"لا إنساني ويعزز العنف".. انتقادات لمركز احتجاز إداري بفرنسا
١ مايو ٢٠٢٣كان يُنظر إليه على أنه "مشروع تجريبي" ريادي، ومن المفترض أن يكون نموذجا لأمكنة مماثلة في أنحاء فرنسا. لكن مركز الاحتجاز الإداري الجديد هذا (CRA2) في ليون، تعرض لسيل من الانتقادات الشديدة بعدما افتتح في كانون الثاني/يناير 2022 ودشنه في تموز/ يوليو من العام نفسه وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان.
يقول أسان نداو، نائب مدير "منتدى اللاجئين" (Forum réfugiés)، وهي جمعية موجودة في المركز لتقديم المساعدة الإدارية للمحتجزين، لمهاجر نيوز إنه "إذا كان الهدف من هذا المركز هو جعله نموذجا للآخرين، فإنه يمثل إشكالية كبيرة"، لاسيما وأن جميع المراقبين ينددون بمظهر المركز وآلياته التي تشبه السجن.
هذا المكان، المسمى "CRA 2"، والذي كلف بناؤه مبلغ 25 مليون يورو، يقع بالقرب من مطار ليون سانت إكسوبيري وقرب مركز احتجاز آخر تم تجديده مؤخرا يسمى "CRA 1" ويتسع لـ140 شخصا.
ويستقبل البناء الجديد حاليا حوالي 120 شخصا، معظمهم من مواطني الدول المغاربية وأوروبا الشرقية. كما أن معظمهم من الأجانب الذين أطلق سراحهم من السجن أو من المهاجرين الذين ليست لديهم أوراق إقامة صالحة أو من الذين ألقي القبض عليهم بتهمة الإخلال بالنظام العام.
احتجاز وعزلة
ينقسم المبنى إلى سبع كتل منفصلة، في كل كتلة 20 محتجزا، موزعين في 10 غرف. وسط هذه المساحة، فناء صغير محاط بأسوار. "في الواقع، إنه قفص وليس فناء"، حسب تعبير البرلماني الأوروبي عن حزب الخضر (EELV) توماس دوسوس خلال حديثه مع مهاجرنيوز، بعد أن زار المركز في 14 أبريل/نيسان مع نقيبة محامي ليون، ماري جوزيف لوران.
يقتصر وصول الجمعيات الإنسانية ومكتب الهجرة "أوفي" والطاقم الطبي على المنطقة الخاضعة للرقابة (ZAC). ويمكن لكل أجنبي محتجز في المركز الوصول إلى هذه الجهات لمدة ساعة واحدة فقط في اليوم. الساعات الـ 23 الأخرى، يقضيها المحتجزون في أماكن احتجازهم، بدون رقابة من عناصر الشرطة وبدون ممارسة أي نوع من النشاطات.
تم بناء المركز بطريقة لا ترتبط فيها المساحات المختلفة مع بعضها البعض. وبالتالي، يعيش المحتجزون في عزلة وسط جدران من الأسلاك الشائكة، مع القليل من الضوء الخارجي وليس لديهم أي شكل من أشكال التواصل مع الخارج. وللانتقال من منطقة إلى أخرى، يجب على الشرطة المرور عبر العديد من أقفال الأمان وفتح العديد من الأبواب الآلية المغلقة بشكل محكم.
أما فيما يتعلق بوجبات الطعام، وحسب البرلماني الأوروبي، فإن الأجانب يشكون من عدم حصولهم على ما يكفي من الطعام، بالإضافة إلى ذلك، فليس لديهم إلا نصف ساعة فقط لتناول طعامهم، إذ تكون وجباتهم جاهزة عند وصولهم إلى قاعة الطعام.
يقول نائب مدير "منتدى اللاجئين" أسان نداو إن المهاجرين "لا يلتقون بأي شخص أبدا. إنهم معزولون تماما عن بقية العالم. يمكن أن تكون هناك مشاجرات دون أن تدرك السلطات بذلك". مضيفا أن "أولئك الذين يبنون هذا النوع من الأماكن لا يأخذون الواقع في الحسبان، ولا يعرفون شيئا عن الاحتجاز. هناك شيء غير إنساني في تنظيم هذا البناء".
يقول البرلماني توماس دوسوس "حياتهم اليومية تؤدي إلى تدهور صحتهم النفسية. وخاصة كلما طالت فترة احتجازهم، فإنهم يصبحون "عدوانيين وضائعين تماما".
كل هذه "الاختلالات"، على حد تعبير نقيبة المحامين ماري جوزيف لوران، تؤدي حتما إلى مناخ من التوتر. في العام الماضي، أوقفت جمعية "منتدى اللاجئين" نشاطها في عدة مناسبات احتجاجا على ظروف العمل.
"العنف في كل مكان ويمارس على الجميع"
الطبيب توماس ميلوت، الذي عمل بدوام جزئي لمدة خمس سنوات في مركز الاحتجاز الأول في ليون ثم في الثاني، استقال في كانون الأول/ديسمبر 2022. ويعتقد أن الشروط الأساسية لمعاملة المحتجزين لم تستوفى. وبعد استقالته عيّنت السلطات شركة خاصة لتقديم الرعاية الطبية للمحتجزين.
في رسالة مفتوحة، ندد الطبيب المستقيل بظروف الاحتجاز في هذا المركز قائلا إنه "مصنع يولد ويعزز العنف، ومركز غير إنساني".
يقول توماس ميلوت إنه "في غياب الإرادة السياسية من أجل التهدئة في مراكز الاحتجاز، ينتشر العنف في كل مكان ويمارس على الجميع (...) إنها موجة كبيرة من العدوانية تدخل وتتدخل في جميع أركان المركز"، ويعتقد أنه هو نفسه "سُحِقَ بسياسة الاحتجاز غير الإنسانية".
رئيسة نقابة المحامين في ليون تؤكد ذلك أيضا قائلة إن "العنف ينبع من هذا النظام الجديد. (...) فالعنف ليس متأصلا في نوعية الأشخاص" المحتجزين.
تنتقد الجمعيات بانتظام مراكز الاحتجاز الإدارية بسبب الظروف المعيشية الصعبة للأجانب داخل هذه المباني المخصصة لاحتجازهم قبيل ترحيلهم.
في تقرير نُشر مطلع حزيران/يونيو الماضي 2022، وصف دومينيك سيمونو المراقب العام لأماكن الحرمان من الحرية (CGPL)ظروف الاحتجاز بـ"اللاإنسانية". وذلك بسبب فترات الاحتجاز الطويلة والبروتوكولات الصحية المعدومة والمنشآت المتهالكة، إضافة إلى المخاوف التي تعتري المحتجزين حيال مستقبلهم، والتي تؤدي إلى تدهور الحالة النفسية للعديد منهم.
وفي آذار/مارس 2022، أضرم مهاجرون محتجزون النار في مركز CRA الجديد في مدينة ليون، تنديدا بظروفهم المعيشية هناك.
وفقا لمجموعات نقابية ومنظمات غير حكومية، فإن مركز ليون يقع على مقربة شديدة من المطار، لدرجة أن "المحتجزين يسمعون أصوات إقلاع وهبوط الطائرات ليلا نهارا، إنها تصم الآذان". لكن يبدو أن مشكلة مركز الاحتجاز في ليون يجمع كل مشاكل المراكز الأخرى. وقال أسان نداو "لقد رأيت مراكز احتجاز، لكن هذا المركز هو أسوأ ما أعرفه. حتى الشرطة تقول إنه مروع".
مهاجر نيوز 2023