ماذا بعد إعادة انتخاب بشار الأسد؟
٥ يونيو ٢٠١٤كما كان متوقعا، أعيد انتخاب الرئيس السوري بشار الأسد لولاية رئاسية ثالثة، وسط استنكار غربي واسع، بعد وصف الانتخابات بـ"المهزلة" ونتائجها بـ"إهانة لجميع السوريين"، كما ورد على لسان وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ. وذلك مقابل إشادة إيرانية وروسية بانتخابات من شأنها أن تحمي "استمرار عمل مؤسسات الدولة"، حسبما أعلن عنه الكسندر لوكاشفيتش المتحدث باسم الخارجية الروسية.
وإذا كانت أحد الأطروحات المقدمة تشير إلى أن إصرار بشار الأسد على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، كان مرده محاولاته لانتزاع الشرعية المفقودة، فإن أندريه بانك من معهد الدراسات الدولية والإقليمية في هامبورغ أكد أن لا شرعية للأسد، لكون أن الانتخابات لا تمثل جميع السوريين وإنما شملت المناطق الخاضعة لسيطرته فقط وأقيمت داخل منطقته والفئات المؤيدة. الأسد نصب نفسه على رأس قسم من السوريين وليس جميعهم، فعدد كبير من مناطق الشمال، وبعض مناطق الشرق والجنوب باتت بيد المعارضة المسلحة الساعية لإسقاطه، حسب الخبير الألماني.
"أطروحة الأقليات"
نتيجة هذه الانتخابات لم تخرج عن سياق سابقتها التي دأب على تنظيمها الأب حافظ الأسد منذ الانقلاب العسكري الذي قاده إلى السلطة عام 1970، والذي شرعن من خلالها حكمه بنسبة قاربت المائة بالمائة حتى وفاته، لكن خصوصية الانتخابات الأخيرة تكمن في أنها جاءت في إطار محاولات النظام رد الاعتبار واسترداد القوة المهزوزة منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية المناهضة له قبل أزيد من ثلاث سنوات. وذلك قبل أن تتطور الأحداث لتصل إلى مستوى حرب أهلية حصدت أرواح آلاف السوريين وهجرت الملايين. من جهته، يوضح المحلل السياسي خطار أبو دياب في حوار لـDW عربية أن الاستحقاق الانتخابي، حتى وإن أقيم في ظروف لوجيستية واجتماعية صعبة، كان على مستوى الداخلي موجها بالأساس للقاعدة الحاضنة للأسد التي أنهكتها الحرب، للتأكيد أن لا غنى عن بشار الأسد وأن مصيره مرتبط بمصير الأقليات، وذلك في إطار "أطروحة الأقليات" التي أطلقت منذ بداية الأحداث.
الصراعات الإقليمية
أما خارجيا، فإجراء الانتخابات جاء لتوجيه رسالة إلى الحلفاء وعلى رأسهم روسيا وإيران، ولا يشكك المحلل الألماني أندريه بانك في حديث لـDW عربية في نية طهران وموسكو المضي في دعم الأسد في الشرق الأوسط، ومن ثمة فأي إشارات قوة يبعثها الأسد نحو الخارج فهي تخدم هذا الطرح دون أدنى شك. لكن الخبير الألماني يستدرك القول، أنه ورغم إصرار الحليف الدولي والإقليمي للأسد على إبقاءه في سدة الحكم بسوريا، إلا أنهما يدركان تماما ضرورة التوصل إلى حل إقليمي توافقي لحل الصراع الدائر في سوريا.
أما حول ردود الأفعال الغربية غداة الإعلان عن نتيجة الانتخابات، فلم تخرج عن إطار "التسليم بالمسلّم" كما وصفها خطار أبو دياب لكون أن إعادة انتخاب الأسد لن يغير شيئا في المشهد السوري مع بقاء الوضع كما هو، والدليل يضيف المحلل السياسي المقيم في باريس، يكمن في أن النظام واصل رمي البراميل المتفجرة أثناء عملية الاقتراع في المناطق التي قال عنها أنها شهدت مصالحة. وبالتالي فإن ما كرسته الانتخابات هو حقيقة أن الأسد هو الطرف الأقوى في سوريا، والجهة الأكثر تماسكا والحاصلة على أكبر دعم إقليميا ودوليا مقارنة بفصائل المعارضة المشتتة. إن ما سيسعى له النظام في المستقبل القريب حسب أبو دياب، هو ترتيب حل على مقاسه بدعم من الروس، بما في ذلك إشراك معارضة "مفبركة" ضمن الحكومة القادمة، لكن مع استمرار النزاع المرتبط بحرب باردة جديدة بين الأمريكان والروس.
لا تغيير في السياسية الأمريكية
على صعيد آخر، يستبعد المراقبون من أن إعادة انتخاب الأسد ستدفع بالولايات المتحدة الأمريكية نحو التفكير في تغيير سياستها تجاه سوريا. بل وإن الرسالة التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من لبنان إلى كل من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني لبذل "جهود حقيقية"، واصفا الانتخابات السورية بأنها "صفر حقيقي"، ما هو إلا خطاب لا دلالات فعلية له ما دامت واشنطن وحلفاؤها لا يسعون إلى إيجاد حل دائم في سوريا في ظل حرصهم على ابعاد شبح اندلاع حرب إقليمية بالمنطقة، يقول المحلل أندريه بانك. أما بالنسبة لخطار أبو دياب كلام كيري جاء تغطية على العجز الأمريكي والدولي لعدم قدرته على تغيير مجرى الأحداث. ويبقى الخيار الأمريكي مرتبطا على وجه الخصوص باللجوء إلى حرب استنزاف تستهدف إيران وروسيا والقاعدة على حد سواء ما دامت أن المصالح الأمريكية والإسرائيلية غير مهددة. وفي حال أصبح الأمر كذلك، فإننا سنشهد ساعتها تغييرا مؤكدا، يوضح المحلل السياسي.