زيادة عدد الأفغان الفارين من بلدهم بواسطة مهربين
١٣ نوفمبر ٢٠٢١كانت زرنج أول عاصمة إقليمية في أفغانستان تسقط بيد طالبان في بداية شهر آب/أغسطس من هذا العام. وتعد هذه المدينة الواقعة في مقاطعة نمروز في جنوب غرب أفغانستان، بالقرب من الحدود الإيرانية، مركزاً تجارياً مزدحماً، فهي تقع على أحد "طرق الحرير" القديمة التي تربط قندهار بهرات.
ولا تقتصر التجارة في المدينة على البضائع فحسب، بل إن المدينة القريبة من حدود كل من إيران وباكستان تعتبر مركزاً لمهربي البشر أيضاً. ووفقاً لتقرير بثه برنامج "توداي" على قناة "بي بي سي" في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2021، كانت المدينة بالفعل مركزاً لتهريب البشر في عامي 2014 و2015. ويبدو الآن أن أعداد الأشخاص الذين يستقلون شاحنات "بيك آب" فيها تتزايد بشكل كبير.
يقول الخبير الاجتماعي والاقتصادي د. ديفيد مانسفيلد: "نراقب أجزاء مختلفة من الطريق، وما يمكننا رؤيته في كل من هذه المواقع هو زيادة في البنية التحتية لدعم تلك الرحلات". يقدم مانسفيلد المشورة للحكومة البريطانية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، والبنك الدولي، والمؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) وجهات أخرى.
ارتفاع المبالغ التي يتقاضاها المهربون
في تشرين الأول/أكتوبر 2020، أعد مركز الهجرة المختلطة (الذي يعد جزءاً من المجلس الدنماركي للاجئين) تقريراً عن تداعيات جائحة كورونا على المهاجرين والتهريب في آسيا بشكل عام وأفغانستان بشكل خاص.
وحتى قبل الأزمة الأخيرة، وجد المركز أن المهربين رفعوا المبالغ التي يتقاضونها من الناس في مدن مثل زرنج لنقلهم عبر الحدود إلى إيران وبعدها إلى تركيا وأخيراً إلى أوروبا. ووجد التقرير أنه في الربع الثالث من عام 2020، طلب المهربون من كل شخص في المتوسط 1710 دولارات (نحو 1475 يورو) لنقله من أفغانستان إلى تركيا. وقال مهاجر أفغاني للمركز إنه وبسبب أزمة كورونا، زادت دول مثل إيران من عدد أفراد حرس الحدود، مشيراً إلى أنه "كان هناك المزيد من نقاط التفتيش في الطريق، لذلك كان على المهربين دفع رشاوى لمزيد من الناس".
وقال رجل آخر، من أقلية الهزارة، إن المهربين قالوا له إن "الميليشيات والمتمردين سيسببون لهم مشاكل إذا كان لديهم أشخاص من الهزارة في المجموعة، ما لم يدفعوا رشاوي إضافية". كما ورد أن المهربين يتجهون إلى طرق أكثر خطورة للتحايل على السلطات.
زيادة في الأعداد مقارنة بـ2015
كتب مانسفيلد، الذي تصفه "بي بي سي" بـ"خبير في الاقتصادات العابرة للحدود"، العديد من الأوراق الأكاديمية والاستشارية حول تجارة المخدرات وازدهارها في المنطقة. ويوضح في تقرير لـ"بي بي سي" أنه على الرغم من أن العديد من المهربين يعتبرون، حتى الآن، أن عامي 2014 و 2015 كانا "ذروة" في عدد الأشخاص الذين يدفعون لهم للوصول إلى أوروبا، تبين الأرقام الحالية أن عدد الأشخاص الذين حاولوا عبور الحدود بشكل غير قانوني زاد بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة.
في عامي 2014 و2015، كان عدد الشاحنات الصغيرة التي تغادر مدناً مثل زرنج وتحمل مهاجرين، يتراوح بين 200 إلى 250 كل يوم. لكن "في الأسابيع الأخيرة، تضاعف هذا العدد. جميع المؤشرات تدل على أن هذا الشتاء سيكون قاسياً جداً. أعتقد أننا سنشهد مغادرة المزيد من الأشخاص. وعندما نضيف ذلك إلى عدد الأشخاص الذين سبق أن غادروا، أعتقد أنه سيكون هناك عدد كبير من الناس في طريقهم إلى أوروبا"، كما يقول مانسفيلد.
أكثر من 50 شاحنة تغادر في أقل من ساعة
وقال مراسل "بي بي سي"، سيكوندر كرماني، إنه لاحظ في أقل من ساعة مغادرة "أكثر من 50" شاحنة صغيرة. ويقدر كرماني في تقريره أن كل شاحنة كانت تحمل ما بين 18 و20 شخصاً، متكدسين فيها.
"ماذا يمكننا أن نفعل غير هذا؟"، هكذا قالت مدرسة أفغانية في إحدى الشاحنات لـ"بي بي سي"، موضحة أنه وعلى الرغم من أن المدرسة التي تعمل فيها في كابول "لاتزال مفتوحة"، فإنها وزملاءها "لم يتلقوا الرواتب". وقالت: "لم تدفع لنا الحكومة أجورنا منذ ثلاثة أشهر"، وأضافت: "لم يكن لدينا خيار (سوى الرحيل). ماذا سيأكل أطفالي؟".
وأكدت "بي بي سي" أنه وعلى الرغم من أن غالبية الأشخاص على متن الشاحنات كانوا رجالاً، لكنها أشارت إلى وجود "بعض النساء والأطفال". وأضاف المراسل أنه شاهد العديد من الأشخاص الذين لديهم مؤهلات مهنية يرحلون.
الطبقة الوسطى بين الفارين
ووجد موقع مهاجر نيوز أيضاً أن العديد من الأشخاص الذين يعملون فيما يسمى بوظائف "الطبقة الوسطى"، مثل المعلمين أو المحامين أو موظفي الحكومة، يغادرون أفغانستان، إما لأنهم لم يتلقوا رواتبهم أو لأنهم يشعرون بأنهم في خطر.
وبعد مغادرة مدينة زرنج، تقطع الشاحنات التي تحمل المهاجرين نحو "سبع ساعات في الصحراء"، قبل أن تصل إلى باكستان، ومن هناك يتم تهريبهم إلى إيران، بحسب "بي بي سي".
لكن كلاً من إيران وباكستان أغلقتا حدودهما في وجه القادمين من أفغانستان والذين لا يحملون أوراق دخول قانونية. وذكرت "بي بي سي" أنه يتم ترحيل أعداد كبيرة من الأشخاص من إيران يومياً. وغالباً ما يكونون من الذين يحاولون تسلق جدار عال على الحدود، لكن يتم القبض عليهم من قبل السلطات الإيرانية. ويقول رئيس لجنة الإنقاذ الدولية، ديفيد ميليباند، أن الأزمة الحالية في أفغانستان هي "الأسوأ" التي تشهدها البلاد.
انهيار اقتصادي
وذكر تقرير للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، نشر في 29 تشرين الأول/أكتوبر 2021، أن 18,4 مليون شخص في أفغانستان حتى الآن احتاجوا إلى مساعدات إنسانية منذ بداية 2021، وأن 3,5 مليون شخص تلقوا مساعدات غذائية هذا العام.
وبحسب برنامج الغذاء العالمي، هناك ما لا يقل عن تسعة ملايين شخص "على أبواب المجاعة" ، وليس لديهم ما يكفي من الطعام، بحسب ميليباند، مضيفاً أن أفغانستان تشهد "انهياراً اقتصادياً".
فقد كانت أكثر من 75% من ميزانية الحكومة الأفغانية السابقة تعتمد على المساعدات الخارجية التي تم تعليقها منذ سيطرة طالبان على البلاد. كما قام المجتمع الدولي بتجميد أصول الدولة الأفغانية، والتي تشمل، وفقاً لميليباند، ما لا يقل عن 10 مليارات دولار في الولايات المتحدة وحدها.
مساعدات إنسانية عاجلة
وأوضح ميليباند أن هذه الإجراءات تعني أنه لا توجد أموال في البنوك الأفغانية، وبالتالي لا توجد أموال في جيوب الناس أيضاً. في الأسبوع الماضي، أجرت مفوضية اللاجئين ثلاث عمليات إنزال جوي، ورمت أطناناً من حزم المساعدات "الشتوية" للنازحين داخل البلاد. ومن المقرر نقل المزيد من المساعدات عبر البر من أوزباكستان، للحماية من فصل الشتاء القاسي، إذ يمكن أن تنخفض درجات الحرارة إلى أقل من 25 درجة مئوية تحت الصفر في بعض الأماكن.
يقول ميليباند إن البلاد بحاجة إلى "تمويل لدفع رواتب القطاع العام وتمويل الخدمات الأساسية، وتحرير الأصول لهذه الخدمات الأساسية". ويحذر ميليباند من أن الشعب الأفغاني هو الذي يعاني من الأثار قصيرة المدى للانهيار الاقتصادي، ولكن إذا لم يتحرك المجتمع الدولي بسرعة، "سندفع الثمن جميعاً إذا سُمح له (الانهيار الاقتصادي) بالتفاقم على المدى الطويل".
إيما واليس/م.ع.ح