حرب إسرائيل وحماس خلال عام خلّفت في غزة ضحايا وخرابا وصدمة
٦ أكتوبر ٢٠٢٤"في السابع من أكتوبر استيقظنا على أصوات الصواريخ المروعة في أحوال تحفها الأهوال، وبدأنا نشاهد الأخبار فعرفنا الأحداث"، وفق ما تقول وردة يونس لـ DW عبر رسالة نصية من شمال غزة.
"منذ ذلك اليوم بدأ الخوف الأعمق ولم ينتهِ قَطّ"
منذ هجمات حماس الإرهابية العام الماضي 2023 على جنوب إسرائيل لم تعُد أحوال سكان قطاع غزة كما كانت في السابق. فإلى ذلك الحين كانت إسرائيل ومصر تسيطران بإحكام على حدود القطاع، ولكن في الساعات الأولى من صباح السابع من أكتوبر أطلق مسلحون بقيادة حماس وابلاً من الصواريخ واخترقوا أسواراً حدودية واجتاحوا مجمعات سكنية وقواعد عسكرية في جنوب إسرائيل، فقُتل حوالي 1200 شخص في هذه الهجمات وأَسر المسلحون 250 رهينة واقتادوهم إلى غزة وردَّ الجيش الإسرائيلي في اليوم نفسه بغارات جوية وقذائف مدفعية كثيفة شملت القطاع الفلسطيني بأكمله. ويشار أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
"وفي اليوم الثالث من الحرب فقدتُ أقرب صديقاتي إليَّ بعد أن قُصف منزلها بالكامل وقد صدمني هذا صدمة شديدة وأرهقني نفسياً" كما تقول وردة يونس، التي كانت تعيش في ذلك الوقت بالطابق السابع من مبنى سكني في حي الشيخ رضوان بشمال مدينة غزة، وهي المدينة المعتادة على الصراع بعد أن خاضت إسرائيل وحماس أربع حروب سابقة فيها منذ عام 2007 وهو العام الذي انتقل فيه حُكم غزة إلى حماس بعد ما أفلت من أيدي السلطة الفلسطينية، ومع ذلك لم يتوقع كثيرون استمرار حرب لفترة طويلة هناك أو أن تكون مدمِّرة إلى هذا الحد.
وبحسب السلطات التابعة لحماس -وزارة الصحة في غزة التي لا تميز إحصائياتها بين المدنيين والمقاتلين- فقد قُتل أكثر من 41400 شخص في القطاع خلال عام مضى من الحرب وأصيب 96 ألف شخص آخرون وصار ما لا يقل عن 10 آلاف شخص في عِداد المفقودين.
مساعدات محدودة لغزة: "أكلنا العشب وأوراق الشجر"
في الأسابيع الأولى من الحرب انتهتْ الإمدادات في القطاع بسرعة بعد أن فرضت إسرائيل حصاراً كاملاً على غزة ولشهور قالت الأمم المتحدة إن وكالات الإغاثة تحذر من مجاعة وشيكة في شمال غزة، وهو قول نفته السلطات الإسرائيلية.
تقول وردة يونس إنها لم تتمكن من العثور على أي طحين أو خبز خلال تلك الفترة الزمنية وتؤكد قائلةً: "وصلنا إلى مرحلة أكلنا فيها العشب وأوراق الشجر. لم نتخيل بتاتاً في حياتنا أن هذا قد يُؤكل".
وحين وصلت قوافل المساعدات الأولى إلى الشمال كانت وردة يونس شاهدة على عنف وموت وقعا عندما كان الناس يتدافعون للحصول على الأطعمة والمساعدات لفترة من الزمن، ثم قامت منظمات الإغاثة الدولية بعمليات الإنزال الجوي بعد فشل الضغوط الدولية في إقناع إسرائيل بفتح المزيد من المعابر لتسليم المساعدات إلى سكان غزة.
وكل يوم كانت تذهب وردة يونس إلى حيث يتم إسقاط المساعدات من الطائرات بالمظلات كما تقول مضيفةً: "كنتُ أركض محاولِةً الحصول على شيء وفي النهاية لم أحصل على أي شيء بسبب وجود بلطجية يسيطرون على كل شيء"، وتستدرك قائلةً إن توفر الغذاء تحسن منذ ذلك الحين، لكنها تؤكد أن خوفها واحتمال تعرضها للموت لا يزالان قائمين.
"معظم الناس يعانون من صدمة نفسية عميقة"
في الأشهر الاثني عشر الماضية نزحت وردة يونس وأطفالها الثلاثة الناشئون تسع مرات وقد فقدت -مثل آخرين كثيرين في غزة- إحساسها بالوقت أثناء البحث المستمر عن ملجأ يؤويهم.
في منتصف أكتوبر / تشرين الأول 2023 أمر الجيش الإسرائيلي سكان شمال غزة بالفرار إلى الجنوب ولكن وردة يونس قررت البقاء هناك رغم وجود أفراد من عائلتها يؤوونها وأطفالها في مدينة خان يونس الواقعة في الجزء الجنوبي من قطاع غزة على بُعد حوالي 8 كيلومترات (5 أميال) عن حدود غزة مع مصر.
وبعد عام من الحرب ها هو شمال غزة قد أصبح معزولًا بشكل شبه تام عن ممر نتساريم وهو طريق به نقاط تفتيش عسكرية إسرائيلية، وتقول منظمات الإغاثة إن معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2,2 مليون نسمة أصبحوا نازحين في أماكن مكتظة بجنوب غزة وإن كثيرين منهم معتمدون على المساعدات والجمعيات الخيرية.
وممن يعملون دائماً في القطاع الإنساني أمجد الشَوا رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية غير الحكومية، فبعد نزوحه أنشأ مكتباً جديداً في دير البلح -وهي بلدة في وسط غزة- كمركز لمنظمات الإغاثة المجتمعية مستخدماً الإنترنت وسقفاً للعمل تحته، ومثله كمثل فلسطينيين كثيرين آخرين في غزة لم يكن أمجد الشوا يرغب في مغادرة منزله ومكتبه بمدينة غزة حين أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر الإخلاء في 13 أكتوبر / تشرين الأول 2023، وقد تردد في المغادرة كما يقول أمجد الشوا لـ DW مضيفاً: "لكننا غادرنا تحت ضغط أفراد عائلتي وكنت أقول لهم إن ما حدث لن يستمر سوى بضع ساعات ثم سنعود ولم آخذ أي شيء من منزلي معتقداً أننا سنعود قريباً ولكن تلك الساعات والأيام القليلة أصبحت عاماً كاملاً الآن".
وقد لجأ حوالي مليون شخص إلى مدينة دير البلح وسط قطاع غزة وفق تقدير أمجد الشوا، ويعيش كثيرون منهم في خيام أو ملاجئ مؤقتة مصنوعة من القماش المشمع والبلاستيك فيما وجد آخرون شققاً أو يقيمون مع أقارب لهم، "ومعظمهم مصابون بصدمة نفسية شديدة وأنا أرى ذلك على وجوههم"، كما يقول أمجد الشوا مضيفاً: "لقد فقدوا كل شيء وفقد كثيرون أحباءهم وخسر معظمهم دخلهم ومنازلهم". ويقول إن كثيرين يريدون العودة إلى شمال غزة، حتى لو كانت منازلهم قد دُمرت، لكن هذا متوقف على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
عمل إغاثي في غزة محفوف بالمخاطر لكنه يساعد في "بعث بعض الأمل"
ويقول أمجد الشوا إن العمل في مجال الإغاثة في غزة محفوف بالمخاطر، فقد مات كثيرون وهم يحاولون مساعدة الآخرين أو فقدوا أحباءهم مثل كثيرين من حولهم، ويضيف: "لا نستطيع ٰالتأقلم ٰ مع هذه الأحوال، وفي غياب أي أفق يتعين علينا أحياناً خلق بعض الأمل لمن حولنا".
لقد اختفت غزة التي وُلد ونشأ فيها أمجد الشوا وفق ما يرى، فقد أفادت التقارير أن أكثر من 60% من منازل غزة -المتضررة من قبل في الحروب السابقة- قد تضررت من جديد في الصراع الحالي، كما تحولت المدارس والمستشفيات والشركات إلى أنقاض. وتقدر الأمم المتحدة أن الغارات الجوية الإسرائيلية والقتال البري أسفرا عن 40 مليون طن من الأنقاض في جميع أنحاء غزة.
وفي حين بالإمكان إعادة بناء غزة كما يقول أمجد الشوا و"اليوم التالي مهم للغاية" فإن الأكثر أهمية هو الحاضر و"الحفاظ على حياتنا"، ويضيف ناشط الإغاثة أن كثيرين فقدوا الثقة في مساعدة المجتمع الدولي لهم قائلاً إن "ما نشهده حالياً هو أيضا نتيجة لفشل المجتمع الدولي في وقف هذه الحرب أو على الأقل في حماية المدنيين".
عائلات لحق بها خسران مبين في الأموال والأرواح
حماية مفقودة للمدنيين تمناها غزاويون كثيرون ومنهم ريتا أبو سيدو وعائلتها، فقد ظلت الأشهر الأولى من الحرب غامضة بالنسبة لهذه الشابة البالغة من العمر 27 عاماً وهي حالياً في مصر مع أختها فرح تتلقى كل منهما العلاج الطبي بسبب إصابات معقدة أصيبتا بها في غزة، وهما الناجيتان الوحيدتان في أسرتهما المباشرة من "قصف وقع في منتصف ليل 31 أكتوبر" / تشرين الأول 2023 وتقول ريتا متذكرةً: "حينها كنتُ مستيقظة وأخبرتُ أختي فرح أننا قد نموت، أختي تتذكر كل شيء لكن ذلك كان بمثابة خيال بالنسبة لي"، وفق ما تقول ريتا لـ DW عبر الهاتف من القاهرة.
قُتلت والدة ريتا وشقيقتاها الصغيرتان البالغتان من العمر 16 و15 عاماً وشقيقها الصغير وعمره 13 عاماً في تلك الليلة في حي الرِّمَال في وسط مدينة غزة. نُقِلتْ هي وشقيقتها -وهي مضيفة طيران متدربة كانت تزور غزة عندما اندلعت الحرب- إلى مستشفى الشفاء الرئيسي في غزة دون تحديد هويتهما.
وذكرت ريتا أبو سيدو إنها أصيبت بتشنج رئوي وحروق من الدرجة الثالثة، كما أصيبت شقيقتها بكسر في الحوض وإصابات في العمود الفقري، ومع اقتراب المعارك وبسبب خطورة إصابتهما تم نقلهما إلى المستشفى الأوروبي بمدينة خان يونس.
"كانت حالتي النفسية سيئة بعد أن علمت بفقدان عائلتي بالكامل، استغرق الأمر بعض الوقت لفهم محيطي ووضعي. كنتُ عصبية ومتوترة" وفق ما تقول ريتا. وبمساعدة أصدقاء العائلة تمكنت الأختان من مغادرة غزة عبر معبر رفح في فبراير / شباط 2024 لتلقي العلاج الطبي وإعادة التأهيل في مصر. وقد استعادت ريتا صوتها الذي فقدته لبعض الوقت وتخضع أختها للعلاج الطبيعي ومع ذلك تقول إن صدمة فقدان عائلتها ستطاردها لبقية حياتها.
ورغم أنهما آمنتان في مصر فإن حالة إقامتهما هناك غامضة فمعظم سكان غزة الذين تمكنوا من المغادرة إلى مصر ليس لديهم وضع قانوني هناك ويعتمدون على دعم الأقارب أو الجمعيات الخيرية.
وليس من الواضح بعد إنْ كانت ريتا ستتمكن من العودة إلى غزة، فهذا يخضعلقرار سياسي لا تستطيع التحكم فيه، و"يبدو أن العودة إلى غزة تشكل تحدياً وقد يستغرق الأمر وقتاً حتى ذلك الحين وعندئذٍ يكون لدى جيلنا القادم الإرادة لإعادة البناء"، كما تقول ريتا.
أعده للعربية: ع.م