرحه يذهب بلا إجابة.
شمال الخط الأزرق، خط ترسيم الأمم المتحدة، حيث يقف جمال الخطيب حاليًا، هو في الواقع لبنان - على الأقل هذا ما تظهره الخرائط وخدمة الموقع على الهاتف الخلوي. لكن في الواقع يقف جمال الخطيب في قرية داخل إسرائيل. في قرية الغجر.
المجتمع الصغير، الذي يعيش فيه حوالي 2900 شخص اليوم، حوصر حرفيًا بين الجبهات في نزاع الشرق الأوسط وتم تقاذفه ذهابًا وإيابًا مثل كرة الطاولة "بينغ بونغ". بدأ كل شيء، كما يقول جمال الخطيب، في عام 1967 بعد حرب الأيام الستة.
بين ثلاث دول
الغجر - قرية صغيرة سكانها من الطائفة العلوية واقعة في ركن محاصر من ثلاث دول في الشرق الأوسط، وهي إسرائيل ولبنان وسوريا. ولم يرغب أحد بها بعد حرب الأيام الستة. وبنتائج عبثية، يصف جمال الخطيب، الذي يعمل مدرسًا رياضيًا بالإضافة إلى وظيفته كمتحدث باسم القرية.
ويضيف: "كنا دولة مستقلة لمدة ستة أشهر، بحدود مغلقة. لم يخرج أحد ولم يدخل أحد. كان هناك حظر تجول في القرية. من الساعة 6 مساءً حتى 6 صباحًا، وفي وقت ما نفد الطعام، وكان يفترض على شخص ما الاعتناء بنا. بعد ستة أشهر تلقينا قطعة صغيرة من الورق كانت تصريح دخول إلى إسرائيل والعمل هناك".
عندما انسحبت إسرائيل مما يسمى بالمنطقة الأمنية في جنوب لبنان في صيف عام 2000، كانت قرية الغجر على خط الجبهة مباشرة. في ذلك الوقت، رسمت الأمم المتحدة الخط الأزرق المذكور على الورق، الخط الأزرق، الذي يقسم القرية إلى شمال لبناني وجزء إسرائيلي جنوبي. الخط افتراضي، لأنه لا يمكن بناء حجارة وجدران حقيقية. واعترض مواطنو قرية الغجر عليه.
ويقول جمال الخطيب: "بدأنا في مراقبة الأمم المتحدة حيث كانوا سيضعون الخط. في الأول من يونيو/ حزيران، تلقينا رسالة تحذرنا من أن الأمم المتحدة في طريقها لوضع الحدود والقرية في جزأين، ثم استخدم الزعيم المحلي مكبرات الصوت لدعوة جميع القرويين للذهاب إلى البوابة الأمامية. تجمعت القرية بأكملها هناك. جاءت الأمم المتحدة ورأت حشدًا كبيرًا ولم تجرؤ على المضي قدمًا. مكثنا عند البوابة لمدة ستة أشهر. لقد مكثنا هناك. لم نسمح لأي شخص بالدخول".
خوفا من الانفصال عن أقاربهم في القرية، طلب المواطنون من السلطات الإسرائيلية السماح لهم بالبقاء في إسرائيل. ثم رفع الإسرائيليون السياج الحدودي مع لبنان شمال القرية. وفي الوقت نفسه، أغلق الجيش الإسرائيلي القرية بإحكام لأسباب أمنية. سُمح للسكان بمغادرة قرية الغجر للذهاب إلى العمل. منذ ذلك الحين، لا يمكنك الدخول إلا بتصريح خاص. أصبحت قرية الغجر قرية أشباح.
علي الخطيب وهو أحد أقارب جمال الخطيب، يصب لنفسه كوبًا صغيرًا من الشاي الحلو في الفناء الصغير لمنزله. لا يزال بإمكانه تذكر الوقت الذي شعر فيه الغجر بالخيانة من قبل العالم بأسره.
ويضيف: "لم نكن نعرف من نحن: هل نحن إسرائيليون؟ لبنانيون أم سوريون؟ لقد كانت فوضى كبيرة. أرادوا الانضمام مع لبنان. لذلك فكرت في ذلك الوقت: حسنًا فأنا لبناني الآن. ثم قالوا نحن ذاهبون إلى سوريا وظننت حسنًا أنني سوري، ولكن بعد ذلك قالوا إن إسرائيل تريد أن تبقينا ... وبعد ذلك في البداية لم نكن نعرف ماذا أو من نحن ولكن بمرور الوقت حصلنا على حقوق هنا في البلد، بدأنا في دفع الضرائب وحصلنا على هويتنا الزرقاء. وحيث كنت أعيش خارج القرية، بدأت أعرّف نفسي على أنني إسرائيلي".
في غضون ذلك، بدأ علي الخطيب حياته المهنية كطباخ في إسرائيل، مما جعله معروفًا هناك ومن ثم عمل في الخارج. ومع ذلك، عاد إلى قرية الغجر. بعد كل الاضطرابات، فتحت إسرائيل القرية الآن للزوار لبضعة أشهر.
يقول علي الخطيب إنه انتصار لقريته. ويضيف: "كل بضعة أشهر، يبدأ مشروع جديد. ثم استطعت أن أرى كيف ظهرت البنية التحتية والطرق والمحلات التجارية والنظام واللوائح. كانت القرية تبدو مختلفة تمامًا. كنا معزولين وبدون سياح. لا أقول إن الأمر كان سيئًا من قبل - لكننا الآن نشهد تحسنًا نحو الأفضل".
من منطقة معزولة إلى قبلة سياحية
ويتوافد السياح على القرية الصغيرة التي يرتدي سكانها الملابس الرائعة، حيث الشوارع النظيفة، والحدائق المُعتنى بها جيدًا. وأصبح السياح الإسرائيليون الذين يُسمح لهم الآن بالقدوم إلى القرية يزورون بشكل أساسي حديقة السلام - وهي حديقة صغيرة ذات مناظر طبيعية جميلة في وسط القرية.
وتقول إحدى السائحات "المكان نظيف ومحافظ عليه جيدًا مع جو رائع للغاية. وهناك شعور بالتعايش. تشعر أن المكان يعانقك. هناك شيء لطيف للغاية وأنيق ومريح في الهواء".
ويقول سائح آخر: "إنه مكان فريد حقًا. تم دفع قرية الغجر ذهابًا وإيابًا. من لبنان إلى سوريا، وأخيراً إلى إسرائيل. لكنهم الآن في المكان المناسب. وهم سعداء. قرية جميلة".
المتحدث باسم القرية جمال الخطيب يقف على شرفة منزله. على بعد أمتار قليلة من السياج الحدودي. ينظر من فوق السياج إلى الوادي، من إسرائيل إلى لبنان. وبين ذلك يوجد مبنى صغير للأمم المتحدة يضم قوات حفظ السلام من إسبانيا.
أين يرى مستقبله؟ فهل يفضل أن يكون في لبنان وخاصة أنه علوي وقريب من المذهب الشيعي؟ الجواب واضح: "لا. ليس لدي عائلة هناك. بمن أتصل هناك؟ عائلتي في سوريا وليست في لبنان".
ولد جمال الخطيب عام 1958 في قرية الغجر فيما كان يعرف آنذاك بسوريا. احتلت إسرائيل قريته في عام 1967 خلال حرب الأيام الستة وضمتها منذ عام 1981. وتعامل مع الوضع مثل معظم مواطني قرية الغجر. ومع ذلك، فهو لم يفقد الأمل في العودة إلى سوريا في وقت ما. يقول "إنه عندما يكون هناك سلام، كل شيء ممكن. إذا لم يكن الأمر كذلك، فالجميع يعرف ما يحدث".
جوليو سيغادور- راديو قناة (ARD) الألمانية - تل أبيب/ ترجمة: زمن البدري