قطار الاتحاد المغاربي هل ينطلق بعد فوز الإسلاميين؟
٨ ديسمبر ٢٠١١يعتقد خبراء ان التحديات الجديدة التي تواجه منطقة المغرب العربي، بعد تولي الإسلاميين للحكم في عدد منها، تشمل أوضاعها الداخلية، وعلاقاتها مع جيرانها في شمال البحر الابيض المتوسط، اضافة إلى مستقبل للعلاقات البينية في ظل التقارب السياسي والايديولوجي بين الحكومات الجديدة.
وبرأي المفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي والنائب عن حزب النهضة الاسلامي، فان الثورات العربية وفوز الاسلاميين في الانتخابات التي أعقبتها، يجعل منطقة المغرب العربي ، تلج فضاء" القيم الكونية" من منطلق مرجعية إسلامية. لكن المرزوقي بدا، في حوار مع دويتشه فيله حذرا في تفاؤله بإمكانية تجاوز العقبات الهيكيلة التي ساهمت تاريخيا في انقسام بلدان المغرب العربي.
بينما يدعو السياسي التونسي المخضرم مصطفى الفيلالي، إلى "التحلي بالواقعية" مشيرا إلى تعقيدات كبيرة في الواقع السياسي والاقتصادي لبلدان المنطقة، وفي حوار مع دويتشه فيله أبدى الفيلالي مخاوفه من أدوار "مراكز نفوذ" محلية واقليمية قد تؤثر سلبيا على أي جهود للتقارب بين دول المغرب العربي، وإحياء الاتحاد المغاربي المجمد منذ 17 عاما.
الإسلاميون قد يصطدمون بواقع أكثر تعقيدا
يقول أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية أبو يعرب المرزوقي والنائب عن حزب النهضة الاسلامي، الذي فاز في الانتخابات الاخيرة، إن الثورات في المنطقة العربية أخرجت العرب والمسلمين من الاستثناء الكوني الذي يشهده العالم الحديث، واستطاعت التوفيق بين القيم الاصيلة للمجمتعات العربية والقيم الانسانية الكونية، قيم الحرية والعدالة. معتبرا أن الاسلاميين يدخلون مسار التاريخ من الباب الكبير.
ومن جهته يؤكد مصطفى الفيلالي، السياسي التونسي المخضرم الذي كان أول أمين عام لاتحاد المغرب العربي إثر تأسيسه سنة 1989، أن الثورات العربية قضية شائكة ومتعددة الجوانب وتفرض الاستجابة لتحديات كبيرة، يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي والاجتماعي بالثقافي. وهو يعتقد ان "المنطقة مقبلة على مستقبل مغاير تماما لما عاشته طيلة 50 سنة وعلى تغيير جذري لاستبدال نظام آخر واقامة نظام بديل". وأول هذه التحديات، برأي الفيلالي، التحدي التنموي ويظهر جليا في مسألة التشغيل. فالقوى السياسية الجديدة مطالبة بالاستجابة لطلبات الشباب في المنطقة وفي تونس بالدرجة الاولى. ويضيف أن "قضية التشغيل مرتبطة بنموذج التنمية الذي ستتبناه الحكومات الجديدة وتغيير النمط الاقتصادي والاجتماعي القائم. كما يرتبط نجاح الثورة بالجانب الثقافي والتأسيس لعلاقة جديدة بين الدولة والدين".
وبرأي السياسي التونسي، فان مستقبل الثورات ودول المنطقة عموما يبقى رهين نجاح الاندماج الفاعل بين مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية والتأسيس للمواطنة الفاعلة. ويعتمد نجاح دول المنطقة أيضا على قضية الاختيارات الثقافية للحكام الجدد واختيار نمط تنموي يستجيب لمطالب الشباب. ويرى الفيلالي ان دول المغرب العربي مؤهلة للاندماج والتطور الاقتصادي والاجتماعي. ولا يخف الفيلالي تخوفه من أن تدخل بعض مراكز النفوذ "الظاهرة" و"الخفية" في الواقع السياسي الجديد الذي تشهده عديد الدول التي تشهد تغييرات قد يؤخر التقارب بين الحكومات الاسلامية.
وخلال ندوة نظمها منتدى ابن رشد للدراسات المغاربية بتونس والمعهد الاوربي للابحاث والدراسات والتنمية ومنتدى الدراسات الاجتماعية التطبيقية، نهاية الأسبوع الماضي في تونس، تحت عنوان"بعد عام عن اندلاع شرارة الثورات العربية من تونس"، لم يخف خبراء تونسيون ومغاربيون، تخوفهم من ان تؤدي التعقيدات الأمنية والسياسية الجديدة في منطقة المغرب العربي، إلى استفحال بعض الظواهر الامنية "المزعجة عاجلا وآجلا من بينها استغلال بعض المجموعات الجهادية السلفية المتشددة لمناخ الانفلات الاعلامي والأمني والفراغ السياسي لافتعال أزمات تعيد المنطقة إلى "المربع الأمني"الذي سبق مرحلة الثورات. كما يؤكد كمال بن يونس رئيس منتدى ابن رشد للدراسات المغاربية بتونس.
وحذر بن يونس مثلا، من امتلاك بعض التنظيمات المتشددة المسلحة، مثل الجماعة السلفية للقتال الجزائرية او ما يسمي بتنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي وتنظيمات وشخصيات مسلحة ليبية،لاطنان من الاسلحة الفردية والثقيلة التي سبق ان وزعتها عليها الكتائب الموالية للقذافي أو أطراف إقليمية في إطار حرب إسقاط نظام القذافي.
مؤسسات مالية"إسلامية" تدخل على الخط
ويتوقع بعض الخبراء ان يؤدي وصول الاسلاميين على الحكم في دول المغرب العربي، سيؤدي إلى تنامي دور مؤسسات التمويل التي توصف ب"الإسلامية". ويقول محفوظ الباروني، الخبير المالي التونسي، منظومة "المالية الاسلامية" ناشئة ومتكاملة وتعتمد على عناصر متعددة من "بنوك اسلامية" وتأمين تكافلي وايجار ونظام للوقف وزكاة "يمكن أن توفر فرصا متميزة لتطوير اقتصاديات بلدان المغرب العربي وعلى الحكومات الاسلامية الجديدة تامين تعايش النظامين الماليين الاسلامي والعالمي وذلك لتمويل فرص التنمية بالمنطقة".
وبرأي الباروني فان المؤسسات المالية الاسلامية "نظيفة" لانها بعيدة عن "عمليات التحايل أو التلاعب المالي". مشيرا بأن مؤسسات التمويل"الإسلامية" في العالم تدير أكثر من 1300 مليار دولار، وتحقق مردودية ونسبة نمو تصل إلى 25 % وهي في منأى من أزمات الاسواق المالية التقليدية لالتصاقها بالواقع. و"قد اصبحت عديد الدول تعتمد على أدوات المالية الاسلامية لتمويل حاجياتها عبر الصكوك الاسلامية"كما يوضح الخبير التونسي.
ويضيف الباروني أن رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي، مثلا لم ينجح في تركيا فقط بالتوجهات السياسية "الاسلامية"، بل نجح في التحول بالاقتصاد من وضعية تتسم بنسبة تضخم عالية والوصول إلى نسبة نمو تقارب 10% تؤمنها سلامة وصحّة اقتصادية يحسد عليها في الغرب والشرق.
وقد أعلنت الاحزاب السياسية الاسلامية التي صعدت للسلطة في دول الشمال الافريقي تبنيها ودعمها لمنظومات "المالية الاسلامية". كما وعدت باعتماد مبادئ تفريق السلط والمؤسسات وارساء الرقابة والرفع من الانتاجية ومقاومة الفساد.
بين المصالح الوطنية الضيقة والعلاقة مع اوروبا
ويبّين محفوظ الباروني أن الوقت لم يعد للمصالح الوطنية الضيقة، فتونس التي تعد حوالي 11 مليون ساكن لا وزن سياسي واقتصادي ومالي يذكر لها على المستوى الدولي. أما في صورة تكامل اقتصادي مع دول المغرب العربي فسيكون لها مع بقية شركائها بالمنطقة وزن على الساحة الجيواستراتيجية وفي علاقتها مع الشمال والجنوب أي أوروبا وافريقيا. ويشير إلى أن العقبة الأساسية لبناء الفضاء المغاربي وفي مسار التكامل العلاقة التاريخية المتأزمة بين الجزائر والمغرب. ويذكر ان الحدود بين البلدين مغلقة منذ 17 عاما، كما يشهد ملف تسوية الصحراء الغربية جمودا ملحوظا منذ سنوات.
ويشير الباروني أنه على دول شمال أفريقيا أن لا تنتظر مساعدة من أوروبا، بل عليها "الاعتماد على الذات في مغرب عربي متكامل اقتصاديا ومنفتح على بقية دول المنطقة في الشرق العربي والاسلامي التي يتقاسم معها نفس القيم الروحية". ويوضح ان الازمة الاقتصادية الاوروبية الحالية هي أزمة هيكلية بينت أن النظام المالي في أوروبا، يحتوي العديد من العيوب. ويؤدي هذا النظام إلى أزمات مالية تكاد تكون دورية كل 10 سنوات. ويؤكد محفوظ الباروني، أن الازمة المالية الاوروبية بدأت في تغيير نظرة بعض الدول الاوربية للمهاجرين. فعديد الدول في الضفة الشمالية لاوروبا أصبحت تعتبر المهاجرين مصدر ارهاق لميزانياتها وهي التي بدأت عمليات تقشف كبرى واصلاحات اقتصادية هيكلية.
اشكاليات قد تحجب التكامل
ورغم تشابه الالوان السياسية الجديدة التي ستحكم بلدان شمال أفريقيا، إلا أن الخبراء، يعتقدون ان لكل بلد خصوصياته واشكالياته وظروفه الداخلية، فليبيا تعيش يوميات ضبط الأمن بالبلاد وبناء مؤسسات الدولة بعد تصحرها زمن القذافي، وتونس تعيد ترتيب بيتها السياسي الداخلي وتعمل على الحد من ظاهرة البطالة واشكاليات التنمية التي سبقت الثورة ورافقتها، وتسعى المغرب إلى مقاومة الفساد وايجاد حلول للفئات المهمشة ولتطلعات عديد المناطق بسلاسة ودون مصادمات.
وقد تحجب هذه الاشكاليات الداخلية الخاصة بكل بلد امكانيات التعاون والتكامل، رغم وعود الاسلاميين بتحقيق"الوحدة الروحية" لبلدان المنطقة بعد صعود الاسلاميين إلى السلطة على حد قول أبو يعرب المرزوقي، الذي يرى أن التخلص من فكرة الدولة الوطنية الضيقة وبناء فضاء اقتصادي أوسع قادر على الصمود أمام القوى الكبرى والقوى الصاعدة، هو الطريق الأسلم والكفيل بفتح أفاق كبيرة للثورات العربية والاستجابة لتطلعات شعوب المنطقة، وسيمكن الاندماج في فضاء أوسع، علاجا للوضع الحالي بما فيه من تحديات إلى جانب تطوير مساهمة المنطقة في التنمية على المستوى الدولي. "لا بد من التفكير في المغرب العربي".
خالد بن بلقاسم - تونس
مراجعة: منصف السليمي