أمريكا والعراق .. مستقبل العلاقة بعد انتهاء المهمة القتالية؟
٧ يناير ٢٠٢٢أعلن الجيش الأمريكي إنهاء دوره ومهمته القتالية في العراق في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي في خطوة تأتي بعد اجتماع حظى باهتمام إعلامي كبير في يوليو/ تموز 2021 بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والرئيس الأمريكي جو بايدن، صدر في أعقابه بيان جاء فيه أن القوات الأمريكية في العراق "لن تقوم بدور قتالي بعد الحادي والثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول".
وقال خبراء إن بايدن والكاظمي توصلا إلى هذا الاتفاق بهدف تخفيف الضغط على حكومة الكاظمي، التي تواجه الكثير من الضغوط لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق.
وخلال الآونة الأخيرة، كانت حكومة الكاظمي في مرمى نيران الانتقادات داخل العراق، خاصة من قبل ميليشيات "الحشد الشعبي" المدعومة من إيران، التي تعارض بالمطلق أي وجود أمريكي في بلاد الرافدين، فيما يشتبه بأنها تقف وراء هجمات بطائرات مسيرة وأيضاً إطلاق صواريخ على قوافل وقواعد أمريكية، بالإضافة إلى محاولة اغتيال الكاظمي في نوفمبر/ تشرين الأول 2021.
أما فيما يتعلق بانتهاء المهام القتالية، فقد أكد قاسم الأعرجي، مستشار الأمن القومي العراقي، في مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2021 على أن إتمام خطة تغيير وضع القوات الأمريكية اكتملت قبل الموعد المحدد. وأضاف الأعرجي أن انتقال مهام القوات الأمريكية إلى مهمة "تقديم المشورة والمساعدة والتمكين للقوات العراقية وتحقيق أهدافها" قد اكتمل في الوقت الحالي.
يشار إلى أن القوات الأمريكية في العراق كان جزءاً من قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش"، الذي تشكل في أعقاب سيطرة التنظيم الإرهابي على الموصل عام 2014.
العراق ليس أفغانستان
ورغم الضجة التي تزامنت مع إعلان انتهاء المهام القتالية للقوات الأمريكية في العراق، إلا أن من غير المرجح أنها قد تُحدث أي تغيير حقيقي على أرض الواقع، إذ لا يحمل الأمر في طياته أي تكرار للانسحاب الأمريكي المفاجئ والكامل من أفغانستان في أغسطس/ آب الماضي.
ويعود بداية التواجد الأمريكي العسكري في العراق إلى عام 2003، عقب قرار الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج دبليو بوش، غزو العراق تحت ذريعة امتلاك نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين أسلحة دمار شامل.
وفي عام 2008، بلغ عدد القوات الأمريكية في العراق قرابة 160 ألف جندي. لكن على مدار الأعوام المتعاقبة، انخفض هذا العدد بشكل مطرد، إذ أبرمت الولايات المتحدة والحكومات العراقية اتفاقيات سمحت ببقاء القوات الأمريكية في العراق تحت ظروف محددة. ففي عام 2011، انخفض عدد القوات الأمريكية بشكل كبير إبان إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما. بيد أنه في عام 2014، عاد انتشار القوات الأمريكية في العراق بطلب من بغداد لقيادة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش".
ومنذ إعلان بغداد دحر "داعش" في 2017، أخذ عدد القوات الأمريكية في الانخفاض، ليصل إلى قرابة 2500 جندي في الوقت الحالي، إضافة إلى 4500 متعاقد مع وزارة الدفاع الأمريكية، فيما ينتشر حوالي ألف جندي من دول أخرى في التحالف، بينهم حوالي 130 جندياً من ألمانيا.
لا نهاية في الأفق
وإزاء حالة الغموض المحيطة بطبيعة الانسحاب الأمريكي في العراق، أكد جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، خلال مؤتمر صحفي مطلع الشهر الجاري أنه "ليس هناك تغيير جوهري في عدد القوات في العراق. العدد الذي سيبقى هناك في حدود 2500 جندي".
وأضاف كيربي أن التغيير الذي حدث في مهمة القوات وليس "بالضرورة أن يكون الوضع العددي متغيراً"، مشيراً إلى أن هذا التغيير طبيعي ونتاج اتفاقيات مع الحكومة العراقية وعمل وتنسيق ممتد منذ شهور، على حد قوله.
كما أوضح الناطق باسم البنتاغون أنه لن تجرى احتفالات بمناسبة انتهاء المهام القتالية. كما لم يتم الإفصاح عن موعد انتهاء المهمة التدريبية الجديدة للقوات الأمريكية في العراق.
وفي تعليقه على الأمر، ذهب رانج علاء الدين، زميل غير مقيم في برنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكنغز في واشنطن، إلى القول بأن الولايات المتحدة طوت صفحة المهام القتالية في العراق منذ وقت بعيد، مضيفاً: "لم يكن للقوات الأمريكية أي دور قتالي في العراق منذ وقت طويل. ربما منذ سنوات". وأشار علاء الدين إلى أن التصريحات الإعلامية حول انتهاء المهام القتالية ليست بالجديدة.
تغيرات مستمرة
وكان العراق شهد بعض التغييرات فيما يتعلق بالتواجد الأمريكي العسكري، وهي تغيرات ليست وليدة اللحظة بل جارية منذ فترة، وفقاً لمراقبين.
ففي مقابلة مع DW، قالت كارولين روز، الباحثة في معهد نيولاينز للأبحاث في واشنطن: "انسحبت القوات الأمريكية من ثماني قواعد خوفاً من تعرضها للهجوم من قبل الحشد الشعبي". وأضافت: "لقد لاحظنا سلسلة من عمليات الإجلاء ونقل للقواعد، لكن الأمر ظل يتسم بالهدوء".
وكان تقرير أرسل للكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني بشأن الوجود الأمريكي في العراق أشار إلى نقل أحد مراكز القيادة التابعة للقوات الأمريكية من العراق إلى الكويت في الشهر ذاته، فيما تم تخفيض عدد العناصر في مركز قيادة آخر، وفقاً لمسؤول عسكري.
ولم يتوقف الأمر عند الجنود وإنما شمل أيضاً ما يُعرف بـ"المتعاقدين الأمريكيين" إذ تم نقل بعض العناصر التي شاركت في صيانة أسطول مقاتلات "إف 16" العراقي، وباتت تعمل الآن من على بُعد.
وعلى أثر ذلك، فإن معظم القوات الأمريكية في العراق تتمركز في العاصمة بغداد أو مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، فيما سلمت القوات الأمريكية ألفي مركبة عسكرية لموظفين محليين. يتزامن ذلك أيضاً مع انخفاض التمويل الأمريكي لبعض جوانب التعاون العسكري بشكل تدريجي، إذ يُتوقع أن تتحمل الحكومة العراقية جملة التكاليف في نهاية المطاف.
أما فيما يتعلق بالعمليات العسكرية مؤخراً ضد تنظيم "داعش"، فقد أشار تقرير أعده الجيش الأمريكي إلى أن من بين 426 عملية ضد التنظيم نفذتها قوات مكافحة الإرهاب العراقية في الفترة ما بين يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول، شاركت قوات التحالف في 13 عملية فقط. وفي الفترة نفسها، شن التحالف الدولي غارات جوية على أهداف تابعة لتنظيم "داعش" بوتيرة أقل عما كان عليه الوضع في السابق.
وذكر التقرير أن الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان ألقى بظلاله على التواجد العسكري الأجنبي في العراق، ودفع الضباط العراقيين إلى تسريع أخذهم بزمام الأمور وتقليل اعتمادهم على التحالف أو القوات الأمريكية.
استمرار الدعم الجوي
رغم ذلك، أكد مصدر رفيع في الحكومة العراقية مؤخراً أن العراق لا يزال في حاجة إلى الدعم العسكري الأمريكي، خاصة الدعم الجوي. وفي مقابلة مع DW، قال المصدر: "من الناحية العملية، لا نزال في حاجة إلى القوات الأمريكية في العراق، خاصة عندما يتطرق الأمر إلى المقاتلات العسكرية والغطاء الجوي. السلاح الجوي العراقي ضعيف بشكل نسبي، ولولا القوات الجوية الأمريكية، لكان العراق أكثر عرضة لهجمات الطائرات المسيرة، وأيضاً كان سيواجه صعوبات في شن هجمات جوية ضد داعش".
وأضاف المصدر ذاته أن "الجيش العراقي أيضاً في حاجة إلى الحصول على معلومات استخباراتية أمريكية بشأن إرهابيي داعش".
وأكد التقرير، الذي أرسل إلى الكونغرس في نوفمبر/ تشرين الأول، على هذا الأمر، إذ ذكر أن "المقاتلات الأمريكية تمتلك أجهزة استشعار متقدمة تسمح لها بالتحليق على ارتفاعات أعلى. في المقابل، تحلق [المقاتلات] العراقية على ارتفاع حوالي 10 آلاف قدم خلال المهام، مما قد ينبه أجهزة المراقبة". وعلى وقع هذا الأمر، يتوقع أن تستمر الطائرات الأمريكية في تنفيذ طلعات وغارات جوية ضد "داعش"، وقد تشارك في مهام الاستطلاع.
أزمة اقتصادية
وبعيداً عن الشق العسكري، فمن اللافت أن التغيير في وضع القوات الأمريكية يعد مؤشراً على التغيير الجاري في السياسة الأمريكية تجاه العراق، خاصة عند مقارنة ذلك مع سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وفقاً لما أشار إليه الباحث رانج علاء الدين، مضيفاً: "مع تولي إدارة [بايدن] زمام الأمور، يأمل العراقيون في نهج أكثر حساسية واعتدالاً تجاه بلادهم، وأيضاً إدراك أن المناخ الأمني في العراق مرتبط بشدة بالديناميات السياسية المحلية".
من جانبه، كتب سرهنك حمه سعيد، مدير برامج الشرق الأوسط في معهد السلام في واشنطن، في يوليو/ تموز الماضي أن الولايات المتحدة لا تزال شريكاً هاماً للعراق وتساعد على تحقيق التوازن بين القوى السياسية الداخلية والخارجية. ورغم ذلك - وفقاً للباحث - فإن الولايات المتحدة ليس بمقدورها حل جميع مشاكل العراق الحرجة والمعقدة، مؤكداً أن الاقتصاد يمثل هاجساً كبيراً لحكومة الكاظمي وسبب بعض أزمات العراق.
وأوضح حمه سعيد أن سياسة بايدن تجاه العراق قد تكون محددة بشكل أكبر "مما يريده العراقيون، فضلاً عن أنها لا تنظر إلى العراق من منظور القضايا المتعلقة بإيران وداعش".
أما كارولين روز، فترى "أن تنظيم (داعش) سوف يلعب دوراً في سياسة الولايات المتحدة في العراق على الدوام، بالإضافة إلى التصور السائد بأن القوات الأمريكية تحقق توازناً في مواجهة النفوذ الإيراني".
وأشارت الباحثة إلى وجود هدف آخر وراء الوجود الأمريكي في العراق يتمثل في "بناء قدرات (العراق) في مجالات مثل فرض القانون والنظام، لضمان عدم حدوث فراغ في السلطة في العراق، ما قد يصب في صالح داعش".
كاثرين شاير/ م.ع