مؤتمر باليرمو.. فشل جديد متوقع يطيل أمد الأزمة الليبية؟
١٢ نوفمبر ٢٠١٨انطلق الإثنين (12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018) بمدينة باليرمو الإيطالية مؤتمر دولي حول مستقبل ليبيا التي تشهد حالة من الفوضى منذ 2011، لكن نتائج المؤتمر، الذي يستمر يومين، غير مؤكدة ويعتري الكثيرين الشكوك حيال نجاحه.
وتأتي هذه المحاولة الجديدة بعد مؤتمر باريس الذي عقد في أيار/ مايو الماضي وأسفر عن اتفاق على موعد لإجراء انتخابات وطنية في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر. لكن الأمم المتحدة المكلفة إيجاد حل يؤدي إلى الاستقرار في ليبيا، أعلنت أن العملية الانتخابية أرجئت، وستبدأ في ربيع عام 2019.
انقسامات ليبية وغياب للضمانات
وكما حدث في مؤتمر باريس، دُعي المشير خليفة حفتر إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً فايز السراج ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد المشري. كما دعت روما شخصيات بارزة بالإضافة إلى عدد من أعيان القبائل والمجتمع المدني.
وإلى جانب التوتر بين مختلف القوى الليبية، تؤثر على مؤتمر باليرمو أيضاً الانقسامات بين مختلف الدول المهتمة بالشأن الليبي. ويرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الليبي عبد الباسط بن هامل أن "المؤتمر فاشل حتى قبل بدايته؛ لأن النتائج تحتاج إلى ضمانات حقيقية لتنفيذها، وهي غير موجودة بسبب غياب الثقة بين الفرقاء في ليبيا، وخصوصاً بين الحكومة وحفتر".
وأضاف عبد الباسط بن هامل في مقابلة له مع DW عربية أن "التجربة علمتنا على مدى الفترة السابقة واللقاءات بين فايز السراج وحفتر أنها كلها لقاءات لم تتكلل بالنجاح وأقرب مثال الهجوم الذي شنه كل منهما على الآخر عبر منابره الإعلامية عقب مؤتمر باريس، كما أن كل طرف لا يبدو أنه على استعداد أبداً لتقديم أي تنازل عن مكتسباته السياسة والاقتصادية والعسكرية، وبالتالي فإن مؤتمر باليرمو لن يكون استثناء من المؤتمرات الفاشلة التي سبقته".
ويتفق مع الرأي نفسه محمد شوبار، المحلل السياسي الليبي، والذي يرى أن "المؤتمر هش بشكل كبير نظراً لوجود فجوة ضخمة بين دول الاتحاد الأوروبي وخصوصاً فرنسا وإيطاليا حيال ليبيا، إلى جانب عدم حضور الولايات المتحدة، التي كان يمكن أن تضمن تنفيذ بعض نقاط الاتفاق".
الحد من الهجرة وسوء استغلال النفط
ليبيا تُعتبر أحد أهم نقاط العبور من شمال افريقيا إلى أوروبا، حيث يسعى عشرات الآلاف من المهاجرين سنوياً للوصول إلى أوروبا انطلاقا من سواحلها، كما ينشط المهربون هناك مستفيدين من الفوضى السائدة في البلد. ومسألة قوافل المهاجرين، غير الشرعيين المنطلقة من السواحل الليبية، تقض مضاجع أوروبا بشكل عام ودول ساحل البحر المتوسط منها بشكل خاص.
ويقول محمد شوبار، المحلل السياسي الليبي، إن "أهم ما تم تسريبه بشأن أجندة المؤتمر كان النقاط المتعلقة بالجانب الأمني خاصة مسألة إحكام القبضة على تدفق المهاجرين، والأهم هي مسالة تهريب النفط حيث تحدثت تقارير أممية ودولية عن استخدام المجموعات المسلحة للثروة النفطية لليبيا من أجل زيادة قوتها بشراء أسلحة وضم المزيد من المؤيدين لها لتغيير الأوضاع على الأرض".
وأضاف شوربا أن المؤتمر سيناقش أيضاً "تأمين طوق العاصمة طرابلس باعتبار أن أغلب البعثات الدبلوماسية تتواجد هناك ويجب حمايتها بكل الأشكال"، مشيراً إلى أنه وعلى الجانب السياسي سيتم الحديث عن موعد الانتخابات العامة في البلاد بجانب الوثيقة الدستورية، التي ستحتكم إليها المؤسسات التشريعية والتنفيذية، لكنه أبدى تشاؤماً حيال الاتفاق حول هذا الأمر نظراً لغياب القوة الداعمة لتنفيذ مخرجات المؤتمر على الأرض.
الصراع الإيطالي – الفرنسي.. حجر عثرة؟
كانت إيطاليا قد اتهمت فرنسا عقب اجتماع باريس بأنها تريد أن تكون وحيدة في ليبيا، التي يحكمها كيانان متنافسان: حكومة السراج المنبثقة من عملية الأمم المتحدة ومقرها طرابلس وسلطات موازية في الشرق يدعمها برلمان منتخب عام 2014 وقوة مسلحة بقيادة المشير حفتر. وفي أيار/ مايو الماضي، دعت باريس إلى إجراء انتخابات في كانون الأول/ ديسمبر، لكنها واجهت بسرعة تشكيكاً من قبل إيطاليا وكذلك الولايات المتحدة.
وأعربت إيطاليا عن انزعاجها من انعقاد مؤتمر باريس الأخير وقالت إنها لم تعلم به إلا عشية انعقاده، فيما شن الإعلام الإيطالي هجوماً عنيفاً على فرنسا متهماً إياها باستغلال انشغال إيطاليا بصراعاتها السياسية الداخلية وأنها (فرنسا) تهدف إلى السيطرة على ثروات ليبيا من الغاز والنفط.
ويرى البعض أن المؤتمر الجديد ما هو إلا مكايدة سياسية من إيطاليا رداً على مؤتمر باريس، وهذا ما يتفق معه المحلل السياسي الليبي محمد شوبار، والذي أكد وجود تناقض كبير بين إيطاليا وفرنسا فيما يتعلق بالمصالح الاقتصادية والسياسية لكل منهما في ليبيا "واتضح ذلك بشدة خلال السنوات الثلاثة الماضية حتى مؤتمر باريس الذي لم تحضره إيطاليا بشكل واضح وحضر عنها مندوب من السفارة الإيطالية في باريس".
أما عبد الباسط بن هامل، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الليبي، فيرى أن جزءً كبيرا من الصراع الإيطالي – الفرنسي نابع من محاولات شركتي إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية للحصول على أكبر قدر ممكن من الكعكة الليبية، بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك فيقول "إن ما حدث منذ 2011 إلى اليوم هو حرب نفط وغاز وليست ثورة لأن الثورة لا تدمر ولا تقتل ولا تشرد ولا تصنع إرهاباً ولا تأتي بتنظيمات إرهابية إلى المشهد". ويضيف بن هامل: "في اعتقادي الشركات النفطية الكبرى هي التي قادت هذه الحرب لتعظيم مكاسبها من الثروة الليبية ".
جيران ليبيا .. الحاضرون الغائبون!
من جهته أكد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية أن الرئيس عبد الفتاح السيسي توجه اليوم الاثنين إلى مدينة باليرمو الإيطالية، في زيارة رسمية لمدة يومين، للمشاركة في أعمال القمة المصغرة للقادة المعنيين بالملف الليبي، وذلك تلبيةً لدعوة من رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي. وفي هذا السياق يقول عبد الباسط بن هامل، المحلل السياسي الليبي، إن أهم جيران ليبيا فعلياً هم تونس والجزائر ومصر، وكان من الضروري للغاية حضورهم وإشراكهم في المؤتمر لأنهم هم مجموعة الضغط العربية الوحيدة التي لها مصالح مشتركة مع ليبيا، وعدم دعوتهم للمؤتمر يعد أحد عوامل فشله. وأضاف بن هامل: "الحقيقة أن لديَّ الكثير من الريبة بخصوص التوجهات الإيطالية حيال هذا الأمر حيث كان من الواجب حضور القيادات الأولى لهذه البلاد لتعطي المؤتمر زخماً وأهمية، لكن يبدو أن المؤتمر موظف لصالح طرف بعينه أو أن الإيطاليين لا يريدون إلا مواجهة الفرنسيين مواجهة سياسية والرد على مؤتمر باريس وفقط".
لكن محمد شوبار، المحلل السياسي، يختلف مع بن هامل في هذه النقطة، حيث يرى أن "هذه الدول لم تتعامل مع أغلب الأطراف في ليبيا فكل دولة تقف مع طرف وتشيطن الطرف الآخر؛ ما زاد من الفجوة بين الأطراف الليبية". ويتابع شوبار "الجزائر وتونس تقفان مع ممثلي الطرف الغربي في ليبيا، ومصر تقف مع ممثل الجهة الشرقية، وبسبب ذلك لم تتبلور حلول أو رؤية سياسية ناضجة يتفق عليها الجميع" ويؤكد شوبار في حديثه مع DW عربية: "عموما فإن حضور أي رئيس دولة عربية للمؤتمر لن يغير كثيراً في مجريات الأمور نظراً لأن أجندة المؤتمر تم الاتفاق عليها وإقرارها مسبقا بين قادة أوروبا".
عماد حسن