ما الذي يدفع اللاجئين المضطربين نفسيا إلى العنف؟
٣٠ يوليو ٢٠١٦شهدت ألمانيا أربعة اعتداءات دموية خلال أسبوع واحد: الأول قام به طالب لجوء (19 سنة) قيل أنه أفغاني أو باكستاني بعد أن اعتدى بسكين وفأس على خمسة أشخاص على متن قطار في فورتسبورغ. الثاني قام به شاب ألماني من أصول إيرانية (18 سنة) في ميونيخ بعد أن تسبب في قتل تسعة أشخاص وإصابة آخرين. الثالث تسبب فيه طالب لجوء سوري (21 سنة)، إذ قام بقتل امرأة في مدينة رويتلينغن ورجرح آخرين بواسطة ساطور. أما الاعتداء الرابع فقام به أيضا طالب لجوء سوري (27 سنة) بعد أن فجر عبوة ناسفة أمام مقهى في مدينة أنسباخ. مما تسبب في مصرعه وجرح آخرين.
لتسليط الصوء على خلفيات ودوافع هذه الأحداث من زاوية سيكولوجية حاورت DW عربية الدكتورة ماجي شويار، الأخصائية في الأمراض النفسية.
DW: سيدة شويار، عشنا أسبوعا عسيرا مليئا بالأحداث المأساوية. ارتكب بعضها لاجئون وبعضها مضطربون نفسيا. ما تحليلك لهذه الأحداث انطلاقا من عملك كطبيبة نفسية؟
ماجي شويار: تختلف كل هذه الأحداث في دوافعها وخلفياتها. بيد أنها تتشابه جميعا في نقطة واحدة. جميع الجناة عانوا من من إرهاصات نفسية. تعرض بعض الأشخاص لأعمال عنف و شعورهم بالخطر أو بالتهميش من محيطهم يؤدي بهم في الأخير إلى ارتكاب العنف والخشونة في رد الفعل.
علاوة على ذلك، يسعى مرتكبو العنف دوما إلى البحث عن دافع شرعي يبرر فعلتهم. يحصل هذا غالبا أثناء الحروب الأهلية. إذ يقضي كثيرون نحبهم. والسبب هو اعتقاد الجناة أن ضحاياهم لا يستحقون الحياة. كما أن الاعتقاد بوجود دافع معين للإقدام على قتل الناس هي دوما حجة تستغل من الجناة. وبناء عليه، يمكن القول إن ارتكاب العنف يتولد بسبب عوامل عديدة مجتمعة.
إلى أي مدى يمكن القول إن اللاجئين المضطربين نفسيا يمكن أن يفقدوا السيطرة على حياتهم وأن يتحولوا لممارسة العنف؟
هناك قاعدة في علم النفس تقول إن الصدمة النفسية تولد بطبعها اضطرابات وشعورا بالخوف لدى المريض، ولكنها لا تولد بالضرورة العنف. ما يعني أن الخوف المستمر من عنف الآخرين ومن التهديد لا يحول بالضرورة المريض إلى شخص عنيف. لكن المشكلة تمكن في أن بعض الأشخاص لا يريدون أو لا يستطيعون مواصلة العيش في ظل الخوف. هذا ما يجعل منهم في النهاية انتحاريين.
هل يعني ذلك أن جزءا صغيرا فقط من المضطربين النفسيين قادرين على تبني نهج العنف؟
بالضبط، إذ أن تبني العنف يشترط توفر العديد من العوامل المشجعة على ذلك. هناك أمثلة على ذلك وهي التعرض إلى العنف مرارا في الطفولة، خاصة من طرف أولياء الأمر أو التعرض لمعاملة سيئة من طرف الأم. بيد أن هذا كله غير كاف. يعد الشعور بالإحباط أو الاكتئاب أيضا عاملا آخرا. إذ يتسم سلوك المحبطين بالسلبية وبالعزلة. لكن رغم ذلك، فإن هذا لا يعني أنهم مستعدون للعنف. يتعلق الأمر بنسيج مترابط بين أحداث مأساوية تعود إلى ماضي الطفولة وضغط المجتمع في الوقت الحاضر. هذه عوامل تخلق لدى المريض شخصية عنيفة.
طيب ، فيما يتمثل عملك بالضبط في مساعدة اللاجئين المضطربين؟
عايش بعض اللاجئين أحداث أليمة في الماضي مما أثر كثيرا على حالتهم النفسية. هنا تمكن مهمتنا فنحن نقوم بمعالجتها بدقة. ويشترط توفر بعض الظروف المساعدة على تجاوزها. من أهمها أن يتأقلم اللاجئ مع مكان حياته الجديد الخالي من العنف. ربط علاقة قوية مع هذا المكان يشعر الشخص المعني بأن هناك جدية في التعامل مع مشاعره. هذا ما يجنبه الشعور بالخوف أو الغضب. لابد من الإشارة أن غالبية من يعانون من اضطرابات نفسية معقدة يرزحون تحت ضغط داخلي كبير. ما يدفعهم للجوء إلى الكحول أو المخدرات أو أشياء أخرى للإدمان اعتقادا منهم أن ذلك سيساعد على مكافحة الاضطراب الداخلي.
هل تعتقدين أن عملك يمكن أن يكون جزءا أو ربما حتى شرطا من شروط نجاح الإندماج؟
نعم بكل تأكيد. يعاني كل مضطرب نفسي من العديد من مخلفات الألم. ما يولد عنده شعورا بالعجز. عجز لأنه لا يستطيع العمل بشكل جيد بسبب المرض أو ربما عن قناعة بأنه لا يستطيع أن ينفع المجتمع.
ينحدر العديد من اللاجئين في ألمانيا من دول تعاني الحروب والعنف، كما أن رحلة هروبهم لم تخل من خطورة. بيد أن الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة للرجال. إذ ينتابهم شعور بأنهم نكرات. فهم لا يملكون لا التأهيل المهني ولا المال الكافي حتى يتمكنوا من تحقيق أمانيهم. هذا الأمر يلعب دورا كبيرا جدا.
يجب علينا مساعدة هؤلاء الأشخاص، فهم من ناحية يعانون نفسيا ومن ناحية أخرى يفتقرون إلى المكانة الاجتماعية. ما يعني أن علينا تهيئة الطريق أمامهم ليجدوا مكانا داخل هذا المجتمع.
في المقابل، أمامنا تحد آخر. إذ علينا إيجاد صيغة لتعميق نظمنا الاجتماعية وقوانينا لدى اللاجئين، فهي تختلف بطبيعة الحال عن بلدانهم الأصلية. هذا سيمنحهم بطبيعة الحال فرصا أكبر للإندماج في المجتمع. لكن علينا أن لا نسمح بأي حال من الأحوال أن يقوم البعض بالتبريرات المغالية. يجب على رجال الدين تقديم موقف واضح إزاء هذا الأمر.
تطغى في بعض المجتمعات التي ينحدر منها بعض المرضى عقلية الرجل القوي. ألا يمكن أن تعرقل هذه العقلية مهمة مساعدتهم؟
نعم، ينعزل المضطربون النفسيون بطبيعتهم لإن كل ما يرغبون في فعله هو تفادي كل شيء. التفادي هو بالمناسبة أحد أبرز المعايير التي نستخدمها في تحاليل الصدمة النفسية. لقد عاش المضطربون نفسياأحداثا فضيعة وهم لا يتفادون الحديث عنها فحسب. بل أيضا يحاولون كبتها كليا عبر اللجوء إلى الإدمان. لكن المخدرات في الواقع ستزيد من حدة هذه الاضطرابات وغاليا ما تلقى بهم إلى دائرة العنف.
نقوم باستقبال المضطربين النفسيين جراء حالات التعذيب أو اعتداءات وحشية. ويساعدنا في ذلك عادة المتطوعون أو منظمة العفو الدولية "أمنستي". يجهل المضطربون نفسيا في الغالب أن هناك حلا لمشكلتهم أو على الأقل إمكانية للتخفيف منها. إذ يسود الاعتقاد في بعض الثقافات أن الأمراض النفسية هي من العيوب الكبرى. لا نريد التعميم هنا لإن في ذلك احتقار إلى هذه الثقافات. إلا أن علينا القول أن إعادة كسب الاحترام والكرامة للشخص المعني تقع في محور عملنا.
هل نفهم من خلاصة كلامك أننا أمام العديد من المشاكل؟
من الواضح أن النظام الصحي في ألمانيا بشكله الحالي يصعب من نجاح مهمتنا. علينا مراعاة ما نصحت به منظمة الصحة العالمية بعض الدول الأخرىن من خلال تغيير المهام، ما يعني انتداب المزيد من الأشخاص الذين لم يعملوا قط في القطاع الصحي للعمل فيه. كما يجب تدريب المتطوعين وأيضا اللاجئين والمهاجرين البالغين حتى يمكنهم التعرف بسهولة على كل من يعاني من ضغط اضطرابات قوية أو من الخوف. كما سيسهل ذلك التعرف على من يعاني من الانفعال وعلى من يميل إلى العنف أكثر في سلوكه. حين إذ يمكن تخصيص الإمكانيات اللازمة وتوسيع نظام الرعاية الصحية. علينا القيام بذلك بشكل منهجي، إلا أنه يجب القول إن كثيرا من الناس قد يبقون عرضة للضرر إلى حين تحقيق هذه الأمور.
الدكتورة ماجي شويار هي إخصائية نفسية وخبيرة في أمراض الصدمات النفسية. كما أنها تقوم بمساعدة اللاجئين المضطربين نفسيا في مركز الرعاية النفسية في جامعة كونستانس.