قمة سالزبورغ: أوروبا تختلف حول"بريكست" والهجرة
٢٠ سبتمبر ٢٠١٨حثت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي خلال القمة الأوروبية غير الرسمية التي انتهت اليوم الخميس (20 أيلول/سبتمبر 2018)، قادة الاتحاد الأوروبي على "تطوير" موقفهم بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد، وأطلقت خطتها للعلاقات المستقبلية بين الجانبين "خطة تشيكرز" بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وتعرضت الخطة لانتقادات من المشككين في أوروبا من داخل حزبها المحافظين، ومن مسؤولي الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
وأملت المستشارة أنغيلا ميركل ضمان الاحترام المتبادل في جهود خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وسيادة أجواء جيدة في التعامل. وهذه الآمال تعد شيئا كبيرا للغاية بسبب صعوبة المفاوضات. فالمفاوضون الأوروبيون يبقون دبلوماسيين في التعامل مع بريطانيا، إلا أنه حصل تصادم بين ميشيل بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي المعني بشؤون خروج بريطانيا، مع نظيره البريطاني. وفي داخل بريطانيا يفضل وزير شؤون الخروج من الاتحاد الأوروبي دومنيك راب الظهور باستمرار ويهاجم بقوة المواقف الأوروبية.
لكن المستشارة ميركل أرادت في سالزبورغ النمساوية حيث عقدت القمة الأوروبية غير الرسمية، التحدث فقط عما هو إيجابي، وقالت:" في بعض المجالات هنالك فرصة للتعاون الجيد". وتذكر في هذا الاطار كمثال على ذلك موضوع الأمن الذي لا يوجد خلاف حوله. وما تتجاهله ميركل هي العلاقات الاقتصادية المستقبلية. وهنا تتطلع تيريزا ماي إلى دخول بريطانيا إلى سوق للسلع داخل الاتحاد، وهو ما لا يريد الاتحاد الأوروبي منحها إياه.
مناشدة للدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد
وكانت تيريزا ماي قد ذكرت أن حكومتها طورت مواقفها أثناء المحادثات. ووجهت ماي نداء إلى زملائها الأوروبيين قبل مأدبة العشاء المشتركة التي جمعتهم. وقالت ماي يجب الآن على الاتحاد الأوروبي أن يتحرك، وتأمل ماي بتنفيذ التزاماتها في الحصول في المقابل على استعداد لحلول وسط من الجانب الأوروبي. وقالت ماي: أنا متفائلة بأننا بإرادة جيدة وبتأهبنا يمكننا أن نتوصل إلى إبرام اتفاقية صحيحة لكلا الطرفين".
لكن هذا صعب، لأن مواقف الطرفين تتقاطع مع بعضها البعض في بعض المواقف، لاسيما فيما يخص قضية الحدود الايرلندية التي تتعثر بشأنها المباحثات. والمفاوض الأوروبي بارنييه يريد طرح مقترحات جديدة بهذا الشأن تتضمن تدقيق السلع مثلا في موانئ بعيدة عن الحدود أو عبر تسجيلها تقنيا. ويسعى الاتحاد الأوروبي في ذلك إلى تسهيل الموافقة على الجانب البريطاني. لكن لندن تتشبث في هذا الموضوع بمواقفها المبدئية وتعتبر رسما مستقبليا للحدود في البحر الايرلندي غير مقبول.
ومع طلب المشاركة في سوق مشتركة للسلع تتجاوز ماي ما يسمى بـ "خطة تشيكرز" الذي تعتبره في هذا الأثناء طريق الحل الوحيد. لكن لا أحد ذكر ذلك بوضوح في سالزبورغ، لأن رؤساء الحكومات يريدون أن تتجاوز رئيسة الوزراء البريطانية مؤتمر حزب المحافظين الذي سيعقد بعد عشرة أيام، بالإضافة إلى هجمات أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فهم يريدون تفادي حصول تغيير حكومي وفوضى سياسية أكبر في لندن. فهم يتحدثون في غياب ماي في هذا الخميس عن الوضع الحالي للخروج من الاتحاد الأوروبي. وخريطة الطريق واضحة: في منتصف نوفمبر القادم يتوقع تنظيم اجتماع القمة الحاسم في بروكسل حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهذا يمنح الحكومة البريطانية ستة أسابيع من الوقت لتوضيح مواقفها.
كفوا عن اللعب!
من جانبه، قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك اليوم الخميس إن أجزاء رئيسية في خطة بريطانيا بشأن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بعد الخروج منه "لن تصلح". وأكد توسك في مؤتمر صحفي أن قادة الاتحاد الأوروبي متحدون في رؤيتهم للخطة. وأضاف :"ينبغي أن يكون واضحا أن هناك بعض القضايا التي لسنا مستعدين لتقديم تنازلات فيها".
ويحاول توسك إقناع رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي بشأن موضوع الهجرة المستمر. ففي هذا العام من المتوقع أن لا يدخل أكثر من 100.000 من اللاجئين الجدد. ولذلك وجب على الدول الأعضاء التركيز على حلول المشاكل الحقيقية المتبقية. فلا يحق الانقسام إلى من يريدون الحلول وآخرون "يريدون استغلال الوضع للألعاب السياسية". في إشارة منه ربما إلى المجر وبولندا وإيطاليا دون ذكر أسماء هذه البلدان.
أما المضيف المستشار النمساوي سباستيان كورتس فقد ظهر فخورا، لأنه عرف مبكرا كيف يمكن للهجرة أن تعلب دورا متفجرا في أوروبا. و "في السابق كان يُسمى ذلك مدا يمينيا متطرفا"، والآن هو يرى نفسه في مقدمة حركة تهدف إلى صد تدفق الهجرة.
ومن أجل وقف الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، ولاسيما وقف المهربين، يريد المستشار النمساوي الدفع باتجاه تفعيل قرار تعزيز وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس"، الذي تقرر في شهر يونيو الماضي. وكانت المفوضية الأوروبية قد عرضت اقتراحا حول تمويلها والرفع من أعداد موظفيها إلى 10.000 موظف.
لكن المستشار كورتس يعترف أيضا بأن إيطاليا واليونان وإسبانيا لها شكوك، لأنها تخشى فقدان السيادة. وحتى "مثير البلبلة" في أوروبا، رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان هاجم مخططات فرونتكس، وقال: "هذه مهمتنا"، وذكر أنه لا يحتاج إلى مساعدة في حماية حدوه. وهنالك إجراءات عقابية ضد المجر حاليا بسبب الهجمات الكبيرة التي يتعرض لها المهاجرون في الأسوار الحدودية في المجر.
التعاون مع إفريقيا
وصرحت المستشارة ميركل اليوم الخميس بعد انتهاء القمة، بأن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى توقيع اتفاقيات بشأن اللاجئين مع دول الشمال الأفريقي، تشبه ما تم الاتفاق عليه مع تركيا. وقالت ميركل إن هناك اتفاقا بين أعضاء الاتحاد الأوروبي لتكثيف الحوار مع مصر وتونس والمغرب وليبيا بهذا الخصوص.
وأضافت ميركل أنه صار من الواضح أن الاتحاد يرغب بصفة عامة في عقد شراكات وثيقة مع دول في أفريقيا، إلا أنه لابد من تعلم كيفية تحقيق التعاون في التنمية والاستثمارات الخاصة مع تلك الدول بصورة أفضل. وذكرت المستشارة أن قضايا توزيع اللاجئين في أوروبا لم تناقش إلا عرضا في القمة، لأنه كان من الواضح أنه لم يتم التوصل إلى نتائج في هذا الصدد. وأبدت المستشارة تحفظا شديدا فيما يتعلق بموضوع "التضامن المرن"، الذي يمكن بمقتضاه أن تقدم دول الاتحاد الرافضة لاستقبال اللاجئين مساهمات مالية.
ونوه المستشار النمساوي كورتس أيضا إلى التعاون مع مصر، وهو يعتزم مواصلة الاستثمار في تدريب شرطة خفر السواحل الليبية، التي يفترض عليها أن توقف قوارب المهاجرين أو السيطرة عليها في المياه الليبية. لكنه لم يشر إلى مستقبل بعثة الاتحاد الأوروبي "صوفيا" للمراقبة والبحث المتوقفة حاليا.
من جانب آخر، لا توجد بلدان في شمال أفريقيا لغاية الآن تطوعت لإقامة ما يسمى "مراكز الإيواء" خارج أوروبا التي تضم المهاجرين قبل إبعادهم إلى أوطانهم، ويتم فيها فرز طالبي اللجوء المحتملين.
ومحور الأنشطة سيتركز الآن على التعاون مع إفريقيا. وفي بداية السنة المقبلة ستُعقد قمة بين الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية. والمفوضية الأوروبية في بروكسل طرحت مخططاتها بشأن الرفع من الاستثمارات وتكثيف التعاون. والهدف السياسي الحالي يتمثل في وقف هجرة المهاجرين المحتملين في أوطانهم، أو إيقافهم في أبعد تقدير في بلدان العبور ومنعهم من متابعة رحلتهم إلى أوروبا.
باربارا فيزل/ م.أ.م