لبنان.. "أزمة نظام" تفتح الباب على مخاطر أمنية
١٣ يناير ٢٠١١أسدلت المعارضة اللبنانية الستار على حكومة الوحدة الوطنية بانسحاب 10 من أعضائها، وبالتالي إسقاط الحكومة نفسها، بعد أكثر من عامين من التوتر المتصاعد على خلفية أزمة المحكمة الدولية الخاصة بمقتل رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. بيدا أن هذه التطورات تفتح الباب على مصراعيه في لبنان، على تحديات أخرى كثيرة، لا تبدأ مع إشكالية تكوين حكومة جديدة، ومحاولات الفريقين لإيجاد أكثرية مريحة، ولا تنتهي عند إعادة النظر في اتفاقية الدوحة نفسها، إنما قد تمتد لتشمل مخاطر أمنية، ربما تعيد البلاد إلى "حقبة السيارات المفخخة". كانت هذه بعض من المخاوف التي أعرب عنها المحلل السياسي اللبناني علي الأمين في حديثه مع دويتشه فيله.. وإلى نص الحوار:
دويتشه فيله: ما هو تقييمكم للوضع القائم في لبنان بعد استقاله عدد من الوزراء وسقوط الحكومة؟
علي الأمين: يدخل لبنان في فصل جديد من الأزمة السياسية، المستمرة برأيي منذ عام 2005، والتي تفاقمت مع الانتخابات النيابية التي أجريت عام 2009 وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الأخيرة. لكن القضية الأكثر حدة الآن هي المحكمة الدولية، التي يختلف حولها طرفا النزاع؛ تيار المستقبل (14 آذار) وقوى المعارضة، التي يتقدمها "حزب الله".
هل تعني استقالة الوزراء سقوط المبادرة السورية-السعودية؟
تسرب عن رئيس مجلس النواب، نبيه بري، قوله إن هذه المشاورات لم تنته بعد، وأنها مستمرة ومازالت هناك إمكانية لاستئنافها، حتى لو كانت قد فشلت في حل أزمة المحكمة. وبرأيي فإن هذا يعكس رغبة سورية في التمسك بخيار إيجاد حلول سياسية، لأن فشل المساعي السورية-السعودية في حل أزمة المحكمة الدولية سيدخل لبنان في أزمة سياسية غير واضحة المعالم. صحيح هناك حديث عن بدء المشاورات يوم الاثنين المقبل، لكن هناك تمسك من قبل 14 آذار بأن تكون رئاسة الحكومة أيضا لسعد الحريري، دون أن تتضح بعد موازين القوى في مجلس النواب.
ماذا عن الدور القطري من كل ذلك.. هل يمكن الحديث عن اتفاق دوحة 2 ؟
بالرغم من أن الموقف القطري عبر عن رفضه لـ "دوحة 2"، مؤكدا أن المطلوب هو تعزيز اتفاقيتي "الطائف" و"الدوحة 1"، إلا أن هذا الأمر تواجهه صعوبات، لأن هناك سؤال حقيقي يُطرح الآن على المستوى السياسي اللبناني وهو "هل نحن أمام أزمة نظام"؟ تجربة حكومة الوحدة الوطنية التي شهدها لبنان بعد اتفاق الدوحة أثبتت عجزها عن إدارة شؤون الدولة. وبدت هذه الحكومات في أزمة مستمرة وغير قادرة على إدارة شؤون السلطة.
ما تصورك إذا لشكل الحكومة المقبلة ؟ هل ستكون بالضرورة أيضا حكومة وحدة وطنية أم قد يكون هناك اتجاه للاستغناء عن المعارضة ؟
بعد الاستقالة الأخيرة، من الصعب توقع العودة إلى صيغة حكومة وحدة وطنية، أي امتلاك أحد الأطراف "الثلث المعطل". لذلك فأنا أرى أن طرح فكرة "الدوحة 2" قد تكون محقة، لأن اللبنانيين فعلا اليوم أمام إشكالية طريقة الحكم بين السلطة والمعارضة، في وقت أثبتت فيه حكومة الوحدة عجزها عن إدارة البلاد، بل وعملت على تعميق الأزمة في الواقع.
حال تشكيل حكومة، سواء وحدة وطنية أو غيرها، ما فرص نجاحهما؟
يبدو لي أن تجربة حكومة الوحدة الوطنية غير قادرة على إخراج لبنان من الأزمة. وبالتالي أستبعد إمكانية العودة إلى الصيغة نفسها. أما فكرة تشكيل حكومة مبنية على الأغلبية النيابية، وهي فرصة متاحة فقط للمعارضة، لأن قوى 14 آذار غير قادرة سياسيا – وليس عدديا – على تشكيل حكومة أغلبية. أما تشكيل حكومة من المعارضة بأكثرية نيابية، سيكون أمرا دستوريا، لكنه سيفتح الباب على أزمة جديدة عنوانها استبعاد القوى السنية عن الحكومة، وهو ما سيكون لها تبعات أخرى.
هل تعتقد أن الإشكال السياسي الراهن يمكن أن ينسحب على الوضع الميداني .. هل يمكن أن تعود مرحلة التفجيرات والسيارات المفخخة .. أو الاشتباكات، خاصة وأن أحد الفريقين مازال مسلحاً؟
برغم تأكيد قوى المعارضة، التي هي الأقدر على استخدام السلاح، أنها تريد الاستمرار في العملية السياسية، بطريقة ديمقراطية، هذا يعطي نوعا من الاطمئنان. ولكن في الوقت نفسه، وبمعزل عن نوايا الأطراف، المناخ الحالي للأزمة يتيح فرصة لتدخل قوى واستدراج قوى لمواجهات رغما عنها، وربما بإرادتها. لذا، لا أستبعد حصول تطورات أمنية. وفي ظل الأزمة الأمر وارد رغم إصرار الأطراف، وتحديدا "حزب الله"، على التمسك بالأطر الدستورية. لكن انت تعلمين، المشهد السياسي في لبنان ليس سوى ظلال لحركة إقليمية دولية، تبدو فيها السعودية وسوريا في واجهة المشهد، لكن الطرفان الإيراني والأمريكي هما المتحكمان في إدارة هذا الصراع، الذي دخل برأيي في مرحلة صعبة، لدرجة أن حتى احتمال بقاء الأزمة السياسية دون تشكيل الحكومة بات أمر وارد.
كيف تنظر لموقف "حزب الله" في الأزمة، من جهة، وموقف رئيس الوزراء، من جهة أخرى ؟
برأيي موقف "حزب الله" متوقع، لأنه أعلن أنه يخوض معركة واضحة لإسقاط المحكمة الدولية، وعندما لم يتم له ما كان يأمله عبر المشاورات السورية-السعودية، استخدم سلاح الاستقالة، متصورا أنه يمتلك أوراق ضغط تجعله قادرا على تشكيل حكومة في المرحلة المقبلة. وبالنهاية، الخطوة التي اتخذها "حزب الله" فهي ديمقراطية ودستورية، ولم تتجاوز الحدود التي يقر بها القانون.
والحريري؟
الرئيس سعد الحريري يخوض الآن معركة على جبهتين. يبدو أنه لم يكن يتصور أن تصل الأمور إلى درجة سقوط الحكومة. هناك تساؤلات عن مدى قدرته على المواجهة في المرحلة المقبلة، خاصة في ظل التحديات المصاحبة لمسألة المحكمة الدولية، إلى جانب أزمة تشكيل الحكومة، التي تثير تساؤلات حول إمكانية حصوله على أكثرية نيابية اليوم تتيح له ترأس الحكومة بأغلبية معقولة.
اجرت الحوار: أميرة محمد
مراجعة: عبده جميل المخلافي