متاعب ترامب ـ شبح الرئيس السابق يلاحق الديموقراطيين!
١٣ أغسطس ٢٠٢٢في سابقة من نوعها، قام مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "إف.بي.آي" بمداهمة منتجع "مار ايه لاغو" بفلوريدا، الذي يملكه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ما أثار زوبعة من ردود الفعل المثيرة سياسيا وإعلاميا، وهو ما يؤكد الوزن الذي لا يزال يتمتع به الرئيس السابق في حزبه (الجمهوري) وبين مؤيديه، ولكن أيضا مخاوف معارضيه، خصوصا من الديموقراطيين، من حيث قدرته على العودة إلى حلبة المنافسة على كرسي الرئاسة، وما سيكون لذلك من تداعيات على الداخل الأمريكي ولكن أيضا على مستوى العلاقات الدولية، التي يلعب فيها العملاق الأمريكي دورا محوريا.
ترامب لم يتردد في وصف المداهمة بـ"أكبر عملية اضطهاد سياسي" وقال: "إنها أوقات عصيبة تمر بها أمتنا حيث يخضع منزلي الجميل في مار ايه لاغو في بالم بيتش بولاية فلوريدا للحصار والمداهمة والاحتلال من قبل مجموعة كبيرة من عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي". وأضاف ترامب رافعا شعار المظلومية "إنه سوء سلوك من جانب الادعاء العام، واستخدام لنظام العدالة كسلاح، وهجوم يشنه الديموقراطيون من اليسار المتطرف الذين يحاولون بشكل يائس منعي من الترشح للرئاسة في عام 2024"، مشددا على أنه عرضة "لاضطهاد سياسي".
غير أنه لا يزال من السابق لأوانه الحسم فيما إذا كانت هذه التحقيقاتستضر بترامب أم بالعكس، ستزيد من شعبيته. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "لايبتسيغر فولكستسايتونغ" الألمانية (التاسع من أغسطس / آب 2022) معلقةً: "على الرغم من عدم الكشف عن جميع التفاصيل، يمكن للمرء أن يتكهن بأن أمرا قضائيا بمداهمة مقر ترامب، تم وفق مؤشرات وأدلة معينة. ولا شك أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يتصرف من تلقاء نفسه. غير أنه لم يثبت بعد أن ترامب أخذ معه وثائق سرية إلى فلوريدا عندما غادر البيت الأبيض. وسيتعين على القضاء توضيح ذلك. لذا فإن غضب ترامب مفهوم. والشعبويّون لا يعترفون بالخطوط الحمراء على الإطلاق لا سيما أحكام القانون".
تجذر "الترامبية" .. سواء ترشح ترامب أم لا
بات من شبه المؤكد أن دونالد ترامب يسعى للترشح لمنصب الرئاسة مرة أخرى. وحتى لو لم يوفق في ذلك، فإن "الترامبية" ستستمر بدونه. فرغم خسارته لرئاسيات عام 2020، إلا أنه لا يزال يحكم قبضته، فيما يبدو، على دواليب الحزب الجمهوري. وهناك من يعتقد من أنصاره أن المشاكل القضائية التي يتعرض لها، سببها الرئيسي محاولة منع ترشحه عام 2024. وقد استغلت شخصيات جمهورية هذه الفرصة لتعبئة قاعدة الحزب قبل انتخابات الكونغرس في الخريف المقبل (انتخابات التجديد النصفي)، رغم أن ترامب لم يعد يحتكر دور المرشح الوحيد الواعد داخل الحزب. ومن بين منافسيه يواصل نجم حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس الصعود، وهو الذي جمع ما لا يقل عن مائة مليون دولار من التبرعات لحملته الانتخابية، رقم قد يكون أزعج ترامب بلا شك. يذكر أن ديسانتيس يلقب بـ"ترامب صاحب العقل"؛ وذلك لتوصيف ذكائه من جهة وتجذره اليميني من جهة أخرى.
ومنذ مغادرته البيت الأبيض، لم يتوقف ترامب عن نشر أخبار مضللة عن فوزه في انتخابات عام 2020. ورغم ذلك لم يتردد كبار الجمهوريين في إظهار دعمهم له بعد مداهمة منتجعه. صحيفة "فرانكفورته روندشاو" الألمانية كتبت بهذا الشأن (11 أغسطس/ آب) مستشهدة بالكاتبة والخبيرة الأمريكية أنيكا بروكشميت التي قالت بأنه "إذا أصبح ترامب مرشحًا للرئاسة مرة أخرى، فإن حتى الجمهوريين الذين شهدوا ضده في لجنة التحقيق البرلمانية سيصوتون لصالحه (..) هذا يستند إلى وجهة نظر اليمين القائلة بأن" اليساريين "مع" تقلبهم "المزعوم وعلمانيتهم يشكلون تهديدًا أكبر بكثير لأمريكا من رئيس يريد، في أسوأ الأحوال، إقامة نظام استبدادي". ويذكر أن عددا من مستشاري ترامب السابقين حضوه على التأكيد الفوري بأنه سيكون مرشحا رئاسيا عام 2024.
"مظلومية ترامب" و"انتهازية الجمهوريين"
بعد مداهمة مقر إقامته قال ترامب إن "اعتداء كهذا لا يحصل سوى في بلدان العالم الثالث المستضعفة. وللأسف تحولت الولايات المتحدة إلى بلد من هذه البلدان"، مضيفا: "حتى خزانتي اقتحموها". وانتقد بعض كبار الشخصيات الجمهورية تلك العملية، متهمين وزارة العدل بتجاوز صلاحياتها. وضاعفت هذه العملية الضغوط التي يتعرض لها ترامب وسط استهجان أنصاره وترحيب من قبل خصومه السياسيين. ترامب أكد أن عملية الضغط عليه يقف وراءها "الديموقراطيون من اليسار المتطرف الذي يحاولون بشكل يائس منعي من الترشح للرئاسة في 2024". غير أن البيت الأبيض أكد أن الرئيس جو بايدن لم يكن لديه أي علم مسبق بشأن المداهمة ويحترم استقلالية وزارة العدل. من جهته، أعلن النائب الأمريكي سكوت بيري، حليف ترامب، أن عناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالي صادروا هاتفه الخلوي، دون أن يبين السبب الذي دفعهم إلى ذلك. وندد بما وصفه "هذا النوع من تكتيكات جمهوريات الموز".
وبهذا الصدد كتب موقع "فيلت" الألماني (11 أغسطس/ آب) معلقا: "إن أنصار ترامب باتوا يهددون بحرب أهلية بعد مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي لمار إيه لاغو. ويقارن الخبراء الحالة المزاجية بالأيام التي سبقت اقتحام مبنى الكابيتول وقبل اندلاع الحرب الأهلية في عام 1861. الخطر الأكبر هو ماذا لو حدث شيء لترامب الآن؟"، تتساءل الصحيفة.
وعبر مايك بنس، النائب السابق لترامب، عن "قلقه العميق" إزاء عملية التفتيش واعتبرها "انحيازا حزبيا" من جانب وزارة العدل. فيما وصفت النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك ما حدث بأنه "يوم مظلم في التاريخ الأمريكي".
ومباشرة بعد المداهمة، أعلن فريق ترامب، في بيان، إطلاق حملة لجمع الأموال طالبا "من كل أمريكي يتمتع بصفات الرجولة ومحب للوطن أن يتقدم" ويتبرع لمحاربة ما وصفه ترامب بأنه "اضطهاد سياسي لا ينتهي". ومع تراجع شعبية الرئيس جو بايدن إلى أقل من 40 بالمئة وتوقع فقدان الديموقراطيين لهيمنتهم في مجلس النواب في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبلة، يعول ترامب وأنصاره على إمكانية ركوب الموجة الجمهورية للوصول إلى البيت الأبيض مجددا عام 2024.
حذر الديموقراطيين بشأن الجدل حول ترامب
تميزت ردود فعل الديموقراطيين أمام الزوبعة التي أثارها الجمهوريون، إما بالحذر أو الامتناع عن الرد. وبهذا الشأن قالت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي "لا أحد فوق القانون (..) ولا حتى رئيس سابق للولايات المتحدة". أما السناتور الديموقراطي كريس ميرفي فتساءل "عندما نقرر أن الأثرياء والأقوياء هم فوق القانون، فإن أمريكا لن تبقى أمريكا". ويخشى الديموقراطيون أن تثير عملية المداهمة حماسة أنصار ترامب ويكون لها بالتالي مفعول عكسي على الناخبين على بعد أشهر من الانتخابات النصفية.
حذَرُ الديموقراطيين مبررٌ، إذا ما تم تحليل أسلوب تفاعل الجمهوريين وعلى رأسهم نجل ترامب إريك، الذي أكد أن المحققين أكدوا له أن سبب المداهمة هو البحث عن وثائق حكومية. وأضاف إريك "عمل والدي بشكل جيد معهم (عملاء إف.بي.أي) طوال أشهر. محامو (والدي) أصيبوا بالصدمة بسبب وجود علاقة جيدة مع الناس. دفعة واحدة، دون سابق إنذار، أرسلوا 20 سيارة و30 من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي. هذا مجرد اضطهاد سياسي آخر لدونالد ترامب ".
ويذكر أن هيئة المحفوظات الوطنية الأمريكية قد كشفت في فبراير/ شباط الماضي أنها استردت 15 صندوقا من الوثائق من مقر ترامب في فلوريدا وطلبت من وزارة العدل التحقيق في كيفية تعامل ترامب مع معلومات سرية. موقع "شتيرن الألماني (الرابع من أغسطس/ آب) كتب معتبرا أن "الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل، قد تقوض الديمقراطيين الحاكمين بشكل فظ. كما يبدو أن نسبة التضخم وانخفاض شعبية الرئيس جو بايدن يلعبان لصالح الحزب الجمهوري".
ضغوط قضائية .. وتداعيات عالمية؟
عرفت العاصمة الأمريكية طوال الأسابيع الماضية جلسات استماع في الكونغرس حول حادث اقتحام أنصار ترامب مبنى الكابيتول، ومحاولاته إلغاء نتائج الانتخابات، التي فاز بها الديموقراطي جو بايدن. وأكد المدعي العام ميريك غارلاند أنه "لا يوجد شخص فوق القانون"، مبديا عزمه على "محاسبة كل شخص مسؤول جنائيا عن محاولة قلب نتيجة انتخابات شرعية". كما يُتابَع ترامب في قضية أخرى تتعلق بمحاولات لتغيير نتائج الانتخابات الرئاسية في ولاية جورجيا، وفي الوقت ذاته تتواصل التحقيقات في أعماله التجارية في نيويورك في قضيتين منفصلتين، واحدة مدنية والأخرى جنائية. ووفقا لكتاب سيصدر قريبا لماغي هابرمان مراسلة صحيفة "نيويورك تايمز"، كان موظفو البيت الأبيض يكتشفون بانتظام أكواما من الورق تسد المراحيض، ما دفعهم للاعتقاد بأن ترامب كان يحاول فعلا التخلص من وثائق معينة.
صحيفة "دي برسه" النمساوية (العاشر من أغسطس/ آب) كتبت محذرة من تداعيات إعادة انتخاب محتملة لدونالد ترامب في البيت الأبيض: "لا يزال ترامب محبوبا لدى قواعد الحزب الجمهوري. بالطبع، لن يكون ترشيحه نجاحًا مضمونا، لكن ترامب شخصية مستقطبة. بالنسبة لأغلبية ضئيلة من الأمريكيين، لن تكون عودة الرئيس السابق أسوأ ما يمكن حدوثه (..) الحقيقة هي أن ترامب لا يزال يطارد الساحة السياسية الأمريكية على الرغم من كل الفضائح". غير أن الصحيفة تعتبر سيناريو فوز الملياردير ترامب "أمرا مستبعدا للغاية، ولكنه ليس مستحيلًا، وهذا إن حدث سيكون مأساة ليس فقط للولايات المتحدة ولكن أيضا للغرب. الناتو قد لا يستحمل إعادة انتخاب ترامب (...) الناتو تحالف قوي، لا يمكن تدميره من الخارج ولكن من الداخل. آخر ما تحتاجه أوروبا هو رئيس أمريكي يضع وجود حلف الناتو موضوع تساؤل".
حسن زنيند