مدنيو عفرين متمسكون بالأرض وسط قلق الأهل في أوروبا!
٢٦ يناير ٢٠١٨الساعة الثالثة فجراً، لكن اللاجئ السوري جومرد حمدوش الذي يقيم في ألمانيا لا يستطيع أن ينام بعد، فهو قلق، كما يقول، بعد أن قضى يومه في الاتصال بعائلته ورفاقه في منطقة عفرين، شمال غرب سوريا، والتي تتعرض لليوم الخامس على التوالي لقصف شديد من قبل الجيش التركي الذي أعلن بدء عملية عسكرية هناك.
البارحة سقطت عدة قذائف على قريته "كفر الجنة" التي تقع بين مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية، والتي تسيطر عليها قوات كردية، ومدينة إعزاز، إحدى معاقل مسلحي المعارضة والمشاركين في الهجوم على عفرين مع الجيش التركي.
يقول جومرد الذي يعيش في مدينة هانوفر الألمانية لمهاجر نيوز: "وضع المدنيين صعب جداً، وهناك العشرات من الضحايا بسبب القصف"، ويتابع: "أحاول عشرات المرات حتى أستطيع التحدث مع أخي وأختيّ، والذين مازالوا في القرية، للاطمئنان على سلامتهم".
تمسك بالأرض رغم سوء الأوضاع الإنسانية
وبالرغم من أن اللاجئ الذي يعيش في ألمانيا مع زوجته وطفلته، يحاول منذ سنوات إقناع أخيه باللجوء إلى بلد آمن، كما يقول، إلا أن أخاه هفال أصرّ على البقاء في قريته، رغم الوضع الإنساني الصعب هناك.
وبالإضافة إلى قلق الآلاف من أهالي عفرين الذين يقيمون في ألمانيا على وضع عائلاتهم هناك، فإن هذا الموضوع يحظى بأهمية بالغة في ألمانيا، وذلك بسبب الضغوطات المحلية التي تتعرض لها الحكومة الألمانية، بعدما أظهرت صور من أرض المعركة على ما يبدو أن تركيا نشرت دبابات مصنوعة في ألمانيا من طراز "ليبارد2" في عمليتها العسكرية ضد عفرين.
يؤكد هفال حمدوش الذي يعيش مع زوجته وأطفاله الأربعة في قرية كفر جنة في عفرين إنه لن يخرج من عفرين بالرغم من الوضع الصعب، ويتابع: "مثل الكثيرين من رجال عفرين، أفضّل أن أموت على أرضي بكرامة، من أن أتخلى عنها وألجأ إلى بلد آخر".
عشرات الضحايا المدنيين
وذكر تقرير للأمم المتحدة نقلاً عن مصادر محلية أن نحو خمسة آلاف شخص نزحوا من عفرين حتى اليوم الثالث من الهجوم، مؤكداً أن السكان الأكثر عرضة للخطر لا يستطيعون الهرب. وقال التقرير إن الأمم المتحدة على استعداد لتقديم مساعدات لخمسين ألف شخص في عفرين.
يقول حمدوش الذي يعمل في شركة المياه في عفرين إن عدة عائلات في قريته اضطرت أن تلجأ إلى بعض الكهوف القريبة هناك، بسبب سقوط العديد من قذائف الهاون عليها قادمة من جهة إعزاز، ويتابع: "بالطبع هناك خوف كبير لدى الناس، لكنهم يتعايشون مع الوضع، فيذهبون إلى الكهوف أو أقبية المنازل عند القصف، لكنهم سرعان ما يعودون لمنازلهم، في حال لم تتدمر"، مضيفاً أن بعض العائلات تنزح إلى أماكن أخرى، حيث يعيش أقاربها.
وبالرغم من نفي أنقرة لاستهداف مدنيين، إلا أن المرصد السوري لحقوق الإنسان قال في اليوم الخامس من بدء الهجوم على عفرين أن القصف والضربات الجوية التركية في عفرين قتلت 28 مدنياً.
ويؤكد حمدوش الذي يبلغ الرابعة والأربعين من العمر أنه يوجد عشرات الضحايا من المدنيين مشيراً إلى أن سبب تضارب الأنباء حول عدد الضحايا يعود للحرب الإعلامية، ويضيف: "إن الحرب التي تشنها تركيا وميليشياتها من الإسلاميين لا تستهدف وحدات حماية الشعب فقط، كما تدّعي تركيا، لكنها تستهدف الوجود الكردي في عفرين"، مضيفاً أنه وبالرغم من أنه لا يتفق سياسياً مع حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تقول تركيا إنها تستهدف أتباعه، إلا أنه مستعد لحمل السلاح دفاعاً عن قريته وأهله.
"كل زيتونة ستنجب طفلاً ومحال أن ينتهي الزيتون"
ويؤكد محمد بلال الذي يعيش في بلدة راجو في شمال غربي عفرين والتي تعرضت أيضاً لقصف عنيف من قبل الطيران التركي، أنه وبالرغم من الوضع المأساوي، فإنه سيبقى في عفرين ولن يهاجر إلى بلد آخر بالرغم من أن بعض أقاربه يقيمون في ألمانيا والدنمارك، ويتابع لمهاجر نيوز: "قد يعتقد الناس أن كل سكان عفرين يريدون أن يخرجوا منها بسبب القصف الشديد، لكنني متمسك بأرضي مثل كثيرين آخرين"
ويقول بلال، الأب لأربعة أشخاص، والذي يبلغ الخامسة والخمسين من العمر: "إن أراد أولادي اللجوء فهم أحرار، لكنني سوف أبقى هنا"، مضيفاً: "هناك أشياء لا يستطيع من يفكر بشكل ماديّ أن يفهمها، ومنها التمسك بالأرض وحب الوطن".
ويوافقه هفال حمدوش في ذلك، ويقول: "مصيري من مصير أهلي، ولن أتركهم وحدهم"، ويؤكّد أخوه جومرد أنه وبالرغم من كل شيء فإنه لا يمكن لأية قوة أن تنزع سكان عفرين من أرضهم، ويقول: "كل زيتونة ستنجب طفلاً ومحال أن ينتهي الزيتون".
محي الدين حسين - مهاجر نيوز