قصَات شعرغريبة وولع بالنجوم يستهوي فئات من شباب الجزائر
١٧ نوفمبر ٢٠١٢تجاوز إتباع جديد موضة قص شعر الرأس عند الشباب الجزائري مجرد الظهور بمظهر لائق ومقبول، بل أصبح الاهتمام بالشعر وتسريحه وتقليد آخر التقليعات محورحياتهم اليومية في السنوات الأخيرة، وعملت تطورات التكنولوجيا وتقنيات الاتصال دورا كبيرا في توسيع نطاق اهتمام الشباب من الجنسين بعالم الموضة حيث امتدت إلى قرى الجزائر العميقة، وأصبح من الصعب التمييز بين شباب القرى وشباب المدن، فالجميع ينهلون من نفس النبع في تقليد قصات شعر مشاهير نجوم فرق الأندية الأوروبية لكرة القدم الموسيقى العالميين.
الشباب ينافسون المرأة تاجها
يؤكد محمد الحلاق بحي بلكور في الجزائرالعاصمة، أن شباب اليوم أصبح مهووسا بتقليد نجومهم في كل شيء، حتى وإن كان ذلك غير مألوف في مجتمعنا، "ويوميا يطلب مني زبائني الشباب قصات ورسومات غريبة الشكل، وفي أحيان كثيرة يأتون ومعهم صور لنجوم الكرة ويطالبوني بأن تكون قصاتهم مثلها أو بشعارات بعض الشركات العالمية". وأضاف انه رغم أن هناك من يطالب بقصات بعض الفنانين الجزائريين والأجانب، إلا أن نجوم الرياضة "تظل تقليعاتهم الأكثر غرابة وطلبا من طرف شبابنا"، ويضيف محمد لـ DW "قليل هم الشباب الذين يريدون قصات عادية، والأغلبية ينشدون التمييز بقصاتهم، وبعضهم ينافسون المرأة تاجها من شدة اعتنائهم بشعرهم".
هوس جزائري بالأندية الأوروبية
ويرى سفيان (16 سنة، تلميذ بثانوية)، أن من حق الشباب أن يساير عصره، وأن لا يعيش الفرد في جلباب أبيه، فلكل جيل ميزته واهتماماته والمظهر الذي يختاره، ويضيف سفيان الذي أختار لنفسه قصة اللاعب ميسي لـ DW " أنا أختار في كل مرة قصة لاعب من اللاعبين البارزين في الفريق الاسباني برشلونة، وأقوم بذلك تعبيرا على مدى عشقي لهذا الفريق ونجومه".
ويؤيد صلاح الدين (16 سنة) رأي زميله في القسم وغريمه في كرة القدم، ويقول مناصر فريق رَيال مدريد "أريد أن أؤكد للجميع أنني من أنصار ريال مدريد من خلال تسريحة شعري الشبيهة بقصة كريستيانو، هذا بالإضافة إلى أن القصة تعجبني وتميزني"، ويؤكد صلاح الدين لـDW بأن الكثير من الأشخاص يستغربون ويستهجنون قصة شعري "لكني لا أبالي بهم، فتسريحة شعري موهبتي التي أتفنن في ممارستها، ورسالة إعجابي بالريال".
للحلاقة اختصاصات
ويقر عبد الحكيم الحلاق ببرج الكيفان، أن موضة تقليد نجوم الكرة والموسيقى في الجزائر تستقطب كل يوم الشباب من مختلف الأعمار والطبقات بما فيها أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة رغم تكاليف قصها والعناية بها المرتفعة بالنسبة لهم، ويضيف حكيم في حديث لـ DW "هناك من الزبائن الذي يتردد على المحل كل خمسة عشر يوم ويطالب بقصة جديدة لرياضي أو نجم من نجوم موسيقى الراب".
ويرى حكيم أن كل نوع من قصات الشعر أصبح لها محترفوها في الجزائر، حيث يوجد حلاق خاص بتقليعات "ديفيد بيكهام" وآخر بـ "فرناندو طوريس" وثالث بــ"رنالدو"، وهكذا أصبحت محلات الحلاقة تتفنن في تقليد قصات لاعبي الكرة فاشتهرت بها.
لكل زمن رموزه
ولا يقتصر هووس الشباب الجزائري بقصات نجوم كرة الأندية الأوروبية فقط، بل يمتد إلى بعض نجوم الفريق الوطني الجزائري الذين اشتهروا بقصاتهم الغريبة، حيث لا تزال تقليعة حارس المرمى فوزي شاوشي تعتلى رؤوس تلاميذ مدارس البلاد وشوارعها، وأصبح شاوشي بالنسبة لكثير من الأطفال والشباب رمزا يقتدى به حتى في قصة شعره الغريبة جدا، ونفس الشىء يمكن قوله على قصة اللاعبين يبدة، غزال، زياني وعنتر يحي.
ويعتبر السعيد مجدوبي أستاذ التربية البدنية بمتوسطة العربي تبسي في العاصمة، أن تقليد قصات اللاعبين في الجزائر موسمية، وترتبط بالانتصارات التي يحققها فريق أو آخر، وأن تقليد الشباب الجزائري وخاصة من هم في سن المراهقة لهؤلاء اللاعبين، لأنهم بحاجة إلى رمز يقلدونه، ولأن الساحرة المستديرة سلبت عقول الجميع فأصبح هؤلاء النجوم قدوة لشباب العالم بكامله، وليس للشباب الجزائري فقط، مثلما كان تشي غيفارا، كاسترو، عرفات وهواري بومدين في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي رموزا في النضال السياسي والثوري، "لكننا نعيش اليوم زمن كرة القدم، ولكل زمن رموزه".
الأسرة والمدرسة متهمة بالتقصير
ويعجب بعض الجزائريين وحتى من الشباب لما يقوم به أقرانهم من تقليد أعمى لنجوم الكرة في كل شيء حتى في مظهرهم الخارجي، ويرى في ذلك سليمان (23 سنة) استلاب للعقل والهوية، ويضيف الطالب الجامعي لـDW "أن الوضع أصبح خطيرا، وتجاوز كل الحدود، وعلى مؤسسات الدولة المختلفة أن تدرس بجدية كيف تعيد للشباب هويته وانتماءه للثقافة العربية الإسلامية".
ودعا عبد الحفيظ (35 سنة) المسؤولين على الكرة الجزائرية الاقتداء بما قام به الرئيس الغيني "لانسا كويتني" بمنع دخول لاعبي بلاده بقصات شعر غريبة، لأنهم يمثلون بلاد ولذلك يجب أن يكون محترمين، وما نريد من لاعبي الكرة عندنا إلا أن يكونوا محترمين في شكلهم وسلوكهم لأنهم قدوة للكثيرين"، ويرى عبد الحفيظ أن الأسرة والمدرسة تنازلت عن دورها، والنتيجة "ما تشاهدونها من مظاهر وسلوكات غريبة وغير مبررة في مجتمعنا".
التقليد..أزمة هوية وضعف انتماء
ويذهب يوسف شبيطة الباحث في علم الاجتماع بجامعة الجزائر، إلى اعتبار ظاهرة تقليد الشباب عادية وتوجد في كل المجتمعات، ففي ظل واقع الانفتاح بين الثقافات المختلفة، فعملية التأثير والتأثر متبادلة بين الجميع، وهذا ما نلمسه في المجتمعات الأوروبية والأمريكية في تقليدهم لعادات وشكل الإنسان الشرقي.
ويضيف الأستاذ يوسف لـ DW "المشكلة الحقيقية هي في بنية المجتمع الجزائري الهشة، فلازال الفرد يبحث عن هويته، لذلك الخوف يكمن فيما تشكله هذه المظاهر وما تلازمها من ثقافة على القيم والمبادئ وتهديدها بالمسخ والزوال، وحل المشكلة ليس بمحاربة ثقافة الآخر، وإنما في دعم وتحصين ثقافتنا.
ويناشد الباحث الجزائري الأسرة الجزائرية أن تعلم أبناءها كيف يكونوا منفتحين على جميع الثقافات في العالم ، لكن دون أن يهدد ذلك قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم، واعتبر الباحث بان كرة القدم قدمت للإنسانية ما لم تقدمه السياسة في مجال حوار الحضارات والثقافات والتقريب بين الشعوب التي كانت متحاربة ومتناحرة، فهل تحقق الرياضة ما عجزت عنه السياسة؟.