بداية حقبة من عدم الاستقرار العالمي؟
١٢ فبراير ٢٠١٦ينعقد مؤتمر الأمن في مدينة ميونيخ بجنوب ألمانيا هذا العام في وقت أخذ فيه الصراع السوري منحى خطيراً. فقد بدأ الفرقاء الرئيسيون المعنيون بالملف السوري في ميونيخ مباحثات صعبة حول اقتراح روسي بوقف لإطلاق النار قي وقت يتواصل هجوم القوات النظامية بدعم من موسكو.
وفيما ذكر مسؤول في الخارجية الأميركية بأن الولايات المتحدة تشدد على "وقف فوري لإطلاق النار"، تحدثت بعض وسائل الإعلام عن أول آذار/ مارس موعدا لوقف للنار عرضته موسكو التي حذرت في نفس الوقت من أي محاولة هجوم بري في سوريا معتبرة أنها ستؤدي إلى حرب شاملة و"دائمة".
من ناحينه، شدد وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير على ضرورة تحقيق "اختراق" في ميونيخ لوقف المعارك وإحياء عملية السلام. لكنه نبه قائلا "لا استطيع أن أقول الآن أننا سنحقق ذلك". وتُتهم روسيا بأنها تريد تأخير هذا الموعد لتحقيق مزيد من المكاسب العسكرية والدبلوماسية وتعزيز موقع نظام بشار الأسد قبل استئناف محتمل لمفاوضات جنيف.
ويأخذ الغربيون على روسيا أنها قوضت مفاوضات السلام بين السوريين عبر شن غارات جوية كثيفة على مقاتلي المعارضة. وتطالب المعارضة السورية بوقف لإطلاق النار قبل أن توافق على استئناف المفاوضات في جنيف. وتدل المؤشرات على أن مفاوضات ميونيخ ستكون معقدة بسبب غموض الموقف الروسي وضعف هامش المناورة لدى الدول الغربية.
نقط ضوء في تقرير قاتم
عرض تقرير ميونخ للأمن، الذي يصدر قبل انعقاد المؤتمر المقبل للأمن في ميونيخ، نظرة إستراتيجية قاتمة لعام 2016. إذ يشير التقرير إلى أننا سنشهد بداية اضطرابات وعدم استقرار في مناطق جديدة من العالم. لكن من غير المنصف القول إن معدّي تقرير ميونخ للأمن لم يحاولوا البحث عن النقاط المضيئة خلال عام 2015. السنة التي تميّزت بأزمات تتجه مع مرور الوقت إلى التصعيد بدلاً من التهدئة. فقد وجد هؤلاء أن:
- أقل من عشرة بالمئة من سكان العالم يعيشون اليوم في فقر مدقع، وهو انخفاض كبير مقارنة بما كان الأمر عليه قبل 25 عاماً، حين كان ما يقارب أربعين بالمئة من سكان العالم يعانون من ذلك.
- وقّع قادة العالم أخيراً في باريس، اتفاقية دولية لمكافحة تغير المناخ.
- عقدت القوى الدولية وإيران صفقة حول برنامج إيران النووي، بعد سنوات من المفاوضات.
صراعات بلا حدود
عند وضع هذه النقاط الإيجابية الثلاثة جانباً، نجد الكثير من الصراعات، التي يزيد من خطورتها وصعوبة احتوائها لا محدوديتها وتوسعها بشكل متزايد. أفضل مثال على هذه "الصراعات اللا محدودة" هو الشرق الأوسط، فقد وجد التقرير أن: "الحرب في سوريا تحولّت إلى أزمة إقليمية غير محصورة. فطرحت تساؤلات على المدى المتوسط حول الحدود الحالية لدول الشرق الأوسط، ثم إن الحرب في سوريا كانت المحرّك الرئيسي لأزمة اللاجئين في العالم، فعام 2015 هو الأعلى في عدد اللاجئين منذ الحرب العالمية الثانية".
إن أفضل مثال على التهديدات الجديدة المنبثقة عن الصراعات التي تتجاوز الحدود هو "تنظيم الدولة الإسلامية"، الذي استغل الوضع المتردي في العديد من دول الشرق الأوسط المتداعية، ليوسع نفوذه خارج مناطق تواجده في سوريا والعراق. كما أن التنظيم يتجه لتوسيع نشاطه عالميّا باستخدام أحدث وسائل الاتصال. ويتضّح من هجمات باريس، أنه سيستغل الحدود المفتوحة في القارة لتنفيذ هجمات إرهابية في أوروبا.
حراس عاجزون
وأوروبا ليست مهددة بالتطرف الإسلامي فقط، وإنما الصراع في أوكرانيا أيضا سيقى يشكل تهديدا أمنيا لأوروبا ما دام مستمرا. وأصبحت وحدة أوروبا السياسية تشكل تحديّاً مع التدفق الكبير للاجئين وخلافات التعامل مع هذا التدفق. وما يزيد الوضع سوءاً هو عودة القوميين والنزعة القومية التي تشكل تهديدا لاتفاقية شنغن وللحدود المفتوحة في أوروبا.
ولا تلوح في الأفق حلول لهذا الأزمات، جزئيا بسبب سلبية "الأوصياء العاجزين" وسلوك "المخربين المتهورين" حسب ما جاء في التقرير. فأحد "الحراس" التقليديين للنظام الدولي، أي الولايات المتحدة الأمريكية، تبدي بشكل واضح عدم رغبتها في لعب دور المدير العالمي للأزمة "قد تكون ادعاءات انسحاب الولايات المتحدة مبالغا فيها، لكنها في اثنين من الصراعات الحالية، سوريا وأوكرانيا، لعبت دوراً أقل تأثيراً من صراعات سابقة أخرى". أما أوروبا المصنفة كلاعب دولي قوي "فشلت في بناء سياسة خارجية وأمنية مشتركة ذات مصداقية على النحو المرجو في معاهدة لشبونة" كما تبدو القارة العجوز مشغولة بالخلاف حول أزمة اللاجئين وقضايا داخلية أخرى.
تصعيد غير مقصود
إن عدم رغبة أوقدرة القوى الغربية على لعب دور قيادي أكثر فعالية سبب فراغا في السلطة انعكس على الصراعات، وزاد من احتمالات حدوث أزمات عالمية أخرى. ويستطيع المرء القول إن خطورة هذا التصعيد غير المقصود لم تكن بهذه القوة منذ "نهاية الحرب الباردة" كما يقول لـ DW توبياس بونده الذي شارك في إعداد التقرير. ففي أوروبا العلاقات بين الغرب وروسيا ما تزال في حالة سيئة، وفي الشرق الأوسط " من الصعب أن تزداد العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية سوء دون مواجهة عسكرية مباشرة بينهما" حسب التقرير. كما أنّ "التوتر بين تركيا وروسيا ازداد بشكل كبير". وفي آسيا، تقلق تصرفات الصين العديد من جيرانها مما يدفعهم للرغبة بدور أكبر للولايات المتحدة الأمريكية هناك.
ويخلص تقرير ميونخ للأمن إلى أنه يتوقع أن "نشهد في 2016 نموا للمخاطر، إضافة إلى مواجهات عسكرية وحالات من التحول الجذري. ستكون بداية للمزيد من اللاستقرار على الصعيد الدولي". من الصعب توقع كيفية استجابة المجتمع الدولي لهذه التصورات، لكن التسليم بها والتصرف وفقها ربما يكون بداية جيدة كما يقول بونده، ويتابع القول "إنّ إلقاء نظرة على التحليلات ولإحصاءات والخرائط المتضمنة في التقرير توضح الحاجة "إلى توظيف المزيد من الموارد الفكرية والمالية، فقد تم أخذ الكثير من الأمور كمسلّمات".