ليبيا تجتذب رؤوس الأموال الأجنبية رغم تقلبات علاقاتها السياسية بالغرب
١ أكتوبر ٢٠٠٩حققت الصادرات الألمانية الى ليبيا نموا بمعدل 50 في المائة في الفترة ما بين عامي 2005 و2008 ، وناهز إجمالي المبادلات التجارية بين ألمانيا وليبيا في نهاية العام الماضي 11،5 مليار يورو. وقال مسؤولون في وزارة الاقتصاد الألمانية خلال ملتقى هامبورغ الاقتصادي الليبي الألماني التي عقد أمس الاربعاء(30 سبتمبر/ايلول)، إنه برغم التراجع الطفيف في ترتيب ألمانيا الى ثالث شريك اقتصادي لليبيا بعد كل من ايطاليا والصين، فإن قيمة المبادلات والاستثمارات ترتفع بشكل مضطرد، وذلك رغم الأزمة الاقتصادية العالمية.
لكن ما يثير اهتمام المحللين هو ان نمو الاستثمارات والصادرات الألمانية ومنافساتها الايطالية والصينية والفرنسية في ليبيا يأتي في ظل تقلبات ملحوظة في "المزاج" السياسي الليبي وعلاقات طرابلس مع العواصم الغربية.
رجال الأعمال يتأقلمون مع "تقلبات السياسة"
فمنذ رفع الحظر الدولي على ليبيا بعد طي ملف لوكربي، اتجهت ليبيا اقتصاديا للإنفتاح على الأسواق العالمية، وسياسيا قطعت خطوات في إتجاه إعادة إندماجها في المجتمع الدولي تُوجت الشهر الماضي بتوليها رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن علاقاتها السياسية مع الدول الغربية ظلت تشهد حالة مد وجزر، وكانت أكثر لحظاتها إثارة قبل أسبوعين عندما القى الزعيم الليبي معمر القذافي خطابه على منبر الجمعية العامة للألم المتحدة ورمى بوثيقة ميثاق الأمم المتحدة وهاجم النظام الدولي "غير العادل".
وفي رده على سؤال دويتشه فيله حول مدى تأثير التقلبات السياسية التي تشهدها علاقات ليبيا مع الدول الغربية، على حضور الشركات الأجنبية والألمانية بشكل خاص في السوق الليبي، قال البروفيسور هورست زيدنتوبف رئيس المنظمة الأوروبية المتوسطية للتعاون والتنمية، إن تلك التطورات "مؤسفة لكن ما يمكن تأكيده هو ان سلوك الجانبين الليبي والألماني وعلاقاتهما جيدة وتتميز بالاستقرار" مشيرا الى الحضور المتنامي للشركات الألمانية في السوق الليبي.
من جهته لا يخفي أولاف هوفمان وهو مسؤول في شركة "دورش" الألمانية للاستشارات، ان المستثمرين الألمان يتابعون بإهتمام ما يجري في محيطهم السياسي، ولاحظ قائلا "من المهم جدا بالنسبة لشعوب ليبيا ودول شمال افريقيا ان يتم بإستمرار مراقبة القضايا السياسية اليومية المطروحة هناك، لكن بالنسبة لنا ليس لدينا أي تغيير في استراتيجيتنا وأهدافنا". وتقدم "دورش" الألمانية خدمات استشارية للمستثمرين الألمان في ليبيا وفي دول عربية عديدة.
الشركات الألمانية تواجه منافسة شرسة في السوق الليبي
ولئن كان المستثمرون الألمان في ليبيا يراقبون عن كثب ما يجري في محيطهم السياسي فإن إهتمامهم موجه بالأساس لمواجهة الصعوبات والمنافسة الشرسة في السوق. فقد تدفقت على ليبيا خلال السنوات الأربع الأخيرة موجة من المستثمرين الأجانب الذين اجتذبتهم ثروات ليبيا من النفط والغاز.
وقد سجلت الشركات الألمانية حضورها تقليديا في قطاعات الطاقة (النفط والغاز) والبنى التحتية لكنها تواجه منافسة شرسة من شركات صينية وروسية وفرنسية لاسيما في قطاع البنى التحتية الذي يشهد طفرة كبيرة، فقد أطلقت ليبيا عروض لبناء طريق سيارات طوله 1700 كيلومتر على إمتداد ساحلها المتوسطي إضافة الى مشروع بناء خطوط سكك حديدية طولها 800 كيلومتر ستربط شمال البلاد بجنوبها. وتخطط ليبيا لتشييد مطارات جديدة وعشرات الموانئ وإنجاز مشروع ميترو في العاصمة طرابلس، وتكلف هذه المشاريع عشرات المليارات من الدولارات، وذلك حسب تقديرات خبراء شاركوا في ملتقى هامبورغ.
مستثمرون ألمان يتجهون الى قطاعات جديدة
وأظهرت أعمال ملتقى هامبورغ أنه في ظل احتدام المنافسة في قطاعات الاقتصاد الليبي التقليدية، فإن عددا من المستثمرين الألمان يتجهون الى التركيز على قطاعات جديدة مثل المياه والصحة والسياحة والطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية، والاستفادة من النمو الذي تشهده قطاعات الاقتصاد الليبي غير النفطية، حيث سجلت خلال الاعوام الاخيرة نموا سنويا يفوق 10 في المائة.
وقال محمد الفزاني عضو غرفة التجارة والصناعة في طرابلس ان ليبيا ترحب بتوسيع حضور الشركات الألمانية لكنه لاحظ ان حضورها لحد الآن يقتصر على تنفيذ المشاريع الكبرى في القطاعات الاقتصادية التقليدية، داعيا للتركيز في المستقبل على قطاعات الصناعات الصغرى والمتوسطة وتمكين الليبيين من اقتناء التكنولوجيا الألمانية.
ومن جهتها تسعى الشركات الألمانية لتوسيع نشاطها في قطاع المياه، حيث تساهم في توفير تجهيزات صناعية وتقنيات زراعية تساعد المزارعين الليبيين على إستغلال مياه "النهر الصناعي العظيم"(3000 كيلومتر) الذي شيدته ليبيا منذ 25 عاما وخلال السنوات الماضية استفاد من النهر سكان عشرات المدن الليبية التي كانت تعاني من ندرة مياه الشرب. كما ستعى الشركات الألمانية لتعزيز حضورها في ميدان تحلية مياه البحر الأبيض المتوسط الذي تعتمد عليه ليبيا بشكل كبير بسبب ندرة المياه في أراضيها.
منصف السليمي - هامبورغ
مراجعة: هيثم عبد العظيم