ما عواقب استيراد مصر والأردن الغاز من إسرائيل؟
١٨ ديسمبر ٢٠١٩وافقت إسرائيل على بدء تصدير الغاز الطبيعي لمصر، كما أعلنت الشركة الأمريكية المُشغلة لحقل لوثيان الإسرائيلي عن قرب البدء في تصدير الغاز للأردن خلال الأسابيع القادمة.
ولكن تفاصيل ملفي اتفاقات الغاز، سواء بين مصر وإسرائيل أو بين الأردن وإسرائيل من جانب آخر، والتي وصلت لحد التحكيم الدولي وفرض غرامات مالية ضخمة ومطالبات برلمانية بإلغاء الاتفاقات مع إسرائيل، تجعل من الضروري محاولة فهم العواقب السياسية والاقتصادية لتصدير الغاز الإسرائيلي للدولتين العربيتين.
مخرج من الغرامات على مصر؟
وبموجب ما وصفته إسرائيل بـ "اتفاق تاريخي" تبلغ قيمته 15 مليار دولار، ستحصل مصر على 85 مليار متر مكعب غاز طبيعي من حقلي "تمار" و"لوثيان" الواقعان بالمياة الإقليمية التابعة لإسرائيل.
وتم الإعلان بشهر نوفمبر/تشرين الثاني عن اتفاق يؤدي ضمنيا لزيادة حصة مصر في ملكية خط أنابيب الغاز الواصل بين مصر وإسرائيل، والمملوك بالأساس من شركة غاز شرق المتوسط التي تعتبرالهيئة المصرية العامة للبترول واحدة من المساهمين بها.
وجاء هذا الاتفاق عقب قيام شركة "بي تي إنرجي" المالكة لـ 25% من شركة غاز شرق المتوسط، بشهر سبتمبر/أيلول، بالمطالبة بتعويض مالي من مصر يبلغ حوالي مليار دولار أمريكي، بسبب ما شهدته إمدادات الغاز المصرية من توقف خلال ثورة يناير 2011.
وفي حوار أجرته DW عربية معه، يرى النائب السابق لرئيس الهيئة العامة للبترول في مصر والاستشاري بمجال الطاقة مدحت يوسف أنه في الاتفاقية الأولى بين مصر وإسرائيل في ملف الغاز "لم يكن هناك شروط كافية توفر الحماية لمصر في حالة عدم قدرتها على الالتزام بتعهداتها"، ولكنه يرى أن مصر في الاتفاقات الجديدة كانت أكثر "حرصا".
ويقول يوسف: "أعتقد أن مصر لن تدفع أي شي بحيث يتم تسديد الجزء الأكبر من الغرامات التي تم إعلانها من قبل هيئة التحكيم الدولية بعد تفجير خط الغاز ووقف التصدير من خلال سماح مصر بتصدير الغاز الإسرائيلي عبر أراضيها وتخفيضها لتكلفة نقله لأي دولة أخرى عبر تسهيلات التصدير المصرية".
وفي شهر سبتمبر/أيلول كان قد تم الإعلان عن اتفاق يتم بموجبه تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر عبر خط أنابيب مملوك من شركة غاز شرق المتوسط يربط مدينة عسقلان الإسرائيلية بالعريش المصرية، لكن يجب أن يمر الغاز أولا عبر مرفأ عسقلان التابع لشركة أوروبا آسيا الإسرائيلية، وفقا لموقع صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية.
الصورة أوضح في الأردن!
بموجب أحدث الاتفاقات التي تم عقدها بشأن تصدير الغاز من إسرائيل لمصر، تدفع شركة غاز شرق المتوسط للدولة العبرية مبلغا لم يتم الكشف عنه، بينما تم الإعلان عن قيمة الاتفاق الذي وقعته شركة الكهرباء الأردنية مع إسرائيل حيث يصل إلى 10 مليارات دولار أمريكي.
ويرى النائب السابق لرئيس الهيئة العامة للبترول في مصر أن السبب وراء كون قيمة الاتفاق الإسرائيلي الأردني مُعلنة في مقابل عدم الإفصاح عن بعض بنود الاتفاق الإسرائيلي المصري هو "أن الأردن ببساطة ستقوم بشراء الغاز الإسرائيلي لاستهلاكه محليا، أما مصر فلن تشتري أي شيء حيث يتمثل دورها في السماح بنقل الغاز من إسرائيل لمشتر آخر"، على حد وصفه.
إلا أن هذا الوضوح بشأن القيمة المالية للاتفاق الأردني لا يعني خلو الأمر من تعقيدات أخرى، إذ طالب مجلس النواب في الأردن الحكومة بشهر مارس/ آذار بإلغاء الاتفاق مع إسرائيل لكونه "مرفوض برلمانيا وشعبيا"، لتلجأ الحكومة الأردنية للمحكمة الدستورية التي أصدرت قرار في شهر سبتمبر/أيلول بـ "عدم الحاجة لموافقة مجلس الأمة" على استيراد الغاز من إسرائيل.
وفي حوار أجرته DW عربية معه، يؤكد مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة جمال عبدالجواد على أن استيراد الأردن للغاز من إسرائيل "يخلق بطبيعة الحال مقدارا من الاعتمادية"، ولكنه أيضا لا يعني أن تكون الأردن "تابعا لإسرائيل" بأي شكل. ويضيف : "عندما توقفت مصر عن تصدير الغاز للأردن بعد الثورة، كان عليها البحث عن بديل سريع للغاز المصري ونجحت في إيجاده لأن العالم يوجد به منتجون آخرون للغاز، فالتكلفة هنا اقتصادية فقط".
"ثروة مُعطلة" في إسرائيل!
ويُقدر احتياطي الغاز في حقل "تمار" بحوالي 238 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، في حين يحتوي حقل "لوثيان" على 535 مليار متر مكعب.
ويُنبه النائب السابق لرئيس الهيئة العامة للبترول في مصر مدحت يوسف إلى أن البديل لتصدير الغاز الإسرائيلي هو بقاءه لديها لحين إقامة محطات إسالة ونقل له بما يستغرق فترة زمنية لا تقل عن 7 سنوات، ما يعني امتلاك ثروة معطلة وخسارة إسرائيل لما يمكن أن يصل إلى 2 مليار دولار أمريكي ما "جعل الموقف المصري أقوى أثناء التفاوض".
أما بالنسبة للأردن، فيشير جمال عبدالجواد إلى إنه بالرغم من استمرار موقعها كمستورد للغاز سواء من مصر أو من إسرائيل، فهي تحقق مكسبا اقتصاديا "حيث تستورد غازا من دولة جارة بتكلفة أقل كثيرا من الاستيراد من دولة أبعد جغرافيا".
إسرائيل "شريك" وليست "حليفا"
واعتبر وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز تصدير الغاز إلى مصر من حقول لفيتيان وتمار "أهم تعاون اقتصادي بين إسرائيل ومصر منذ توقيع معاهدة السلام بين البلدين"، إذ ستكون هذه المرة الأولى التي تستورد فيها مصر الغاز من جارتها التي أبرمت معها معاهدة للسلام عام 1979.
ولا يرى مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية جمال عبدالجواد أن هناك "نقلة نوعية" بخصوص تصدير الغاز من إسرائيل لدول عربية، حيث يرى أن الأمر هو "استئناف لعلاقة اقتصادية تعثرت لفترة ثم عادت مرة أخرى"، كما اعتبر قرار الأردن الأخير عدم تجديد اتفاق تأجير أراض لمزارعين إسرائيلين دليلا على حديثه وقال: "لم ينتج عن هذا مشكلة بين البلدين، إذن فالعلاقة هنا هي احترام من الجانبين لما جاء في الاتفاقات المُوقعة بينهما".
كما يرفض الباحث المصري اعتبار الشراكة الاقتصادية حلفا سياسيا موضحا: "التحالف هو التزام على الحلوة والمرة بين الأطراف المتحالفة والتعهد على مساندة بعضهم البعض في جميع الأحوال، أما الشراكة فتقوم بالأساس على تحقيق المنفعة المتبادلة".
دينا البسنلي