كيف تحول نازيون هتلريون إلى جواسيس للأمريكان؟
٢ نوفمبر ٢٠١٤كان كلاوس باربي الذي سمى بجزار ليون، أحد أكثر النازيين ارهابا. ورغم ذلك مرت سنوات عديدة قبل أن يتم الحكم عليه بسبب جرائمه البشعة في فرنسا وغيرها. إذ رغم أن باربي كان مجرم حرب، إلا أنه لم يتعرض للمضايقة بعد الحرب العالمية الثانية في بداية الأمر، إذ كان لديه حليف قوي، وهو هيئة الجيش الأمريكي للدفاع ضد التجسس. ولذلك لم يتضح أنه عمل بعد انتهاء الحرب، شأنه في ذلك شأن غيره من كبار النازيين، لصالح أجهزة المخابرات الأمريكية، لم يتضح ذلك إلا بعد كشف عن ماضيه في بوليفيا وتسليمه في الثمانينات إلى فرنسا والحكم عليه هناك.
تقدير غير دقيق
قام مؤرخون أمريكيون الآن بتحليل الأحداث قبل محاكمة باربي وبالتحقيق أيضا في نوعية المعلومات العائدة إلى الجواسيس من النازيين. وبعد دراسة مستندات استخبارية أمريكية رفعت عنها درجة الكتمان، قدر الباحثون عدد النازيين الذين عملوا بعد الحرب لصالح أجهزة استخبارية أمريكية، بألف شخص على الأقل. ويقول البروفسور نورمان غودا من جامعة فلوريدا الذي يعد من المشاركين في التحليل: "يعتمد هذا التقدير على تحليل مطول للمستندات، ولكن، في واقع الأمر لا نعرف عدد الأشخاص المعنيين بدقة" .
الكتمان لم يرفع عن جميع المستندات، ومن المحتمل أيضا أنّ بعضها قد فُقد، وعلاوة على ذلك، فإن العدد ألف يعكس الاتصالات المباشرة فقط وليس الاتصالات غير المباشرة، فمن المحتمل أن النازيين العاملين لصالح وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي استأجروا من جانبهم توابع نازيين كجواسيس. ولا يشمل التقدير هؤلاء الأشخاص، و بينما يبقى عدد النازيين الذين تحولوا إلى جواسيس، غامضا، إلا أن هناك لا شك قيمة كبرى في المعلومات التي قدمها الجواسيس الجدد إلى أسيادهم الأمريكيين.
معلومات لا تحظى بأهمية تذكر
"لا تتوفر لدينا أي معلومات يمكن القول إنها حاسمة، معلومات مثلا حول التخطيط بحصار برلين أو تطور مماثل من حيث أهميته"، كما يقول غودا في حديث مع دف، مشيرا في هذا السياق إلى فيلهلم هوتل الذي عمل سابقا في وكالة الأمن النمساوية والذي أستأجرته بعد الحرب أجهزة استخباراتية أمريكية، فوكالة المخابرات الأمريكية المركزية اكتشفت يوما ما أن تقاريره السرية اعتمدت على تقارير صحفية فقط.
وكما يقول غودا، فإن الألمان الذين استأجرهم الأمريكيون، لم يكونوا ببساطة جواسيس أكفاء، لذا نجح السوفيت في مراقبة اتصالاتهم وحتى في دفعهم إلى التجسس لصالح الاتحاد السوفيتي آنذاك. إلا أن ما فاجأ الباحثين فعلا، هو افتقار أجهزة المخابرات الأمريكية إلى معلومات حول ماضي الذين وظفتهم، وذلك رغم توفر المستندات المعنية وخضوعها لمراقبة الأمريكيين في حالات كثيرة. "بعبارة أخرى، فإن الحصول على المعارف المعنية كان ممكنا على كل حال"، كما يقول غودا .
حوادث لا تصدق
بسبب عدم التحقق من الجواسيس المحتملين أو إهمال ذلك ، جرى تجنيد نازيين شاركوا شخصيا في جرائم حرب بشعة، بينهم رجل يدعى هرمان هوفله الذي كان أحد عملاء إوديلو غلوبوتسنيك. وهذا نازي نمساوي معروف انتمى إلى الوحدة الوقائية سيئة السمعة، وهو مسؤول عن قتل أكثر من مليون يهودي في بولندا. "لم يكن هوفله نازيا غير معروف، وإنما لعب دورا قياديا في تنفيذ إحدى حملات الإبادة في بولندا.
وجندت أجهزة المخابرات الأمريكية هوفله ليراقب مجموعات يمينية في منطقة ميونيخ، رغم أنها لم تعرف شيئا عن ماضيه، ويقول غودا في هذا السياق: "في واقع الأمر، فإن وجود علاقة بهذا الرجل حقيقة لا تصدق ".
ورغم ذلك لا يمكن التنديد كليا بوكالات المخابرات الأمريكية بسبب قيامها آنذاك باستئجار أشخاص مجرمين مرحليا ، "فالولايات المتحدة شعرت آنذاك بأنها مهددة جديا"، كما يقول ميخا برومليك المدير السابق لمعهد متخصص في أبحاث محرقة اليهود، مشيرا إلى أن المسائل الأخلاقية لعبت آنذاك دورا ثانويا مقارنة بتحدي المواجهة مع الاتحاد السوفيتي.
وكما يقول برومليك في حديث مع دف، "لا يجوز أيضا نسيان أنّ الولايات المتحدة مرت آنذاك بمرحلة المكارثية التي كانت مرحلة اتسمت بخوف يمكن وصفه بأنه هستيري، من الشيوعية. وفي ظل هذا الوضع لم يتم أيضا استبعاد استئجار مجرمين لمكافحة هذا العدو الجديد والخطير للغاية، كما كان الاعتقاد السائد آنذاك ".
وبعد طرح سؤال على برومليك وغودا عما إذا كان ممكنا استنتاج دروس من كل هذا، يبدو أن الخبيرين متشائمان، إذ أنهما أشارا إلى أن أساليب وكالات المخابرات تشمل ببساطة التعاون أيضا مع أشخاص مشكوك فيهم. "إذا كان هناك عبرة من هذه الحقائق ، فهي: ضرورة أن تعرف أجهزة المخابرات كل شيء عن مصادرها بدقة"، كما يقول المؤرخ الأمريكي غودا.